جددت الهزائم المتزايدة لتنظيم «داعش» وأقرانه في العراق وسورية وليبيا أخيراً، مخاوف الأجهزة الأمنية في عدد من الدول من عودة مواطنيها المنخرطين في التنظيمات المسلحة في ساحات القتال الثلاث إلى بلدانهم الأصلية.
ففي تونس التي تتصدر البلدان المصدرة للمسلحين في سورية، أثار تجدد طرح مشروع «قانون التوبة» احتجاجات في البرلمان وخارجه تحت شعار «لا حرية للإرهابيين»، وتزايدت الدعوات إلى منع المسلحين التونسيين من العودة. وبحسب وزير الداخلية التونسي، عاد 800 على الأقل من أصل ثمانية آلاف تونسي سافروا إلى سورية والعراق للقتال. ومع الهزائم الأخيرة للتنظيمات المسلحة، تتزايد احتمالات عودة آخرين.
وزاد المخاوف في تونس تنفيذ أحد مواطنيها هجوماً بشاحنة على أحد أسواق برلين، قبل قتله على يد شرطي إيطالي في ميلانو. ففور تحديد هوية المنفذ، ضغطت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل على الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في اتصال هاتفي، لقبول عودة طالبي اللجوء المرفوضين الذين كان منفذ الهجوم أحدهم.
وفي مصر، اجتمع وزير الداخلية قبل أيام بقادة الأجهزة الأمنية للبحث في التعاطي مع ملف العائدين من القتال في سورية وليبيا، خصوصاً بعد مؤشرات على تسلل بعضهم وانخراطه في العنف، أبرزها التطور النوعي في الهجمات أخيراً. كما بدأت قضايا «العائدين من ليبيا» و «العائدين من سورية» تظهر في ساحات المحاكم، مذكرة بمحاكمات «العائدين من أفغانستان» و «العائدين من ألبانيا» في التسعينات. ونقلت «الحياة» عن مستشار أمني مصري قبل يومين أن السلطات استنفرت خصوصاً على الحدود الغربية والجنوبية وتنسق مع ليبيا والسودان وتشاد لمنع تسلل مسلحين عائدين.
هذا الاستنفار ليس بلا أساس، فلا يتوقع عاقل أن يتخلى العائدون عن قناعاتهم بمجرد تركهم ساحات القتال. وتشير دراسة ألمانية أجريت على العائدين من سورية ونشرتها صحيفة «واشنطن بوست» الشهر الماضي، إلى أن 48 في المئة من المسلحين الألمان السابقين الذين قاتلوا في صفوف «داعش» لا يزالون متمسكين بأفكار التنظيم بعد عودتهم، على رغم برامج إعادة التأهيل والإدماج.
وإذا كانت عوامل مثل القدرات الاستخباراتية الكبيرة والمؤسسات الاجتماعية القوية والضعف النسبي لأعداد العائدين من مواطنيها وطبيعة وضعهم كأقلية، تسهل جهود الدول الغربية لاحتواء هذا التهديد والتعامل معه، فإن الأمر يختلف في بلداننا حيث يسهل أن يجد العائد حاضنة اجتماعية تسمح له بالتخفي وتغيب المؤسسات القادرة على أداء وظيفة إعادة تأهيل من يمكن دمجهم.
أضف إلى هذا ضعف المعلومات الاستخباراتية لدى الحكومات العربية عن مواطنيها المنضمين إلى التنظيمات المسلحة في سورية وليبيا والعراق، فإذا كانت طريقة تسفير المقاتلين إلى أفغانستان في الثمانينات سمحت لأجهزة الأمن بحصرهم، فإن الطرق المعقدة لتسلل المقاتلين إلى سورية وسهولة التسلل عبر الحدود الطويلة بين ليبيا وكل من تونس ومصر، تجعل هذا الرصد أمراً شبه مستحيل. وحتى قنوات التعاون الأمني التي فتحتها مصر مع النظام السوري مشكوك في نجاعتها بسبب ضعف كفاءة الأجهزة الأمنية السورية المنهكة بعد سنوات من الحرب الأهلية، وانشغالها بأولويات وجودية أهم من رصد المقاتلين الأجانب في ساحات المواجهات المترامية.
يصعّب هذا كله ملاحقة العائدين ورصدهم، ناهيك عن اتخاذ إجراءات بحقهم ومحاكمة من يستحق المحاكمة منهم وإعادة دمج من يصلحون. وفي ظل هذه العوامل يبدو ملف العائدين كابوساً يوشك على التحقق في بلداننا التي لا تملك الأدوات اللازمة لمواجهته، ما ينذر بجعل السنة المقبلة سنة لتعميم التجربة المشرقية.
نقلا عن الحياة