أطفال يأكلون العشب وأوراق الشجر، وجرحى يتلقون علاجهم على أرصفة ما تبقى من الشوارع بعد أن دُمِّرت مشافيهم، ونساء وشيوخ يصارعون الموت يبحثون عن ملاذ أخير ينجون من براثن هلاك لا مفر منه.. إنهم أهالي درعا المُهجَّرون إلى قرى نوى وسحم وتسيل وجلين.
فمع استمرار الحصار الخانق التي تفرضه مليشيات روسيا وإيران والأسد، على قرى حوض اليرموك في ريف درعا الغربي، وتفاقم الأمور المعيشية وازديادها صعوبة، غادرت عشرات العائلات تلك المناطق باتجاه مدن وقرى نوى وسحم وتسيل وجلين ودرعا، في رحلة البحث عن الأمن و الأمان ولقمة العيش، وذلك بعد أن تقطعت بها السبل بغية إيجاد ما يسد الرمق، نتيجة الاشتباكات القائمة في المنطقة، بين الفصائل المسلحة تارة، ومليشيات الشيعة وإيران من جهة أخرى.
الحياة فيما تبقى من مدن سوريا باتت مستحيلة، فالموت في كل مكان، والجوع والمرض لم يترك سوريا إلا وقد نال منه، في 6 سنوات هي الأسوأ في تاريخ البشرية.
وفي الفترة الأخيرة نتج عن الأوضاع بمحيط درعا، اشتباكات وأعمال عنف بموجبها توقفت الأعمال والأنشطة الحياتية وحركة البيع والشراء، وعدم دخول أي مواد استهلاكية أو مواد أخرى إلى المنطقة منذ نحو شهر.
وأشار مصدر من داخل قرى حوض اليرموك إلى أنه "على الرغم من المناشدات التي أطلقها الأهالي والمجالس المحلية هناك بضرورة إدخال الخبز والطحين إلى المنطقة، إلا أن الأمور مازالت على حالها، فالخبز منذ بداية الحصار دخل مرة واحدة قبل عدة أيام".
ولفت المصدر الذي صرح لموقع "السورية نت" إلى أن الطريق يفتح بشكل جزئي، ولساعات محددة، أمام أهالي قرى حوض اليرموك، لتأمين احتياجاتهم بشكل فردي من سحم وتسيل، وذلك سيراً على الأقدام.
وأضاف المصدر أنه "وأمام هذا الوضع، غادرت عشرات الأسر المنطقة بعد أن توقفت الأعمال، واستهلك الناس كل المؤن الشتوية"، منوهًا إلى أنَّ ظروف المنطقة تزداد صعوبة مع مرور كل يوم، بسبب عدم وجود المواد الاستهلاكية والأدوية العلاجية والمشتقات النفطية، التي تسبب فقدانها وعدم توفرها، بتوقف المزارعين أيضًا، عن زراعة وحراثة الأراضي الزراعية، للموسم الشتوي الحالي.
المحلل السياسي السوري وأحد أهالي درعا، أحمد المسالمة قال: إن حوض اليرموك به أكثر من 60 ألفًا من المدنيين يقعون تحت حصار خانق بأكثر من عشرين قرية وبلدة أكبرها بلدة الشجرة التي تعد مركزا للمنطقة.
وأوضح المسالمة لـ"مصر العربية" أنه منذ أكثر من سنتين بدأت المعاناة بعد أن فرض لواء شهداء اليرموك نفسه سيدًا على المنطقة ودخل في نزاع مع جبهة النصرة وحركة أحرار الشام وكبر وترعرع النزاع حتى وصل الأمر لمبايعة شهداء اليرموك لتنظيم داعش وانضمام فصائل إليه واندمجوا بمسمى جيش خالد بن الوليد.
وتابع: الأمر تطور لمعارك جديدة أعلنها الجيش الحر باجتثاث هذا التنظيم من المنطقة بعد أن حاول التعدي على مناطق أخرى والتوسع جغرافيًا على حساب بلدات يسيطر عليها الحر، فكانت حربًا من الجيش الحر على جيش خالد من الشهر الثالث من 2016 وما تزال مستمرة مع اقتراب العام على الانتهاء.
وأضاف السياسي السوري "هذه الحرب والمعارك التي سبقتها فالخاسر الأكبر منها هم المدنيون بالمنطقة، المساعدات الإنسانية لا تدخل إليهم والأمم المتحدة ترفض المساعدة بالمنطقة رغم المناشدات كون المنطقة منطقة نزاع كما تقول الأمم المتحدة،
خصوصًا وأنه كان هناك طريق بين عين ذكر وتسيل يغذي المنطقة كل يوم ساعتين إلى ثلاث ساعات حيث يقوم الأهالي بالتبادل التجاري وجمع احتياجاتهم والعودة إلى المنطقة مع ارتفاع وتيرة التصعيد العسكري أغلق الطريق بطريق بديل عين ذكر -البكار ورفض أهالي المنطقة المرور به لأنه يشكل مخاطر جمة عليهم.
وأكمل المسالمة كلامه، فتحت المنطقة بفترات سابقة بالشهر العاشر ومنتصف الحادي عشر فتدفق المدنيين من منطقة اليرموك للقرى والبلدات المجاورة بحثًا عن الأمان والمأوى الملائم والسلم، وبقيت المنطقة تعيش الحالة الإنسانية المزرية والتي تتراجع باستمرار، فالمحاصيل الزراعية التي زرعها أهل المنطقة بقيت بدون جني وحصاد لمنع التنظيم الأهالي من ذلك وأيضًا المعارك المستمرة حالت دون ذلك وللعلم المنطقة تعد خزانا زراعيا فهي وافرة المياه خصبة الأرض تزرع بها كميات تكفي محافظة درعا والقنيطرة والسويداء غذائيًا.
وتابع: بعد أن حرم أهالي المنطقة من جني محاصيلهم، اختفت السلع من الأسواق وبقيت عدة محال تجارية متفرقة لا يتجاوز عددها الأصبع، فكانت هذه المحال تستغل المدنيين وتقوم بعمل وزارة التموين عليهم فهي ترفع الأسعار وتحددها وتقدر الكميات التي تباع للمدنيين.
المدنيون نفذت مدخراتهم المالية وانتهت موادهم التموينية المخزنة، الكلام لا يزال على لسان شاهد عيان درعا، والذي أضاف أنه نتيجة الاستهلاك وعدم توفر البديل أو التعويض عن الفاقد، فلا عمل ولا تبادل تجاريا ولا أموال في درعا، قائلا: "هذا الحال أجبر المدنيين على طلب المساعدات وإغاثتهم، ورغم ذلك لم يلقوا إجابات شافية ولا مساعدات حاضرة فكان النزوح سيد موقفهم، وهنا تكمن الطامة الكبرى النزوح عن مسقط الرأس وترك البيت والذكريات والخروج فكان لهم بالمراصد جيش خالد الذي منع وأجبر على دروع بشرية لهؤلاء القوم والحر أغلق الطرقات خوفًا من تسلل لعناصر جيش خالد بين المدنيين.
وأنهى المسالمة كلامه، "أهالي درعا يعانون من نقص بكل شيء، المحروقات غير متوفرة إلا لسيارات جيش خالد، والمواد الغذائية والأساسية مجرد صور تمر من مخيلاتهم، حليب الأطفال هاجس الأمومة والمواد الطبية والأدوية ذكريات تراود المرضى، قائلا: "هذا قليل من المعاناة فالمأساة كبيرة والألم لا يحتمل.
بدوره، قال زياد الطائي الحقوقي السوري، "ليست درعا وحدها التي ينزح أهلها، فسوريا كلها نزحت، وهرب أهالها، وتغيرت غالبية مدنها جغرافيا، مضيفا: الشيعة هم من يمتلكون الأرض والوطن.
وأوضح لـ"مصر العربية" الحصار الخانق دفع أهالي سوريا لأكل أوراق الشجر والحيوانات النافقة، قائلا: "للأسف سوريا ماتت وشعبها ظلمه العالم ولم يدافع عنه سوى القليل.
وأشار الطائي إلى أن النزوح هو المصير المحتوم للشعب السوري، تهجير ونزوح من مكان لآخر، مضيفا أن العائلات الآن كلها تلجأ إلى النزوح بسبب القصف والحصار والإبادة.