رغم أن قضية جزيرتي "تيران وصنافير" لا تزال أمام القضاء، ورغم وجود رفض شعبي جزئي في مصر لنقل السيادة على الجزيرتين إلى السعودية، بحسب نواب وخبراء، إلا أنه يبدو أن مجلس النواب سيقبل في الأيام المقبلة نظر اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين لتحديد مصير الجزيرتين الاستراتيجيتين عند مدخل خليج العقبة في البحر الأحمر.
وفي ظل أزمة متعددة الملفات بين القاهرة والرياض، وضع هؤلاء النواب والخبراء، في تصريحات للأناضول، أربع سيناريوهات تحدد مصير الاتفاقية في البرلمان، فإما أن يمررها أو يؤجل نظرها حتى صدور حكم القضاء النهائي أو يرفضها بإيحاء من السلطة أو يرى عرضها على استفتاء شعبي.
وبينما كان البرلمان في عطلته الأسبوعية، والكثير من المصريين منشغلون بمباراة كرة القدم في الدوري المصري بين فريقي الأهلى والزمالك - الأكثر شعبية في مصر- قررت الحكومة، الخميس الماضي، الموافقة على الاتفاقية، وإحالتها إلى البرلمان، بعد 8 شهور من توقيعها، و6 شهور من حكم قضائي غير نهائي ببطلانها.
انتقادات
هذه الخطوة الحكومية المفاجئة كانت مثار انتقادات لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فمثلاً بعد فوز الأهلي على الزمالك بهدفين نظيفين، تداول رواد على هذه المواقع تلك النكتة الساخرة: "بعد فوز الأهلي (على الزمالك 2-0).. ماذا تقول؟.. نقول مبروك للسعودية!".
وعن توقيت تلك الخطوة الحكومية، صرح النائب المعارض، هيثم الحريري، للأناضول بأن "أسلوب المفأجاة، واستغلال انشغال المصريين لتمرير قرارات في نهاية الأسبوع والإجازات هو سلوك حكومي صار معتادا، كما حدث في قرار تعويم الجنيه (العملة المصرية مساء أحد أيام الخميس في نوفمبر الماضي) عشية العطلة الأسبوعية لمعظم البلد يوم الجمعة".
عمرو هاشم ربيع، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (حكومي)، الخبير البارز في الشأن البرلماني، اعتبر أن "الحكومة "صدّرت مشكلتها في إدارة أزمة الاتفاقية إلى البرلمان، مع أنّها تعلم أنّ ذلك سيحدث مشاكل بين البرلمان والقضاء، فالأعراف البرلمانية تقتضي عدم مناقشة أية قضية منظورة أمام القضاء".
بطلان لا يزال ساريا
متفقا مع الحريري وربيع، قال جمال جبريل، أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة، إنّه "من حق الحكومة والبرلمان أن يتخذا الشكل الإجرائي الدستوري وفقا للمادة 151، لكن هناك حكمًا قضائيًا (غير نهائي في يونيو الماضي) ببطلان الاتفاقية، ولدينا قاعدة في القانون تقول إن الأحكام القضائية تعلو على اعتبارات النظام العام مهما كانت".
المادة 151 من الدستور تنص على أنه "يمثل رئيس الجمهورية الدولة في علاقاتها الخارجية، ويبرم المعاهدات، ويصدق عليها بعد موافقة مجلس النواب، وتكون لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا لأحكام الدستور، ويجب دعوة الناخبين للاستفتاء على معاهدات الصلح والتحالف وما يتعلق بحقوق السيادة، ولا يتم التصديق عليها إلا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة، وفى جميع الأحوال لا يجوز إبرام أي معاهدة تخالف أحكام الدستور، أو يترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة".
جبريل مضى قائلاً، في حديث للأناضول، إنه "حتى ولو كان رئيس مجلس النواب (على عبد العال) طاعنا على حكم بطلان الاتفاقية، فإن الحكم سار حتى يلغى، وحينها يحق للمجلس نظر الاتفاقية".
وفي يونيو الماضي، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما غير نهائي ببطلان اتفاقية نقل السيادة على الجزيرين إلى السعودية، لكن هيئة قضايا الدولة (ممثلة الحكومة) طعنت على الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا، المقرر أن تصدر حكما نهائيا يوم 16 يناير الجاري.
رفض شعبي
بجانب الاعتبار القضائي كمانع لعرض الاتفاقية على البرلمان، أضاف النائب الحريري اعتبارا آخر بقوله إن "هناك رفضا شعبيا واسعا من المصريين للاتفاقية، ولا يصح أن يتأخر تطبيق المادة 151 من الدستور 8 شهور، وحين تبدأ الحكومة في تطبيقها يكون الهدف هو الالتفاف على حكم القضاء".
ورفضا لإعلان الحكومة المصرية في أبريل الماضي "أحقية" السعودية في الجزيرتين، بموجب اتفاقية ترسيم الحدود، شهد يوما 15 و25 أبريل الماضي احتجاجات اعتقلت قوات الأمن عددا من المشاركين فيها.
لكن بعد التصديق الحكومي الأخير، الخميس الماضي، لم تشهد مصر احتجاجات، واقتصر الأمر حتى الآن على حملة توقيعات رافضة على موقع "أفاز" جمعت نحو 30 ألف توقيع خلال ثلاثة أيام، فضلا عن انتقادات لاذعة للنظام المصري الحاكم، معظمها على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقضائيا، طعن المحامي اليساري، خالد على، (صاحب دعوى بطلان الاتفاقية) و8 آخرون، مطلع الأسبوع الجاري، على قرار الحكومة إحالة الاتفاقية إلى البرلمان؛ لكونها لا تزال منظورة أمام القضاء، وحددت محكمة القضاء الإداري جلسة 7 فبراير المقبل لنظر ذلك الطعن، أي بعد الموعد المقرر لصدور الحكم النهائي بشأن الجزيرتين.
الحكومة المصرية ترد على الرافضين للاتفاقية بأن "الجزيرتين تتبعان السعودية وخضعتا للإدارة المصرية عام 1967 بعد اتفاق ثنائي بين القاهرة والرياض بغرض حمايتهما لضعف القوات البحرية السعودية آنذاك، وكذلك لتستخدمهما مصر في حربها ضد إسرائيل".
البرلمان سيناقش الاتفاقية
وفق خبراء مصريين، فإن الاعتبارين القضائي والشعبي يضعان البرلمان أمام مسارين، فإما قبول نظر الاتفاقية أو رفض نظرها.
لكن المسار الأخير يبدو مستبعدا، إذ صرح بهاء أبو شقة، رئيس اللجنة التشريعية في البرلمان المصري، بأن البرلمان "سيناقش الاتفاقية بشكل علنى بحضور وسائل الإعلام، ولجان (برلمانية) مشتركة بينها الأمن القومي والتشريعية"، دون تحديده موعدا لذلك، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة الأهرام (رسمية)، أمس الأحد.
ووفق تصريحات نقلتها وسائل إعلام عن اللواء متقاعد كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي، صاحب الآراء المنحازة لسعودية الجزيرتين، فإن تلك اللجان "ستعد تقريرا ليعرض على المجلس لاتخاذ الرأي النهائي، بعد استدعاء الخبراء والمتخصصين والإطلاع على الخرائط والمستندات".
التمرير
مع اعتزام البرلمان نظر الاتفاقية، بحسب النائبين أبو شقة وعامر، يضع النواب الخبراء، الذين تحدثول للأناضول، أربع سيناريوهات لتحديد مصير عملية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية.
أول تلك السيناريوهات تحدث عنه حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، بقوله للأناضول إن "البرلمان سيناقش الاتفاقية باعتبارها اتفاقية معاهدات عادية، ويوافق عليها بالأغلبية؛ مما سيدخل البرلمان في تناقض حاد مع السلطة القضائية، خاصة وإن وافق البرلمان قبل صدور الحكم القضائي النهائي (16 ينايرالجاري)".
متفقا مع نافعة، رجح بشير عبد الفتاح، الأكاديمي والخبير في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستيراتيجية، تمرير الاتفاقية، مرجعا ذلك، وفق حديث للأناضول، إلى "وجود أغلبية برلمانية مؤيدة للسلطة بشكل مباشر"، في إشارة "ائتلاف دعم مصر"، الذي يتجاوز عدد أعضائه 400 نائب من أصل 596.
التأجيل
منطلقا من رغبة برلمانية في تفادي صدام مع السلطة القضائية، رجح جمال جبريل، أستاذ القانون الدستوري، أن "يؤجل البرلمان نظر الاتفاقية لما بعد الحكم النهائي"، داعيا، في حديث للأناضول، رئيس البرلمان، أستاذ القانون الدستوري، إلى "الحفاظ على أحكام القضاء والانتظار" لحين صدور الحكم النهائي.
سيناريو التأجيل رجحه أيضا النائب الحريري، في تصريحه للأناضول، والنائب محمد أنور السادات، في بيان له دعا خلاله البرلمان إلى "عدم التسرع فى عرض ومناقشة هذه الاتفاقيات لحين صدور حكم المحكمة".
لكن مسؤولا حكوميا رفيع المستوى، لم تكشف عن هويته صحيفة "الشروق" المصرية (خاصة)، صرح للصحيفة، أمس الأحد، بأن "البرلمان سيمضي في مناقشة الاتفاقية حتى يحدد مصيرها، سواء قبل أو بعد صدور الحكم القضائي النهائي"، معتبرا أن المجلس "ليس مخاطبا بحكم البطلان".
رفض بـ"إيحاء من السلطة"
السيناريو الثالث هو رفض البرلمان للاتفاقية، وهو سيناريو يدعو إليه النائب الحريري، ويرجحه حسن نافعة "كاحتمال بشرط وجود ـإيحاء حكومي أو رئاسي بالرفض عبر ضوء أخضر بذلك من السلطة إلى النواب المؤيدين للنظام".
وبحسب نافعة، "سيتم تفسير الرفض بأنه قرار انتقامي من السعودية، ردا على مواقفها الأخيرة تجاه مصر، سواء وقف شحنات النفط (السعودي في أكتوبر الماضي) أو زيارة وفد سعودي (الشهر الماضي) لموقع سد النهضة الإثيوبي الذي يقلق مصر على حصتها من مياه نهر النيل".
التباعد الراهن بين السعودية، أكبر دول الخليج العربي، ومصر يعود إلى اختلافات في ملفات عدة، أبرزهتشرينا الملف السوري، إذ تؤيد معظم دول الخليج المعارضة السورية، بينما دعمت مصر، في أكتوبرالماضي، مشروع قرار روسي في مجلس الأمن الدولي بشأن سوريا عارضته دول الخليج، كما صرح الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الشهر الماضي، بأنه يؤيد "الجيوش الوطنية" في الدول العربية، وبينها سوريا، في إشارة إلى قوات نظام بشار الأسد.
وبخلاف مزيد من التدهور المتوقع في العلاقات بين القاهرة والرياض، في حال رفض الاتفاقية، لفت مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية (غير حكومي)، في حديث للأناضول، إلى "احتمال لجوء السعودية إلى التحكيم الدولي في ظل اعتراف النظام المصري، رئاسة وحكومة، بأحقية المملكة في الجزيرتين".
استفتاء شعبي
أما آخر السيناريوهات فيرى نافعة أن الاتفاقية، ووفق المادة 115 من الدستور المصري، "تتعلق بحقوق السيادة"، ومن ثم وجوب طرحها في استفتاء شعبي. وهو، بحسب نافعة، "سيناريو مطروح لكن ليس بقوة، لكلفة الاستفتاءات الشعبية (ماليا) في ظل الأزمة الاقتصادية بمصر".
ووفق الأكاديمي المصري فإن "المخرج المقبول هو أن يرفض البرلمان الاتفاقية، لتهدئة الشارع المصري، ولاحترام أحكام القضاء، ثم تلتزم السعودية، التي نعتز بعلاقاتها مع مصر، بالدخول في اتفاق جديد يجعل الجزيرتين منطقة تجارية مشتركة، ضمن مشروع الجسر البري المعلن عنه بين البلدين" في أبريل الماضي.
نافعة ختم بأن "المهم هو تسوية الأزمة، وعدم الخضوع لتوجهات إسرائيل، التي تسعى إلى إقحام السعودية في تطبيع غير مباشر معها، حال حصول الرياض علي الجزيرتين، وانضمامها المحتمل عبر ملحق إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (عام 1979)".
وبالإجماع، أقر مجلس الشورى السعودي (البرلمان)، يوم 25 أبريل الماضي، تلك الاتفاقية، فيما لم يصدق عليها البرلمان المصري حتى الآن كشرط لتصبح نهائية وسارية المفعول.