قبل قرابة عشر سنوات، كان جهاز أمني غربي يتابع تحركات مريبة تحصل على الجانب الإيراني من الحدود مع أفغانستان. حدد الجهاز موقعاً عسكرياً إيرانياً يأتي إليه عناصر من فصيل تابع لحركة «طالبان»، ثم يعودون إلى الجانب الأفغاني محملين أسلحة ومتفجرات، بينها نوع جديد من العبوات الناسفة المصممة لاختراق الدروع مماثلة لتلك التي استخدمتها، بنجاح لافت، ميليشيات شيعية ضد القوات الأميركية والبريطانية في العراق.
لم يطل الأمر، حتى بدأت «طالبان» تستخدم أيضاً هذه المتفجرات ضد آليات قوات حلف «الناتو» في جنوب أفغانستان. استطاع الجهاز الأمني الغربي، بسرعة، ربط المتفجرات المستخدمة بالمجموعة التي كانت تذهب إلى المقر العسكري الإيراني وتعود محملة بالأسلحة.
ولكن ما العمل بهذا الكشف؟
قررت حكومة ذلك الجهاز تقديم احتجاج لدى طهران. ذهب ديبلوماسي إلى وزارة الخارجية الإيرانية وقدّم المعلومات التي تثبت، وفق اعتقاد الطرف الشاكي، أن الإيرانيين يقدّمون دعماً عسكرياً لـ «طالبان» يساعدها في قتل الجنود الغربيين المنتشرين في أفغانستان. دُهش الجانب الإيراني من هذه المعلومات، وأصر على أنها لا يمكن أن تكون صحيحة.
كان الجانب الغربي، على الأرجح، يتوقع مثل هذا الجواب، لكنه أراد إيصال رسالة مفادها أنه يعرف حقيقة ما تقوم به طهران، وتحديداً «الدولة الأمنية الموازية» في داخلها والمرتبطة مباشرة بمحيط المرشد علي خامنئي.
بعد عشر سنوات على تلك الحادثة أعاد التذكير بها تعليق أدلى به وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الذي غرّد على «تويتر» مرحباً باتفاق روسيا وتركيا على وقف شامل للنار في سورية معتبراً إياه «إنجازاً كبيراً»، وهو موقف ليس واضحاً تماماً إذا كانت تتبناه «الدولة الموازية» في إيران، والتي كان قادتها حتى أيام قليلة مضت يصولون ويجولون فرحين بـ «الانتصار» الذي حققته القوات الحكومية السورية، بمساعدة أساسية منهم، في مدينة حلب. وعلى رغم أنه يُسجّل لأركان هذه «الدولة الموازية» أنهم يفعلون أكثر مما يقولون علناً، إلا أن صفحات مؤيديهم على شبكات التواصل الاجتماعي كانت تضج منذ حسم معركة حلب بمعلومات وصور تؤكد أن الميليشيات التي تشرف عليها إيران ستواصل هجومها نحو مناطق سيطرة المعارضة في محافظة إدلب المجاورة، وصولاً إلى هدف فك الحصار عن بلدتي الفوعة وكفريا الشيعيتين في هذه المحافظة، معقل فصائل «جيش الفتح».
وانطلاقاً من هذا الواقع، فقد كان من المشروع التساؤل حول ما إذا كان ترحيب ظريف بوقف النار في سورية يُرضي أركان «الدولة الموازية»، وما إذا كان هؤلاء قد رضخوا في نهاية المطاف لما يريده الرئيس حسن روحاني ممثلاً بوزير خارجيته.
صحيح أن تجربة أفغانستان قبل 10 سنوات أظهرت أن «الدولة الموازية» تعمل أمنياً كما تشاء، بمعرفة أو بغير معرفة الحكومة المنتخبة، وصحيح أن هناك أدلة على أن هذا الأمر ما زال مستمراً منذ ذلك الوقت (دعم جماعات وخلايا مسلحة في أكثر من دولة والتخطيط لاغتيال ديبلوماسيين أجانب)… إلا أن الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية أوحى بأن «الدولة الموازية» رضخت لما تريده «الحكومة المنتخبة»... إلا إذا كان هذا الرضوخ مجرد محاولة لتقطيع الوقت والانحناء أمام «العاصفة النووية» ريثما تهدأ.
هل نحن اليوم أمام وضع مماثل في سورية رضخت فيه «الدولة الموازية» – وأبرز وجوهها الجنرال قاسم سليماني - لما تريده حكومة روحاني من تهدئة القتال والسير في ما يمكن وصفه بـ «الحل الروسي» المدعوم تركياً؟ قد يكون هذا صحيحاً إلى حد ما، لكنه قد يكون أيضاً كناية، مرة جديدة، عن مجرد رغبة في تقطيع الوقت، كما أنه قد يكون كذلك رضوخاً لإصرار روسيا فلاديمير بوتين على السير في صيغة تهدئة تُعطي قبلة الحياة لمسار السلام السوري.
في الماضي، نجحت «الدولة الموازية» في إيران في التملص من تهديدات الغرب حتى عندما كشفها، بالجرم المشهود، وهي تدعم جماعات مسلحة تقتل جنوده في أفغانستان والعراق. لكنها الآن تتعامل مع نوع آخر من اللاعبين هم الروس المصرون على استعادة أمجاد إمبراطوريتهم وإزاحة من يحاول عرقلة هدفهم هذا أياً كان، سواء كانت أميركا أم إيران. «الدولة الموازية» لا بد أنها تعرف ذلك.
نقلا عن الحياة