احتمالات المواجهة العسكريّة بين كوريا الشماليّة وأميركا

استيقظ جيران كوريا الشمالية في 9 أيلول (سبتمبر) 2016، على هزة أرضية بلغت قوتها 5,3 درجة وفق مقياس ريختر، ليتضح لاحقاً أنها أجرت بنجاح تجربتها النووية الخامسة. هذا الحدث أعاد التركيز على موضوع برنامج كوريا الشمالية النووي وحجم إمكاناتها، بعد أن تراجع الاهتمام بهذا الملف نتيجة تراكم الأحداث وتسارعها في الساحة الدولية وانشغال القوى الكبرى بها، لا سيما ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط من صراعات بالغة التعقيد والخطورة.

إن سعي كوريا الشمالية الى الحصول على السلاح النووي يرجع الى إدراك يحكم هرم هذه الدولة، لأن امتلاك هذا السلاح يمنح الدولة حصانة ضد التدخلات الخارجية، كما أنه يقوي مركزها الإقليمي ويؤثر في طبيعة التوازن الاستراتيجي القائم، فمعادلة القوة في الإقليم المحيط بكوريا الشمالية تستند الى مجموعة من العوامل والمتغيرات، في مقدمها القدرات الذاتية لدول الإقليم إضافة الى الدعم الخارجي غير المحدود للبعض منها، لا سيما الدعم الأميركي لكوريا الجنوبية المقترن بالانتشار العسكري الأميركي فيها وفي اليابان أيضاً.

يضاف الى ذلك قلق الصين ومحاولاتها إعادة ترتيب ميزان القوى الإقليمية، ما فرض عليها التدخل في إعادة ترتيب معادلة القوة في الإقليم، فالوجود العسكري الأميركي في كوريا الجنوبية واليابان، والدعم غير المحدود لتايوان، فرضا على الصين أن تعيد ترتيب أولوياتها، لهذا تحاول الصين احتواء كوريا الشمالية واستخدامها كورقة ضغط ضد الولايات المتحدة لتحقيق مصالح تتصل ببحر الصين الجنوبي والنزاع مع اليابان حول الجزر فضلاً عن قضية تايوان.

وعليه، فإن التوازن الاستراتيجي في شمال شرقي آسيا يخضع بدرجة أولى لرغبة الصين والولايات المتحدة، فالتقارب الصيني - الأميركي ينعكس في صورة إيجابية على أوضاع هذا الإقليم، والعكس صحيح، لهذا سعى طرفا العلاقة الى الإمساك بالتفاعلات بين دول الإقليم، فالصين ترتبط بعلاقات جيدة مع كوريا الشمالية التي تمثّل مصدر قلق لبقية دول الإقليم، فحجم التبادل التجاري بين البلدين كبير جداً، أما الولايات المتحدة فلها علاقات استراتيجية مع باقي دول الإقليم الأخرى، لهذا يلاحظ أن الصين أيدت الولايات المتحدة في تشديد العقوبات على كوريا الشمالية بعد إجرائها تجربتها النووية الرابعة، لكن من غير المؤكد أن تؤيد ذلك مرة أخرى في مجلس الأمن، لا سيما بعد المواقف الأميركية من قضية بحر الصين الجنوبي، ونشر الولايات المتحدة بعض منظومات الدرع الصاروخية في كوريا الجنوبية، والذي يمثل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي في تلك المنطقة، لهذا ستعمل الصين على استثمار ورقة كوريا الشمالية خدمة لمصالحها.

يتساءل كثيرون في ظل هذا الوضع في منطقة شمال شرقي آسيا، هل هناك احتمال لمواجهة مباشرة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية؟

هناك اتجاه يرى أن نذر المواجهة تلوح في الأفق بين فترة وأخرى، فالولايات المتحدة ما زالت ترى أن مصالحها كبيرة مع كل من كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، وأن التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية يجب أن ينتهي، لهذا وضع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن كوريا الشمالية ضمن ما يسمى بـ «محور الشر» الذي يجب إنهاؤه، ولهذا اتبعت الولايات المتحدة منذ مدة غير قصيرة مجموعة من الإجراءات القسرية، كالعقوبات العسكرية والاقتصادية والسياسية ضد كوريا الشمالية وصولاً الى تحقيق الإنهاك الكامل لهذه الدولة تمهيداً لتغيير نظامها السياسي.

هذا الهدف تعمل عليه حتى إدارة الرئيس أوباما، فالنظام السياسي الكوري يمثل خطراً مباشراً على المصالح الأميركية، في ظل تهديدات هذا النظام المتكررة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، واستعداده لاستخدام ما لديه من قوة، ومن ضمنها الأسلحة النووية، ضد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها، محاولاً الحصول على اعتراف رسمي بأنه عضو في النادي النووي.

لكنْ هناك اتجاه آخر يستبعد حصول مواجهة مباشرة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة لاعتبارين أساسيين، هما:

1- الدور الصيني الواضح في توجيه مسارات سياسة كوريا الشمالية، فالصين تمثل النافذة الأساسية لهذه الدولة على العالم الخارجي، ولها مصالح اقتصادية وعسكرية وأمنية واستراتيجية في بقاء الوضع على حاله في كوريا الشمالية، وهذا الأمر يتصل بصراعها مع الولايات المتحدة ، فهي على رغم أنها لا ترغب حالياً في توسيع مجالات حركتها وفعلها، على رغم فائض القوة الهائل الذي تمتلكه، إلا أنها لا تتردد باستخدام بعض الأدوات المتاحة لديها في تحقيق بعض المكاسب، وأهمها موضوع برنامج كوريا الشمالية النووي، لهذا يرى هذا الاتجاه أن مسألة المواجهة مع كوريا الشمالية تبدأ من الموقف الصيني.

2- إن إعلان كوريا الشمالية امتلاكها أسلحة نووية وإجراء خمس تجارب حتى الآن، يبعد احتمال خوض الولايات المتحدة مواجهة عسكرية مباشرة مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون الذي يحكم بقبضة حديدية، ولا يمكن توقّع حتى أي رد فعل له، لذا فالمواجهة المباشرة أمر مستبعد.

إن احتمالات المواجهة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يمكن أن تصبح حقيقة إذا ما توافرت المعطيات الآتية:

1- حدوث حالة عدم استقرار في كوريا الشمالية تتيح للولايات المتحدة وحلفائها التدخل لحسم الوضع من خلال إطاحة النظام السياسي.

2- إذا ما توافقت المصالح الأميركية والصينية وتوصّل الطرفان الى اتفاق لتسوية المشكلات التي تتصل بتايوان وبحر الصين الجنوبي ومسألة نشر الدرع الصاروخية الأميركية، فإن احتمالات التضييق على النظام السياسي في كوريا الشمالية تصبح واردة.

3- إذا ما أقدمت كوريا الشمالية على استخدام القوة العسكرية المباشرة ضد كوريا الجنوبية، تصبح الولايات المتحدة ملزمة، وفق الاتفاق الاستراتيجي مع كوريا الجنوبية، بالتدخل واستخدام القوة العسكرية.

ويمكن أن تكون المواجهة العسكرية متاحة إذا ما تمت السيطرة على الأسلحة النووية في كوريا الشمالية من خلال عملية استباقية، أي بعد تحييد هذا السلاح.

وعلى رغم سعة الاحتمالات، فإن مسارات الحاضر توضح للمتابع أن الولايات المتحدة لا ترغب في مواجهة عسكرية مع كوريا الشمالية لأن عامل الردع في الصراع معها متحقق، وهي تعول، وفي شكل واضح، على الوسائل الديبلوماسية وعلى الأمم المتحدة، في فرض المزيد من العقوبات على كوريا الشمالية، وفي تشكيل جبهة موحدة تضم أساساً الصين في مواجهة تطلعات كوريا الشمالية.

نقلا عن الحياة

مقالات متعلقة