في يناير، الذي صار يعرف بشهر ثورات الربيع العربي، تتراوح ما بين "الخوف من التغيير ومقاومته" ردود أفعال النخب العربية تجاه الثورات الشعبية، التي شهدتها المنطقة منذ عام 2010، بحسب ما ذهب إليه باحثون تونسيون وفرنسيون وألمان في العلوم السياسية والاجتماعية.
وقال الباحث الفرنسي في العلوم الاجتماعية، ميشال كامو، إنه "عندما انطلقت الثورة التونسية (في ديسمبر 2010)، وأسقطت النظام القديم (الرئيس زين العابدين بن علي) في يناير 2011، لم تدرك النخبة التونسية - كما باقي النخب العربية- ما يحدث، ولم تكن قادرة حتى على استيعاب ما يحدث في الشارع".
ويعود ذلك، بحسب كامو، إلى أن "الحراك كان سريعا ومفاجئا.. وبالطبع كانت النخب السياسية الحاكمة في تونس وباقي الدول العربية ضد هذا التغيير، لكن كان هناك أيضا ترحيبا واسعا من عدد كبير من المثقفين والكتاب".
وحول النخب الاقتصادية، رأى الباحث الفرنسي، في تصريحات صحفية أنه "كان هناك ترحيبا حذرا للغية؛ فقطاع الأعمال كان خائفا من عدم الاستقرار الذي يرافق مراحل الانتقال".
وانتقلت شرارة الثورة الشعبية من تونس إلى مصر، فأطاحت ثورة شعبية اندلعت في يناير بنظام حكم الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك، في فبراير 2011.
وعن الحالة المصرية قال كامو: "في مصر أيضا رأينا ردود فعل مقاربة مما وقع في تونس، لكن بخصوصية مصرية، أي بتواجد مؤسسة عسكرية قوية وضخمة في قلب الحياة السياسية ولها وزنها في قطاع الأعمال".
فيما ذهبت الباحثة التونسية في العلوم السياسية، أسماء نويرة، إلى أن "النخب التي كانت لها مخاوف من الثورات العربية هي أساسا النخب الاقتصادية والعلمانية".
وهو موقف أرجعته نويرة إلى أن "النخب الاقتصادية كانت متخوفة من أمرين، الأول هو عدم الاستقرار، والأخير، وهو الأهم، هو فقدان الامتيازات التي حصلت عليها في السابق، والتي ساهمت في تحقيقها ثروات".
أما عن "النخبة العلمانية" فرأت الباحثة التونسية أن "هذه النخبة كانت خائفة من وصول الإسلاميين إلى الحكم، خاصة بعد أن بدأت شعبية الأحزاب الإسلامية تظهر للعيان من خلال قدرتها على التعبئة الشعبية والجماهيرية.. وهذا الاستقطاب الفكري كان واضحا بشكل قوي في تونس ومصر".
ومستكملا لرؤية نويرة، قال الباحث الفرنسي في العلوم السياسية، فيليب فارتو، إن "مثقفين في العالم العربي كانوا فعلا مع التغيير والثورات، ولكن الاستقطاب الأيديولوجي بين الإسلاميين والعلمانيين جعلهم يصطفون إما مع الإسلاميين أو ضدهم، حيث اصطف بعضهم مع النظام القديم ضد الإسلاميين، وهو ما أفقدهم جزءا مهما من مصداقيتهم".
ثورات ما يعرف بـ"الربيع العربي" كان لها تأثير كذلك على دول عربية لم تعرف ثورات ولا حراكا شعبيا واسعا منذ عام 2010، بحسب الباحث الفرنسي في العلوم السياسية، إيمانيول الكاراز.
وضرب الكاراز مثلا بالجزائر، حيث رأى أنه في هذا البلد العربي "جرى التعامل مع الثورات (في الدول الأخرى) باستحضار التاريخ، وخاصة المظاهرات التي طالبت عام 1988 بالتعددية السياسية، وتلتها انتخابات تشريعية، ومن ثم العشرية الدموية التي مرت بها الجزائر ولم تندمل جروحها بعد، وبالتالي كان هناك خوف كبير من التغيير في الجزائر، خاصة لدى النخب".
وألغى الجيش الجزائري عام 1991 نتائج انتخابات تشريعية فازت "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بمرحلتها الأولى؛ ما أدخل البلاد في صراع مسلح خلف مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين، فضلا عن دمار اقتصادي هائل، ولم تنته هذه "العشرية السوداء" إلا بإصدار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لقانون الوئام المدني عام 1999.
وزاد الكازار بأن "عددا مهما من أفراد النخبة السياسية والإعلامية الجزائرية يمتلك موقفا سلبيا للغاية من الربيع العربي، ويرى أنه مؤامرة أجنبية يراد بها إدخال العالم العربي في فوضى، وهؤلاء يستشهدون اليوم بما يقع في ليبيا واليمن وسوريا".
وبحسب الباحثة الألمانية المهتمة بالحراك النسوي، إيفا شميت، فإن "الثورات العربية أحدثت تغييرات في النخب العربية، وبشكل خاص السياسية منها.. ففي تونس مثلا نجد اليوم طبقة سياسية جديدة تختلف عما كانت قبل الثورة.. وأصبح على سبيل المثال هناك عدد مهم من النواب والوزراء من الطبقات المتوسطة والشعبية".
لكن شميت رأت أن "النخب الجديدة، التي أفرزها الربيع العربي، أقل انسجاما من سابقاتها لسببين.. الأول هو وجود مناخ حرية يسمح بطرح خلافات لم تكن تطرح في السابق، أما السبب الأخير فهو وجود تدافع على الحكم، وهو ما لم يكن معهودا".
وذهبت الباحثة الألمانية إلى وجود تغيير في النخبة النسائية العربية، "فهذه النخبة قبل الثورات كانت تعمل ضمن سياسات الدولة، لكن المشهد تغير اليوم، فهناك نخب نسوية جديدة غير تقليدية أو غير تلك التي كانت تتصدر المشهد".
وختمت شميت بأن "هذه النخب النسوية الجديدة هي من إفرازات التيار الإسلامي، فيمكن القول إن الإسلاميين بدأوا في إفراز تيار نسوي يعمل على حقوق المرأة من منطلق إسلامي، وهذا أمر جديد".