جاءت مطالبة رئيس مجلس النواب، علي عبد العال في أكتوبر الماضي، بنقل الصناديق الخاصة بشكل كامل إلى الموازنة العامة للدولة، كنافذة أمل للسيطرة على أموال دائما ما يرتبط ذكرها بالفساد.
وقال عبد العال إنها نشأت بهدف نبيل لكنها أصبحت "بوابة للفساد"، إلا أنه بعد مطالبات رئيس البرلمان غاب ملف الصناديق الخاصة عن جلسات البرلمان، فهل تراجع المجلس عن الفكرة أم أن الحكومة لا ترغب في هذه الخطوة؟
الصناديق الخاصة هي أوعية موازية في الوزارات والهيئات العامة، وتنشأ بقرار جمهوري، لتستقبل حصيلة الخدمات والدمغات والغرامات وغير ذلك من الموارد لتحسين الخدمات، لكن نوابا في البرلمان يرون أن بوابة للفساد ويجب الرقابة عليها وضمها للموازنة العامة.
النشأة
نشأت فكرة الصناديق الخاصة أول ما نشأت بعد نكسة 1967 كمحاولة من الحكومة لتخفيف العبء نتيجة عدم القدرة على سد بعض الاحتياجات في الموازنة العامة للدولة. إذ كانت أول سابقة في هذا المجال هي إصدار القانون رقم (38) لعام 1967 الذي أقر إنشاء صندوق للنظافة في المحليات تم تمويله من خلال فرض رسوم نظافة محلية.
لكن النشأة الرسمية لـ"الصناديق الخاصة" أو "الحسابات الخاصة" كانت في عهد الرئيس الأسبق أنور السادات من خلال القانون رقم (53) لسنة 1973 بشأن الموازنة العامة للدولة. فقد أباح هذا القانون إنشاءصناديق خاصة ووحدات ذات طابع خاص في المادة (20) منه التي تقضي بأنه يجوز بقرار من رئيس الجمهورية إنشاء صناديق تخصص لها موارد "معينة" لاستخدامات "محددة".
ويعد للصندوق موازنة خاصة خارج الموازنة العامة للدولة وتتبع الجهات الإدارية كالجهاز الإداري، الإدارة المحلية، الهيئات العامة الخدمية والاقتصادية، وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة.
عهد مبارك
أما في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، فقد تشعبت تلك الصناديق وانتشرت في كل الوزارات والمحافظات والشركات القابضة، حيث صدرت سلسلة من القوانين تعطي الحق للعديد من الجهات في إنشاء صناديق خاصة، مثل قانون التعليم رقم (139) لسنة 1981، وقانون الجامعات رقم (49) لسنة 1992.
حسابات معلومة
وتقول الإحصاءات أنه يوجد على الأقل 5.729 حسابًا في البنك المركزي المصري، وعدد 208 حسابات خاصة لـ"هيئات اقتصادية" مقدر لها أن تجمع حوالي 5 مليارات دولار عبارة عن إيرادات تتضمن عائدات قناة السويس وقطاع البترول.
كما يوجد عدد 201 حسابًا خاصًا للأجهزة الإدارية للدولة، مقدرة بنحو 880 مليون دولار في صورة أنشطة ائتمانية، وتتكون الأجهزة الإدارية للدولة من العشرات من الكيانات الإدارية الصغيرة، تتضمن هيئة الرقابة الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد، والمؤسسات البيروقراطية، إلى جانب وجود عدد 820 حسابًا خاصًا تحتوي على مبالغ مالية تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار، مكونة من عملات دولية مختلفة.
حسابات غير معلومة
وحتى الآن لا يوجد حصر دقيق لهذه الصناديق، فهناك حسابات غير معلومة مثل: الحسابات الخاصة التابعة للقوات المسلحة، ووزارة الداخلية، وحسابات غير معلومة مدارة من قبل القوات المسلحة، بجانب حساب مخصص للأموال التي تأتي من الدول العربية.
باب خلفي للفساد
ودائما ما يرتبط ذكر هذه الصناديق بالفساد حيث بلغت حصيلة الصناديق الخاصة 14.1 مليار دولار في بداية السنة المالية 2010/2011 بنهاية عهد حسني مبارك.
وبلغت هذه الحصيلة 9.4 مليار دولار في بداية العام المالي 2012/2013، وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للمحاسبات مع نهاية فترة حكم المجلس العسكري، بما يعني أن 4.7 مليار دولار من حصيلة هذه الصناديق قد تم فقدها.
وفي أغسطس 2014 قال وزير المالية الأسبق هاني دميان إن الحجم الكلي لأموال الصناديق الخاصة لم يزد على 3.8 مليار دولار، لكنه لم يوضيح حقيقة الـ5.6 مليار دولار التي فقدت من إجمالي حجم أموال الصناديق الخاصة للسنة المالية 2012/2013 (المقدرة بـ9.4 مليار دولار).
وفي تصريحات له وصف هشام جنينة، الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات شبكة الأموال "الصناديق والحسابات الخاصة" بـ"الباب الخلفي للفساد"، والتي من خلالها يتم تبذير أموال الدولة بأسوأ طريقة، هذه الأموال الممتدة بين وزارة الداخلية ووزارة الدفاع.
غضب برلماني
أحمد زيدان عضو مجلس النواب، والمنسق الإعلامى لائتلاف "دعم مصر"، قال إن ائتلاف الأغلبية برئاسة المهندس محمد السويدى، سيفتح ملف الصناديق الخاصة فى مجلس النواب، مؤكدا أن عددا من النواب تقدموا بطلبات كثيرة إلى الحكومة لفتح هذا الملف، ومعرفة كيفية الأمور التى تجرى فى الصناديق الخاصة فى الوزارات. وأضاف المنسق الإعلامى لائتلاف دعم مصر فى تصريحات صحفية أن الائتلاف سيطالب بفتح الملف من خلال مطالبة الحكومة بالمستندات الكاملة، وأوجه الصرف التى تتم فى الوزارات عن طريق الصندايق الخاصة، لافتا إلى أن كل الأرقام التى تذكر عن الصناديق الخاصة تحتاج الدقة، واستطرد: نعلم أن هناك المليارات التى تصرف فى الصناديق الخاصة، مؤكدا أن الائتلاف سيفتح الملف بعد الانتهاء من بحث اتفاقية تيران وصنافير المحالة للبرلمان، والتى يناقشها الائتلاف من خلال مختصين قبل أخذ الرأى النهائى فيها. وتابع: "من حق البرلمان أن يفتح ملف الصناديق الخاصة، ومطالبة الحكومة بإرسال كل البيانات الخاصة بالصناديق الخاصة"، مشيرا إلى أنه لم يتم المطالبة بالنظر فى الصناديق الخاصة بالجهات السيادية.
الدكتورة بسنت فهمي أستاذ الاقتصاد، وعضو اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب، ترى أن الصناديق الخاصة أنشئت بقوانين وهي موجودة منذ عام 1996، وتضم أموالا ضخمة منها ما هو بالعملة المحلية ومنها ما هو بالعملة الأجنبية، موضحة أن مصر في حاجة لكن هذه الأموال في الوقت الحالي.
وأضافت "فهمي" خلال تصريحات سابقة لـ "مصر العربية" أن اللجنة الاقتصادية بمجلس النواب قد طالبت بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول الصناديق الخاصة لمعرفة حجمها الحقيقي وأنشطتها، ومراجعة حسابات هذه الصناديق ومعرفة كيفية عمليها بشكل دقيق.
ومن المقرر أن تعقد لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، برئاسة الدكتور على المصيلحي اجتماعا اليوم الأربعاء، لمناقشة موقف الصناديق الخاصة، وما تم حصره منها حتى الآن بحضور عمرو الجارحي وزير المالية.
الدكتور عمرو عدلي، المحاضر بقسم الاقتصاد في الجامعة الأمريكية يرى أن مطالبة البرلمان لتعديل وضع "الصناديق الخاصة" مسألة معقدة لأنها تستخدم لتمويل مشروعات أو لدفع أجور ومعاشات وإذا تم وضعها في موازنة الدولة فستخضع لمراقبة البرلمان، وهي غير مراقبة من البرلمان، مما أحاطها بشبهات الفساد والتربح.
في المقابل يرى الدكتور مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل، أن الصناديق الخاصة يتم استدعاؤها في الأزمات لكن أحداً لا يفكر فيما بعد ضم حصيلتها إلى الموازنة، لأنك لن تضم فوائدها وحسب سوف تضم عجزها أيضاً والتزاماتها وعليك أن تفكر في بدائل للأدوات التي استخدمتها تلك الصناديق لحل مشكلات بعينها بعيداً عن الموازنة العامة للدولة.
وأضاف "نافع" خلال تصريحات سابقة لـ "مصر العربية" أنه ربما يكون التوسّع في إنشاء تلك الصناديق باباً للفساد، لكن غلق أبواب الفساد يجب ألا يكون بهدم البيت كله لأن نسقاً ما قد استقر في آلية عمل تلك الصناديق، وتغيير ذلك النسق يحتاج لدراسة وتخصص لا لدغدغة عواطف المواطنين، على حد تعبيره.
وأكد المهندس فايز أبو خضرة عضو مجلس النواب عن حزب الوفد، إن مجلس النواب لم يغلق ملف الصناديق الخاصة للوزارات، وإن هناك طلبات وصلت إلى الحكومة طالبنا فيها بمعرفة كل التفاصيل الخاصة بالصناديق في كل وزارة، وما هي أوجه الصرف التي تتم فيها.
وأضاف في تصريحات صحفية أن ملف الصناديق الخاصة في غاية الأهمية، وأن هناك إهمالا شديدا بها من الحكومة، مشيرا إلى أن الأرقام التي تذكر حتى الآن في الصناديق الخاصة ما يقرب من 400 مليار، لافتا إلى ضرورة حصر عدد الصناديق الخاصة والمبالغ الموجودة بها واللوائح التي تنظم عملها.
لن تقدم جديدا
الدكتور فخري الفقي، مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقاً، يرى أن إضافة الصناديق لا تأثير على عجز الموازنة والذي يصل إلى 320 مليار جنيه، وفي أفضل التقديرات إيرادات الصناديق الخاصة لا تزيد عن 45 مليار جنيه، من مختلف "المحافظات، والهيئات، والوزارات، والجامعات الحكومية".
وقال الفقي إن الدولة تخصم 20% من إيرادات هذه الصناديق لتدخل الموازنة العامة للدولة ثم تذهب باقي هذه الأموال إلى حساباتها بالبنك المركزي، مضيفا أن البعض كان يرى أنه من الأفضل استخدام هذه الأموال في مشروعات تجارية ليتم استثمارها وتكون إيراداته أعلى إلا أنه لم يتم تنفيذ هذا الأمر.
وأوضح، أن الصناديق الخاصة قانونا لابد أن تخضع لرقابة مندوب عن وزارة المالية، للتحكم في الإيرادات والمصروفات لأن الهدف من هذه الصناديق منح الإدارات والهيئات الحكومية قدر من المرونة في تغطية نفقاتها لأن الموازنة العامة للدولة لا تكفي لسد حاجات هذه الهيئات أو المحافظات أو المؤسسات.
وأشار إلى أن إيرادات الصناديق الخاصة تتمثل في رسوم الخدمات في الجامعات والمنظمات الحكومية لتطويرها خاصة مع وجود ضغط من قبل الحكومة على المحافظين ورؤساء الجامعات لتقديم كل ما هو جديد فيما يخص محافظاتهم من تطوير وهو ما تساعدهم عليه أموال "الصناديق الخاصة"، مطالبًا بإخضاع جميع إيرادات الصناديق إلى الرقابة من قبل مجلس النواب حتى لا تنحرف عن مسارها وتصبح منبع للفساد والتربح والمكافآت الظالمة وتعيينات المجاملات كما حدث في قضية "اللبان".
وأضاف أنه في 25 يناير طالب البعض بإرسال إيرادات الصناديق الخاصة إلى الموازنة العامة للدولة ولكن بهذا الأمر سنعود إلى القانون القديم ولن تكون هناك أية فائدة من إنشاء الصناديق الخاصة، وسينتهي الهدف الذي أنشئت من أجله.
وأشار إلى أنه تم الاتفاق على إرسال ربع إيراداته إلى الموازنة مع بقاء ثلاثة الأرباع في حساب "الصناديق" بالبنك المركزي، مطالبًا بتفعيل دور الرقابة على الأموال التي تورد إلى الصناديق وطرق صرفها أيضًا، واستخدام هذه الأموال في أغراضها المنشئة من أجلها وهي إنشاء المشروعات في القرى والنجوع .