مع تصاعد ممارسات القتل والتعذيب الممنهج بحق مسلمي إقليم "أراكان" (الروهينجيا) غربي ميانمار، لم يجد عشرات الآلاف منهم بدٌ غير النزوح بعيدا للبلدان الأخرى ومن بينها الولايات المتحدة، غير أن صعوبات الحياة لاحقتهم أيضا هناك لاسيما مع مشاكل التكيف وقلة الدعم.
"شيكاغو"، إحدى المدن الأمريكية، يقيم بها نحو 400 عائلة من مسلمي "الروهينجيا" الذين يتعرضون لإبادة جماعية ممنهجة في إقليم "أراكان"، وتحرمهم حكومة ميانمار من حق المواطنة، كما تعدّهم الأمم المتحدة أكثر المجموعات الإثنية تعرضًا للظلم بالعالم.
نجحت هذه العائلات المسلمة في الوصول إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد محاولات عديدة وعناء شديد، وتحاول حاليًا التمسك بالحياة من خلال تلقي أبنائهم التعليم الابتدائي والذي حُرموا منه في بلادهم.
ويُضطر أفراد هذه العائلات إلى العمل في أعمال شاقة لكسب قوت يومهم، بسبب محدودية الدعم، الذي تقدمه لهم السلطات الأمريكية، ويحاولون تغطية احتياجاتهم الأساسية بالمساعدات التي يقدمها المتبرعون.
ويتعلّم اللاجئون الروهينجيا الكتابة والقراءة واستخدام الحواسيب والقرآن الكريم ودروسًا أخرى عن الثقافة الأمريكية على يد مجموعة من المدرّسين المتطوعين في جمعية "وقف الزكاة" الناشطة في منطقة "ويست روغرز بارك" بشيكاغو.
مدير مركز "روهينجيا" الثقافي "ناصر بن زكريا"، الذي قضى معظم حياته مشردًا وبعيدًا عن موطنه الذي يتعرض مسلموه للظلم والاضطهاد، اعتبر في حديث للأناضول التعليم من أكبر المشاكل التي يعاني منها "الروهينغيا" في الولايات المتحدة.
وأضاف بن زكريا، الذي يعيش حاليًا في منزل بشيكاغو مع زوجته "ليلى محمد حسين"، وأطفاله الثلاثة، وجدّه "بابو عبدالحميد"، أن المركز الذي أنشأه "وقف الزكاة" يُشكّل أهمية بالغة بالنسبة لهم في هذا الإطار.
وأشاد المسلم الروهينجي بالجهود الحثيثة التي تبذلها تركيا لمساعدة وإغاثة المسلمين حول العالم وحل المشاكل التي يعانون منها، دون كلل أو ملل، وسعيها إلى تسليط الضوء على المعاناة التي يعيشونها.
وأكّد أنهم لم ينسوا زيارة السيدة الأولى "أمينة" عقيلة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، إلى مخيم للنازحين الروهينغيا في أراكان عام 2012 ومدها يد العون للمظلومين هناك.
ووجه بن زكريا الشكر لتركيا قائلا: "نشكر تركيا وشعبها على الدعم الذي يقدمونه لمسلمي الروهينغيا، كما نشكر الحكومة الأمريكية ووقف الزكاة على احتضانهم لنحو 400 عائلة في شيكاغو".
بدورها، قالت الزوجة "ليلى" إنها لم تنعم بالأمن والسلام والراحة إطلاقًا في ميانمار التي اضطرت لمغادرتها عام 2009، داعية المجتمع الدولي إلى مساعدة الروهينغيا والاهتمام بقضيتهم.
ومضت بالقول: "يحتاج الروهينجيا في أراكان لجميع أنواع المساعدات، فهم يتعرضون لأبشع صور القتل والاضطهاد، والذين ينجحون في الهروب إلى بنغلاديش يُعادون إلى ميانمار ليُقتلوا هناك".
أمّا الجد "بابو عبدالحميد"، فقال إنه بدأ يعيش إلى جانب بن زكريا منذ عام 2014، بعد رحلة هجرة انطلقت من ميانمار ومرّت بتايلاند وماليزيا وانتهت في الولايات المتحدة، مستغرقة نحو 10 أعوام، هربًا من "الإبادة الجماعية".
من جانبها، قالت الأراكانية المسلمة "زليخا يعقوب"(62 عامًا) المقيمة برفقة زوجها، بجوار عائلة بن زكريا، إنها قلقة جدًا على اثنين من أطفالها الأربعة اللذان بقيا في أراكان ولم يتمكنا من الهرب.
أما لورا توفينيتي، مدرسة متقاعدة ومتطوعة في مجال تعليم اللاجئين في المركز الثقافي الروهينغي، فوصفت ما يتعرض له مسلمو الروهينغيا بـ "غير المقبول".
وقالت إن "حكومة ميانمار، بدلاً من محاولة كسب الروهينغيا إلى جانبها، تصفهم بعديمي الفائدة وتبذل مساعٍ للقضاء عليهم. بعد أن أتيت إلى هنا وتعرفت عليهم، اكتشفت كم هم أناس لطيفون، وأنا أرى نفسي جزءًا منهم".
وأشارت إلى أنها رأت قبل فترة صورًا للأطفال تم احراقهم من قبل جنود في جيش ميانمار، مشددة على ضرورة إنهاء هذا الظلم فورًا.
أما اللاجئ عمر سلطان، الذي يقيم في شيكاغو مع زوجته وأطفاله الستة، فقال للأناضول إنه فر من أراكان إلى ماليزيا، عندما كان عمره 5 أعوام، التي تزوج وأنجب فيها، قبل ان ينتقل إلى العيش في الولايات المتحدة.
ويسعي سلطان إلى تعليم أبنائه معتمدًا على الإعانة المقدمة من قبل مؤسسة الضمان الاجتماعي والتي تبلغ 732 دولارا أمريكيا، إضافة إلى ما تحصل عليه زوجته من أعمال التنظيف.
ولفت سلطان إلى أن عائلته تشعر بالقلق على الأقارب الذين ما زالوا على أرض الوطن وفي ديار اللجوء، مشيرًا إلى أن قوات الجيش في ميانمار أحرقت قريته، وقتلت الكثير من أهلها بما في ذلك الأطفال، مقدمًا لمراسل الأناضول صورًا لقريته وأخرى تتضمن جثثًا محترقة لأقاربه وسكان القرية.
أما اللاجئ محمد ميا، (70 عامًا)، فقال إنه على "رغم من أن حكومة ميانمار تدعي عدم وجود مسلمين في ميانمار، إلا أنها قبلت في الوقت ذاته مساعدات قدرها 40 مليون دولار أمريكي، قدمتها حكومة اليابان لصالح مسلمي الروهينغيا". مطالبًا العالم بالسعي لوقف الإبادة الجماعية التي يتعرض لها المسلمون في أراكان.
من جهته، قال خليل دمير، رئيس جمعية الزكاة التي تنفذ بعض المشاريع الخيرية لصالح مسلمي الروهينغيا، "ربما تكون أقلية الروهينغيا الأكثر تعرضًا للاضطهاد في العالم، انتزعت منهم كل حقوقهم لسنوات".
وتابع: "نحن من جهتنا نسعى لتقديم مختلف أنواع الدعم للروهينغيا من خلال مكتبنا في بنغلاديش، كما نعمل على مساعدة إخواننا فيما يتعلق ببرنامج الاندماج وعملية التكيف، من خلال تأسيس المركز الثقافي الروهينغي في شيكاغو".
ولا يعرف بالضبط عدد اللاجئين من مسلمي الروهينجيا الذي فروا من الاضطهاد في ميانمار إلا أنهم يقدرون بعشرات الآلاف.
ويعيش نحو مليون من مسلمي الروهينجا، في مخيمات بولاية "أراكان"، بعد أن حُرموا من حق المواطنة بموجب قانون أقرته ميانمار عام 1982، إذ تعتبرهم الحكومة "مهاجرين غير شرعيين من بنغلاديش"، بينما تصنفهم الأمم المتحدة بـ"الأقلية الدينية الأكثر اضطهادًا في العالم".