تخطو نحوها مجبراً، تبدأ دقات قلبك بالتسارع، آلاف الأفكار تجول بخاطرك، بينما صوت إيقاع الموسيقي يخترق عالمك، تتعجب من جمال أنغام الحياة المنبعث من جنبات مكان تفوح منه رائحة الموت، تتلفت حولك لتبحث عن المصدر، فإذا هي فرقة موسيقية تتوسط ساحة المشفى الذي يحارب جاهدا "المرض الخبيث".
من أين تنبعث الموسيقى؟ من العازفون؟ ولماذا أتوا؟.
الكثير من الأسئلة تراودك لكنك تتناساها أمام عذوبة اللحن، وتنفرج أساريرك مع الراحة والطمأنينة اللتين تستقران بعيون وملامح وجوه المرضى لاسيما الأطفال منهم.
تسبح مع الموسيقي في عالم آخر بعيداً عن أوجاع المرض، يمر الوقت وتنتهي الفرقة من العزف وكل شيء يعود إلى ما كان عليه إلا حالتك النفسية التي تحلق بعيداً عن عالم الألم المهيمن في مثل هذه الأماكن.. أنه جميل صنع فرقة "رباعي أوتار" مع مرضي السرطان في مستشفيات مصر.
"مصادفة" البداية
هؤلاء المرضى الذين يزيدون سنوياً بحوالي 100 ألف حالة وفق تقديرات وزارة الصحة التي لا تعلن لهم رقما إجماليا، اعتادوا الذهاب للمستشفيات لمتابعة جلسات العلاج بمختلف مسمياتها، لكن مع لقاء بعضهم بفرقة "رباعي أوتار" اكتشفوا بعداً جديداً للعلاج، وربما الحياة.
قائد الفرقة خالد صالح، شرح هذا البعد، بقوله للأناضول: "الحياة لن تظلم أمام أعيننا، وأبواب الأمل لن تغلق، وبالإرادة سنصنع بقدرة الله المعجزات لأطفال يواجهون الموت وسلبوا بعض النعم".
روى صالح رحلة الفرقة في عالم الموسيقي، قائلاً إنها بدأت بحصوله على منحة دراسية قائمة على خدمة المجتمع، فكان مشروعه عزف الموسيقي الكلاسيكية في الأحياء الشعبية والمناطق الفقيرة واستخدام أسلوب الحكاية مع الموسيقي للأطفال.
وتابع: "تضمنت الجولة مشفى 57357 الخاص بعلاج الأطفال مرضي السرطان والتي تقع في وسط القاهرة".
وقال: "تفاجأ أعضاء الفرقة البالغ عددهم 44 عازفا جميعهم في العقد الثالث من العمر، برد فعل الأطفال المرضي علي الموسيقي الكلاسيكية والبسمة والفرحة التي علت وجوههم أثناء سماعهم الموسيقى وتفاعلهم معها".
وأضاف: "وصل الأمر حد إصرار الأطفال علي عودة الفرقة لزيارتهم مرات أخرى".
من المفاجأة إلى المبادرة
دفعت المفاجأة الفنان الثلاثيني ليطرح فكرة إقامة جولات لصالح مرضي السرطان خارج محافظتي القاهرة والإسكندرية نظرا للاهتمام التقليدي بهما وتجاهل باقي المحافظات، حسب تعبيره.
الفكرة -بحسب صالح- لاقت ترحيبا واسعا من باقي أعضاء الفرقة التي أسسوها سويا منذ أربع سنوات وهم ياسر غنيم، عصام عبدالحميد ومحمد عبدالفتاح، ليبدأوا بعدها عملية الترتيب لتلك الجولات.
وكان العائق الأول الذي قابل صالح وفرقته هو عدم استيعاب المستشفيات الحكومية للفكرة وأهميتها، حيث اكتفى مسؤولوها بالإعراب عن حاجاتهم الشديدة للتبرعات المالية لا لفرقة تعزف للمرضي.
بتعبيره، عكس هذا الموقف "جهلا واضحا بأهمية الحالة النفسية لمريض السرطان"، ولذلك "تواصلت الفرقة مع المراكز والمستشفيات الخاصة وبالفعل وجدت ترحيبا كبيرا ".
في مسيرتها؛ سافرت الفرقة إلى محافظة أسوان للعزف في مركز مجدي يعقوب الشهير لأمراض القلب، وبعده مستشفى الاورمان بمحافظة أخرى مجاورة هي الأقصر، و"بعدها توالت الجولات"، قالها صالح بفرح.
وبالتراكم؛ سجلت ذاكرة أعضاء الفرقة قصصاً إنسانية عديدة، منها أن سيدة مريضة كانت تبكي وترتجف قبل خضوعها لجلسة العلاج الكيمياوي، لكنها تحولت بمجرد أن بدأت الفرقة بالعزف إلى حالة أخرى".
في وصفه لما حدث، قال صالح: "علت الابتسامة وجهها وبدأت بالرقص على أصوات الموسيقي وبعد توقف الفرقة طالبتهم بالقدوم مجدداً لمركز علاجها".
وأضاف أن "الأطفال أيضا، ورغم ما يدعيه البعض بأنهم لا يستطيعون تذوق الموسيقي الكلاسيكية، فرحوا بمعزوفات الفرقة وأحبوها وتفاعلوا معها وبعضهم طلب أن يتعلم كيفية اللعب على الآلات الموسيقية".
مالياً، لا تنتظر فرقة "رباعي أوتار"، مساعدة من وزارة الثقافة، لكنها تنتظر منها دعما معنوياً، ولو في حدود تسهيل دخولها للمستشفيات، حسب ما تمنى قائد "أوتار".
ومعبراً عن فخره بـ"رباعي أوتار"، قال قائد الفرقة إن سعادة المرضي هي ما يدفعهم للسفر من محافظة إلي أخرى للعزف لهم".
وأشار إلى أنهم "يسعون للوصول لكل مستشفيات مصر ويتمنون أن يكونوا دافعا لبقية الفرق للنزول والعزف للجميع فالموسيقي ليست حكرا على أحد ولكنها من حق الجميع".
واختتم "مكان الموسيقى ليس في الأوبرا بل في الشارع وسط الناس بجميع طبقاتهم وأعمارهم".