الصومال؛ ذلك البلد العربي الجميل الذي يعبره خط الاستواء والذي يقع على ساحل بحر العرب، والذي كان في فترة التسعينات ومطلع الألفية مثالًا لحالة عدم الاستقرار السياسي وانهيار الدولة الوطنية على يد المليشيات، تشهد حراكًا ديمقراطيًا دؤوبًا منذ عام 2000م – تاريخ انتخاب أول رئيس للصومال بعد الحرب الأهلية عبر مجلس وطني عشائري -، واليوم بدأت البلاد في استعادة عافيتها، وبدأت مظاهر الدولة بالبروز، وتم تطهير أغلب البلاد من الجماعات والمليشيات المسلحة وعادت الاستثمارات الأجنبية للدولة العربية الأفريقية ذات الموقع الإستراتيجي في خريطة العالم.
ومن علامات الاستقرار التي هي ضرورية اليوم إجراء الانتخابات الرئاسية التي ما فتئت تتأجل كل مرة بسبب ضغوط الدولة العميقة، التي نشأت بعد استقرار البلاد في 2012 والتي تضغط من أجل فوز مرشحها «حسن شيخ محمود» الرئيس الحالي للصومال بولاية جديدة.
أبرز المرشحين المتنافسون على الانتخابات الصومالية هم شخصيات عديدة لكن أبرزهم وأقربهم للفوز على التوالي هم:
1- حسن شيخ محمود رئيس الصومال الحالي، انتُخب في عام 2012م، حقق نجاحًا أمنيًا كبيرًا في القضاء على البؤر المسلحة واستطاع إضعاف نفوذ تنظيم القاعدة، وهو ينتمي لقبيلة «هويا »؛ وهي إحدى أهم القبائل الصومالية عمومًا وفي العاصمة مقديشو خصوصًا. وهو مرشح مدعوم إلى حد كبير من القطريين والأتراك وهو الذي جاء بالأتراك للصومال ليستثمروا وليبنوا قاعدتهم العسكرية على بحر العرب.
ونقطة ضعفه الكبيرة هي أنه ضعيف أمام الفساد، بل ويُتهم من قبل بعض معارضيه أنه راعٍ للفساد، رغم أن حسن شيخ محمود انتخب في 2012م على أساس التوازنات القبلية إلا أنه محسوب على الإسلاميين وعلى تيار منهم يسمى بتيار «دم جديد»، ولذلك فإن أحد مصادر دعايته الانتخابية هذه الأيام هو تذكير الإسلاميين الصوماليين بالمؤامرة الدولية ضدهم إذا لم يصوتوا له.
2. شيخ شريف شيخ أحمد رئيس الصومال السابق للفترة من 2009 حتى 2012، ينتمي لقبيلة «هويا» نفس قبيلة رئيس الجمهورية الحالي، وهو شخص صوفي خلوق ينتمي للطريقة الإدريسية وكان والده شيخ الطريقة في الصومال، وقد ترأس سابقًا «المحاكم الإسلامية الصومالية»، التي قاتلت الحكومة.
تقبّل نتيجة الانتخابات بكل رحابة صدر في 2012 ولا توجد أي اتهامات جدية ضده بالفساد، ولم يصدر خلال الفترة الماضية والتي مدتها أربع سنوات أي تصريحات من شأنها التشويش على الرئيس الحالي حسن شيخ محمود. له علاقات متميزة مع كل الأطراف الدولية والإقليمية والصومالية، ويتهم من قبل الإسلاميين الصوماليين أنه المرشح المدعوم من دولة الإمارات العربية المتحدة وأثيوبيا من أجل سحب البساط من الرئيس الحالي.
3. عمر عبد الرشيد شرماركي رئيس ابن رئيس، من عائلة عريقة في السياسة الصومالية، يشغل حاليًا منصب رئيس وزراء حكومة الصومال، تلقى تعليمًا غربيًا جيدًا وعمل في الحقل الدبلوماسي سفيرًا في الولايات المتحدة. ينتمي لقبيلة «الدارود» – قبيلة رئيس الجمهورية السابق سياد بري – والتي هي من أكبر القبائل الصومالية، يعرف بالميول الليبرالية.
كثيرًا ما تُروج صحف الإسلاميين الصوماليين أنه مدعوم من كينيا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو شخص يتمتع بالقبول لكل شرائح المجتمع الصومالي، غير أن المشكلة الوحيدة التي ستواجهه هي أنه لن يفوز إلا لو توحدت المعارضة خلفه أو يقبل هو بمبدأ إعطائه مقعد الرئاسة مقابل منحه منصب مقعد رئيس الوزراء لمرشح جنوب غرب الصومال شريف حسن شيخ آدم.
4. شريف حسن شيخ آدم هو رئيس مجلس النواب السابق في فترة «شيخ شريف شيخ أحمد»، ينتمي لقبيلة «دغل ومرفلي»، وهو شخص مستقل وصاحب مقدرات سياسية عالية، لكن حظوظه في الفوز ليست قوية، لأن قبليته حسب أعراف السياسة الصومالية من نصيبها منصب رئيس البرلمان وليس من العادة أن تنافس على مقعد الرئاسة ولكن بإمكان شريف حسن أن يكون له دور في صنع الرئيس بدعمه لـ«عمر عبدالرشيد شراماركي» بأصواته وبالتالي سقوط مرشحي قبيلة هويا وهما الرئيس الحالي حسن شيخ محمود والسابق شيخ شريف شيخ أحمد.
يوجد غير هؤلاء مرشحون ومرشحات آخرون، لكنهم ليسوا بنفس تأثير هؤلاء الأربعة الذين يدور سباق الرئاسة في الحقيقة فيما بينهم..
الإسلاميون والصراع الانتخابي لا يمكن إنكار أن الإسلاميين هم الفاعل الكبير في السياسة الصومالية، رغم أنهم ليسوا الفاعل الوحيد قطعًا، ولكن تم تجريف الساحة الصومالية تمامًا من كل معارضيهم، من التيارات الليبرالية واليسارية، ولذلك فإن أقوى مرشح ضد الإسلاميين عادة ما يكون مستقل والمستقل لا حكم له في السياسة لأن العمل السياسي يحتاج الانحياز إلى خيارات سياسية واقتصادية، وبالتالي فإن المستقل سينحاز لاتجاه ما حتمًا.
التيارات الإسلامية التي تتنافس على الحكم والسلطان في الصومال هم الصوفيون والسلفيون والإخوان، وكل اتجاه من هؤلاء يملك من الكوادر ما يمكنه من الفوز.
التيار السلفي السلفيون رغم أن أعدادهم كبيرة، لكنهم يبقون غير منظمين والعمل السياسي عند السلفيين ليس بأولوية إذا ما قورن بأولوية تصحيح العقيدة ومحاربة البدع والخرفات وعبادة القبور والأضرحة، وقد حاول السلفيون الولوج إلى باب السياسة هذه السنة عبر الانتخابات البرلمانية لكنهم لم يحققوا ما كانوا يطمحون له، إذ فشل مرشحوهم الذين لا ينتمون لعصبيات قبلية في الفوز بمقاعد، ولكن للسلفيين فرصة في مستقبل الصومال بلا شك.
الصوفية أما الصوفية فهم أيضًا أعدادهم كبيرة لكنهم مثل أعدائهم السلفيين غير منظمين وبالتالي فدخولهم للبرلمان والسياسة يكون عبر أفراد، دون دعم منظم من طريقة ما، غير دعم معنوي يقدمه مريدوا الطريقة، مثل الذي قدمه ويقدمه مريدوا الطريقة الإدريسية لشيخ شريف شيخ أحمد أحد أقوى المرشحين للرئاسة الصومالية.
الإخوان المسلمون أما الإخوان في البلاد فهم على النقيض من حالهم في باقي الدول، فالجماعة في الصومال غير منظمة ومجزئة رغم أن التنظيم الدولي يعترف بجماعة واحدة هي جماعة الإصلاح، والتي يقودها مراقبًا عامًا، طبيب العيون الدكتور «علي باشا عمر»، لكن توجد جماعات إخوانية أخرى أو محسوبة على الخط الإخواني، منها جماعة رئيس الجمهورية الحالي التي تسمي نفسها «دم جديد» وهي جماعة مقربة كثيرًا من خط المحور السياسي القطري التركي.
استطاع مرشحو الجماعات الإخوانية تحقيق نجاحات جيدة في الانتخابات البرلمانية، وتمكنوا من الوصول للبرلمان عبر أقاليم جلمدغ وهيرشبيلي وجوبالاند، لكن الإخوان ليسوا مجمعين على دعم الرئيس الحالي «حسن شيخ محمود»، وقد رشحت جماعة الإصلاح في 2012 مرشحًا ضده، فقطعًا لن يكون الرئيس الحالي محل إجماع إخواني، هذا ما يبدو ظاهريًا للمراقبين للساحة الصومالية لكن الأيام -بلا شك- حُبلى بالنتائج.