وافقت الحكومة على قانون الاستثمار بعد عامين من الجدل حوله، كخطوة متأخرة في ظل مساعيها نحو إصلاح الأوضاع الاقتصادية المتردية وجذب استثمارات أجنبية تدر عملة صعبة في البلد الذي يعاني شحًا في مصادرها.
الحكومة تأمل، رغم اعتراضات خبراء اقتصاديين، أن يكون القانون الجديد خطوة نحو وضع قدم مصر على الخريطة العالمية للاستثمار، للخروج من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها البلاد.
حوافز
ونص قانون الاستثمار الجديد على إنشاء مكاتب الاعتماد وتحديد هويتها بما يضمن سرعة تأسيس الشركات، كما حدد المشروع يوما واحدا لتأسيس الشركات لأول مرة، وأنهى القانون ملف المناطق الحرة الخاصة تماما بحيث لا يتم التجديد لها فور انتهاء مدتها.
وحدد القانون أساليب حماية الاستثمار والمستثمر الأجنبي على وجه الخصوص وآليات الدخول والخروج بسهولة، كما أضاف القانون المناطق التكنولوجية كنشاط استثمارى محدد، وحدد مواعيد البت بحد أقصى 60 يوما، ووضع مفهوم الشخصية الاعتبارية فيما يتعلق بالملاحقات القضائية والمسؤولية المباشرة للمستثمر.
كما منع القانون مصادرة أو وقف أي مشروع إلا بالرجوع لهيئة الاستثمار، واشترط إنذار المستثمر بالمخالفات المنسوبة إليه، وسماع وجهة نظره، وإعطائه مهلة مناسبة لإزالة أسباب المخالفة، وذلك علي النحو الذي تنظمه اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
ويأتي على رأس مكاسب رجال الأعمال من قانون الاستثمار الجديد، منع نزع ملكية المشروع، كما تضمن عدم إلغاء المشروع أو سحب أرضه أو العقارات إلا بالرجوع لهيئة الاستثمار، كما منح المستثمر الحق فى التصرف بالمشروع، وتحويل أرباحه أو تصفيته دون الإخلال بحقوق الغير، بالإضافة إلى حق المستثمر في الاستيراد والتصدير مباشرة دون معوقات .
وكان للمستثمر الأجنبى نصيب الأسد من اهتمام الدولة فى مشروع قانون الاستثمار الجديد، حيث نصت المادة 15 على طريقة التعامل معه بأن "تكفل الدولة معاملة المستثمر الأجنبى معاملة مماثلة لتلك التى تمنحها للمستثمر الوطني، وتمنح الدولة المستثمرين من غير المصريين إقامة فى جمهورية مصر العربية طوال مدة المشروع دون الإخلال بأحكام القوانين المنظمة لذلك، وتلتزم الدولة باحترام وإنفاذ العقود التى تبرمها. ويجوز استثناءً بقرار من مجلس الوزراء تقرير معاملة تفضيلية مراعاه لبعض الاعتبارات الخاصة لمتطلبات الأقتصاد الوطنى أو الأمن القومي، أو تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل.
وحول نسبة استخدام العمالة الأجنبية فى المشروع الاستثمارى، فإن "للمشروع الاستثمارى الحق فى استخدام عاملين أجانب فى حدود نسبة (10%) من إجمالى عدد العاملين بالمشروع، ويجوز زيادة هذه النسبة بما لا يزيد على (20%) من إجمالى عدد العاملين بالمشروع، وذلك فى حالة عدم إمكانية استخدام عمالة وطنية تملك المؤهلات اللازمة، وذلك وفقاً للضوابط والقواعد التى تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون".
كما أن للعاملين الأجانب فى المشروع الاستثمارى الحق فى تحويل مستحقاتهم المالية كلها أو بعضها إلى الخارج.
عيوب
استهل قانون الاستثمار الجديد مواد إصداره بالتصالح فى الجرائم والدعاوى الجنائية، والعقوبات وتسوية المنازعات بشكل يقلق المستثمر بدلا من طمأنته.
فيما جاء الإعفاءات الضريبية للمستثمرين على رأس العيوب التي أجمع عليها خبراء الاقتصاد معتبرين انها ليس حافزا للاستثمار، بل تضر الاقتصاد وإهدار للمال العام، ونص القانون في مادة 30 على "تعفى من ضريبة الدمغة ومن رسوم التوثيق والشهر عقود تأسيس الشركات والمنشآت وعقود التسهيلات الائتمانية والرهن المرتبطة بأعمالها، وذلك لمدة خمس سنوات من تاريخ قيدها في السجل التجاري ولو كان سابقاً على العمل بهذا القانون".
"كما تعفى من الضريبة والرسوم المشار إليها عقود تسجيل الأراضي اللازمة لإقامة الشركات والمنشآت". التمتع بالضريبة الجمركية الموحدة وكذلك المادة (31) "تسرى على الشركات والمنشآت الخاضعة لأحكام هذا القانون أحكام المادة (4) من قانون تنظيم الإعفاءات الجمركية المشار إليه الخاصة بتحصيل ضريبة جمركية بفئة موحدة مقدارها 2% (اثنان في المائة) من القيمة، وذلك على جميع ما تستورده من آلات ومعدات وأجهزة لازمة لإنشائها". "كما تسري هذه الفئة الموحدة على جميع ما تستورده الشركات والمنشآت التى تعمل فى مشروعات توصيل الغاز الطبيعى وغيرها من مشروعات المرافق العامة، من آلات ومعدات وأجهزة لازمة لإنشائها أو استكمالها".
كما ألغى القانون الجديد الصفة الإلزامية لقرارات اللجنتين الوزاريتين لفض منازعات الاستثمار وتسوية منازعات عقود الاستثمار، التي كانت موجودة في القانون القديم، فأفقدها الجدوى منها، وينبغي إعادة النطر بهذه النقطة.
كما افتقدت بعض المصطلحات الواردة في نص القانون لصفة الإلزام وجاءت مصطلحات تحمل العمومية، مثل” التزام الموظف العام والمستثمر بأحكام القوانين واللوائح والقرارات، والتزام المستثمر بحرية المنافسة وعدم القيام بممارسات احتكارية، والمحافظة على البيئة وعدم الإضرار بها، ومراعاة معايير الجودة والكفاءة المقررة قانونا في المنتجات والخدمات، وعدم الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة والأمن القومى للبلاد.
وأدرج قانون الاستثمار الجديد المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وشملها بأحكام القانون الجديد، وهذا خطأ واضح، ذلك أن هذه المشاريع ذات رؤوس أموال لا تؤهلها لأن تندرج تحت احكام قانون الاستثمار، حيث إن رأس مال المشروع الاستثماري 20 مليون جنيه على الاقل، وبذلك سوف يكون هناك عبء كبير على هيئة الاستثمار في التعامل مع هذه المشاريع لكبر عددها ، والذي يتجاوز 2.5 مليون مشروع حسب الاحصائيات المصرح بها من وزارة الصناعة.
خبراء اقتصاديون، أكدوا لـ"مصر العربية"، أن القانون الجديد يتضمن الكثير من الإعفاءات والتيسيرات والحوافز، بما ينتج عنه مخاوف في ظل حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد، موضحين أن القانون افتقر إلى إخضاعه للمشاركة المجتمعية من أجل إضفاء نوعية المشاركة عليه.
رضا عيسى، الخبير الاقتصادي، قال إن مصر مشغولة بإعداد قانون للاستثمار منذ سنوات ليعمل على جذب العديد من رؤوس الأموال.
وأضاف عيسى، في تصريحات لـ"مصر العربية"، أن الحكومة تسوق الاستثمار في مصر في الخارج عبر الإغراء بالعائد، والذي يعد ثاني أكبر عائد عالميا على الاستثمار، وذلك على حساب المواطنين، موضحا أنه للحفاظ على هذه الميزة لرؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة كان على الحكومة اتخاذ قرارات رفع الأسعار.
وأكد أن فكرة أن "الدولة لا تتدخل في تحديد أسعار البيع وهوامش الأرباح"، هي مشتركة في عدد من القوانين منذ عام 1998، منوها بأن ذلك بعيدا كل البعد عن سياسات "السوق الحرة" التي يدفع البعض أحيانا بأن مصر أصبحت تنتهج هذا النهج.
بدوره، قال الدكتور محمد فهمي، وكيل وزارة بهيئة الاستثمار سابقا، إن ما نريد تفعيله من القانون هو الاهتمام بالإجراءات التنفيذية وتطبيقها، فقد كان هناك قانون 48 الذي كان من أفضل القوانين التى وضعت لأنه كان يحدد الجهات الرقابية، مضيفا أنه كان يجب العمل بتخصيص الأراضي لمدة محددة، ولا يتم مدها بأي حال من الأحوال.
وأضاف "فهمي" أن التطور الطبيعي للاستثمار هو الاهتمام بالمناطق الاقتصادية مثل ما كانت موجوده فى التسعينيات، والتي كان يتم الحصول على الأرض من المنطقة ولمدة محددة، على أن يقوم المستثمر بدفع 5% ضرائب مثل منطقة شمال السويس.
وأضاف الدكتور أسامة غيث، الخبير الاقتصادي، أن التعديلات التي تم إضافتها على قانون الاستثمار الجديد تمت بشكل سريع ومتواصل وتتضمن الكثير من التيسيرات والمزايا والحوافز الذي كان هناك اعتراض عليها وخصوصا تخصيص أراضي بدون مقابل، وعلى الرغم من ذلك لم يتدفق استثمارات لمصر ولم يؤدي إلى نتيجة لأن التعديلات لم تتم من خلال حوار مجتمعي أو مشاركة اتحاد الصناعات أو الغرف التجارية.
وأشار "غيث" إلى أن القانون افتقر في إعداده من التمهيدات الواجبة من مشاركة جميع الأطراف في إصدارة ، وبالتالي لم تحل مشاكله بعد.
وأوضح أن الحكومة نظرتها قاصرة والمشكلة ليس في مناخ الاستثمار ولا تتربط بالتشريع من الأساس، لأنه طالما هناك في مصر توقعات سلبية لأسعار الصرف وتوقعات متضاربة حول سعر الصرف، وإمكانيات الانخفاض الحاد في سعر صرف الجنيه فسيظل مناخ الاستثمار غير جاذب على الإطلاق"، مؤكدا أن الحكومة ليست جديرة بالتعامل مع مشاكل المستثمرين، وبالتالي فإن أي تعديلات أو قوانين لن تحل مشكلات المستثمرين.
وأشار غيث في تصريحات لـ"مصر العربية" إلى أن مصر دخلت في مرحلة عدم استقرار خصوصا مع ارتفاع رسوم الجمركية التي تراوحت ما بين 50% إلى 60 % في بعض السلع، ولو أن هناك معايير اقتصادية يمكن مناقشتها كان من الممكن أن يكون هناك مستثمرون.
أوضح ان الجميع كان بيطالب بتخفيض الجمارك على مستلزمات الإنتاج هل القانون الجديد تضمن هذه التعديلات أم تم زيادة الجمارك عليها؟
فيما قال أحمد الوكيل، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية، إن القانون الجديد يجب إعادة النظر فيه لأنه استهل بمواد إصداره بالتصالح فى الجرائم والدعاوى الجنائية، والعقوبات وتسوية المنازعات.
وأضاف الوكيل، في تصريحات صحفية، أنه من الأولى إصدر قانون مبسط ومختصر يتضمن القطاعات والضمانات والحوافز، وبالتالى يستخدم للترويج عالميا ويصدر معه فى ذات الوقت قانون ملحق به يتضمن الإجراءات وتسوية المنازعات.
حسين صبور، رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين،قال إن مشروع قانون الاستثمار الجديد الذى وافقت عليه الحكومة لا يحل المشكلة وحده، مطالبا بتوفير مناخ عام جاذب للاستثمار وليس طاردا له.
واعترض رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، في تصريحات له، على مادة الإعفاء الضريبى بمشروع القانون الجديد، موضحا أنها تتناقض مع قرار وزير المالية، بتطبيق الضرائب التصاعدية، متسائلا: "هل نحن نريد زيادة الضرائب أم لا؟".