حالة من الجدل والخلاف خلقها مشروع قانون تعيين رؤساء الهيئات القضائية من قبل رئيس الجمهورية، والذي يناقشه مجلس النواب في الوقت الحالي لتلوح في الأفق أزمة باتت واضحة بين البرلمان بما يمثله من سلطة تشريعية وبين السلطة القضائية.
النائب أحمد حلمي الشريف، وكيل اللجنة التشريعية بمجلس النواب ومقدم مشروع القانون، أكد في تصريحات له أن هذا القانون لا يمس استقلال السلطة القضائية بأي شكل من الأشكال، لكن البرلمان يمارس حقه الذي كفله له الدستور وفقا للعديد من مواده والتي تجعل منه مشرعا لكافة مؤسسات الدولة.
عدد من الخبراء الدستوريين والقانونيين عبروا عن رفضهم لهذا القانون مؤكدين أنه مخالف للدستور والأعراف القضائية و25 مادة دستورية حصنت استقلال الهيئات القضائية، معتبرين أنه محاولة لمجاملة الحكومة والسلطة التنفيذية، واصفين إياه بأنه تدخل غير مقبول في شؤون القضاء ويهدر مبدأ الفصل بين السلطات.
من جانبه قال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن الدستور المصري ينص على أن السلطة القضائية سلطة مستقلة، كما أن كل هيئة قضائية تختص بالنظر في شؤونها وخاصة فيما يتعلق بمسألة التعيينات داخلها.
وأضاف الجمل، في تصريحات لـ "مصر العربية"، أنه جرى العرف على أن يتم تعيين رؤساء الهيئات القضائية من خلال الأقدمية إلى جانب معيار الكفاءة، وبالتالي كل هيئة تختص باختيار رئيسها.
وأوضح رئيس مجلس الدولة الأسبق، أن ترشيح كل هيئة 3 شخصيات قضائية ثم يختار الرئيس أحدهم وفقا لمشروع القانون الذي يناقشه البرلمان أمر يهدر مبدأ الأقدمية ويتعارض مع أحكام الدستور والعرف المتبع في السلك القضائي.
وأكد الجمل، مخالفة مشروع القانون المقدم من النائب أحمد حلمي الشريف، وكيل لجنة الشؤون التشريعية بالبرلمان، كما أنه في نفس الوقت ليس في صالح الدولة أن يتدخل الرئيس لاختيار رؤساء الهيئات القضائية.
انضم للرأي السابق المستشار يحيى قدري، الفقيه الدستوري، والذي أبدى اعتراضه جملة وتفصيلا على مشروع القانون الذي يتيح للرئيس التدخل في تعيينات رؤساء الهيئات القضائية.
وأشار قدري، لـ "مصر العربية"، إلى أن هذا القانون من المتوقع ألا يرى النور لحجم الاعتراضات التي سيلاقيها، حيث أنه يتعلق بالسلطة القضائية ومجلس النواب والحكومة ليس لهما الحق للتدخل في شؤونها.
وتسائل قدري: "لماذا يأتي هذا الأمر في ظل الأحداث التي تحيط بالسلطة القضائية؟"، متابعا أن البرلمان أمامه الكثير والكثير من القضايا الهامة والقوانين التي تستوجب المناقشة الفعلية وليس قانون السلطة القضائية من بينها.
واعتبر الفقيه الدستوري، أن المحاولات الحالية من جانب البرلمان هي محاولات لمجاملة الحكومة والسلطة التنفيذية على حساب السلطة القضائية، متوقعا ألا يقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي هذا الأمر.
الدكتور فؤاد عبد النبي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة المنوفية، قال إن هذا القانون يخالف 25 مادة دستورية تضمنها دستور 2014 أعطت جميعها للسلطة القضائية الاستقلال فيما تضمنته المواد 54 و 55، والمواد من 94 حتى 100، والمواد من 184 وحتى 199.
ولفت عبد النبي، في تصريحاته لـ "مصر العربية"، إلى أن المادة 185 من الدستور نصت على أن تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها، ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، وتدرج بعد إقرارها فى الموازنة العامة للدولة رقماً واحداً، ويؤخذ رأيها فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها.
وأكد أستاذ القانون الدستوري، أن الصلاحيات التي منحها الدستور لمجلس النواب ليست صلاحيات مطلقة أو غير مقيدة بحدود، فالمادة الخامسة من الدستور نصت على تلازم المسئولية مع السلطة.
ونصت المادة الخامسة من الدستور على أنه يقوم النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمى للسلطة، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، على الوجه المبين فى الدستور.
وتابع: "تمرير البرلمان لهذا القانون يتعارض مع جميع مواد القسم التي تتعلق بنواب البرلمان في مادته 104، والمادة 144 من الدستور التي أقسم عليها رئيس الجمهورية، والمادة 165 والتي أقسمت الحكومة وفقا لها".
واستطرد أن مخالفة المجلس لمواد استقلال السلطة القضائية هو مخالفة صريحة وانتهاك للحق في التشريع خاصة أن الدستور منح القضاء الاستقلالية في 25 مادة من مواده.
وتضمن مشروع القانون الخاص بتعديل قوانين الهيئات القضائية المختلفة لتعيين رؤساء الهيئات القضائية (محكمة النقض، رئيس مجلس القضاء الأعلى، هيئه النيابة الإدارية، هيئة قضايا الدولة)، بحيث يكون التعيين النهائي في يد رئيس الجمهورية على أن ترشح كل هيئة 3 شخصيات يختار منهم رئيس الدولة رئيس الهيئة.