لماذا تريد إيران نسف اتفاق الهدنة في سوريا؟ سؤال بات يشغل ذهن غالبية المتابعين للمشهد السوري خاصة بعدما أصبحت الانتهاكات الإيرانية والميليشيات الشيعية التي استقدمتها من لبنان والعراق لا يمكن لأحد إنكارها حتى الروس الذين أقروا بوجود خروقات للهدنة وأعلنوا أنهم سيراقبون تنفيذها.
إلا أن الضباط الروس أنفسهم بحسب العديد من التقارير لم يتمكنوا من ذلك بعد أن منعتهم ميليشيا حزب الله اللبنانية من دخول وادي بردى بدمشق لمراقبة تنفيذ الهدنة وهي البلدة التي تتعرض للدك منذ عدة أيام على يد هذه الميليشيا وقوات النظام السوري.
وجاء الرد الإيراني على دعوة تركيا لها بالضغط على ميليشياتها والنظام السوري باحترام الهدنة بأن هذه التصريحات غير بناءة بل ذهب رئيس لجنة الأمن القومي في مجلس الشورى الإيراني، علاء الدين بروجردي إلى اتهام تركيا باحتلال سوريا ودعوته لها بسحب قواتها من هناك.
غياب إيران عن الاتفاق
أسباب التمرد الإيراني فندته بالتفصيل دراسة صادرة عن المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية موضحة أن اتفاق إجلاء المعارضة عن حلب الذي توصل إليه الجانبان الروسي والتركي وأعقبه اتفاق وقف إطلاق النار أعلنت عنه أنقرة يتبعه تسوية سياسية ومباحثات في كازاخستان غابت عنه إيران.
ونوهت الدراسة بأن الاتفاقين كانا ثمرةَ جهد ثنائي روسي – تركي ومع ذلك، حرص الروس والأتراك على ضم إيران إلى التسوية لتحييد قدرتها على التعطيل واعترافا بنفوذها في النظام السوري، وذلك بدعوتها إلى اجتماع موسكو الثلاثي الذي صدر عنه "إعلان موسكو".
أحرار الشام وجيش الإسلام
المعضلة أن إيران تحفظت على التحركات الروسية - التركية، كما أبدت استياءها من تجاهل موسكو طلبها اعتبار بعض فصائل المعارضة السورية المشاركة في محادثات أنقرة "إرهابية" (أحرار الشام وجيش الإسلام على وجه الخصوص).
وبحسب الدراسة فإن الحرس الثوري تحديدًا يتخذ مواقف متشددة ومتشككة إزاء مساعي موسكو وأنقرة لإنهاء الصراع، كما تتخوف أوساط إيرانية من وجود تفاهمات روسية - تركية غير معلنة تجاه الوضع في سورية.
الهدنة في خطر
وحاول الحرس الثوري الإيراني (عن طريق ميلشيا حزب الله اللبناني والنجباء العراقية) نسف اتفاق حلب، لمعارضته خروج المعارضة سالمة من المدينة، ويحاول الحرس الثوري عبر حزب الله أيضًا نسف اتفاق وقف إطلاق النار من خلال استمرار استهداف قرى وبلدات وادي بردى والغوطة الشرقية في ريف العاصمة دمشق متجاهلًا اتفاق أنقرة.
وترى الدراسة أنه ما لم تتمكن موسكو من ضبط سلوك الحرس الثوري وميليشياته، فإن وقف إطلاق النار سوف يكون عرضة للانهيار حتمًا.
انقسام إيراني
وبينما يبدي الحرس الثوري تشددًا تجاه الأزمة السورية، ويدفع باتجاه حل عسكري، يرى الواقعيون في طهران، وعلى رأسهم الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف، ضرورة عدم الاصطدام بمساعي موسكو لحل الأزمة السورية، خاصة مع ازدياد الحاجة الإيرانية إلى روسيا قبيل استلام إدارة دونالد ترامب الحكم في واشنطن والتوقعات بزيادة ضغوطها على إيران.
وتنذر الدراسة بأن وضع جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) قنبلة موقوتة أخرى في قلب اتفاق أنقرة، وسط اختلاف التفسيرات حول إن كان وقف إطلاق النار يشملها، ففصائل المعارضة السورية تقول إن اتفاق أنقرة لا يستثني إلا تنظيم داعش من وقف إطلاق النار؛ ما يعني أن النصرة مشمولة في الاتفاق.
وقد أصرت المعارضة على هذا الأمر لأن ضرب النصرة طالما استخدم ذريعة من طرف النظام وحلفائه لضرب فصائل المعارضة الأخرى؛ وهو ما كان من أسباب فشل اتفاقات الهدنة السابقة.
ولا تزال المعارضة المسلحة عاجزة عن تنفيذ الخيار الوحيد الذي يقطع الطريق على النظام وحلفائه من الميليشيات، وذلك بحل الفصائل كلها والاندماج في جيش وطني سوري حر ملتزم بمبادئ ثورة عام 2011 وعلمها، وإقصاء كل من يرفض هذا الاندماج.
عدا عن ذلك، يبدو واضحًا أن نجاح الجهد الروسي - التركي لحل الأزمة السورية سوف يرتبط بصورة وثيقة أيضًا بتعاون بقية الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة بالصراع السوري وعلى رأسها الإدارة الأميركية القادمة، وما إن كانت مهتمة بدعم المساعي الروسية - التركية للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.
جدية
وتتوقع الدراسة جدية المساعي الروسية التركية هذه المرة، وأن احتمالات نجاح الاتفاق أكبر مقارنة بما سبق، ويعود السبب في ذلك إلى النفوذ الكبير الذي يملكه الروس والأتراك لدى أطراف الصراع السوريين والإقليميين، وظهور ما يشبه حالة إجماع دولي وإقليمي على وجوب إنهاء الأزمة التي شملت أضرارها الجميع بدرجات متفاوتة.
ومع ذلك، ذهبت الدراسة إلى هناك ثمة صعوبات كبيرة سوف تكتنف إمكانية التوصل إلى حل، وقد تحصل جولات قتال أخرى قبل الوصول إلى هذه النقطة، وذلك بسبب تباين توقعات مختلف الأطراف حول طبيعة هذا الحل ومخرجاته، خاصة في ظل تمسك النظام السوري بأدبياته حول الأزمة، ومساعيه لتحقيق مكاسب على الأرض تجري ترجمتها على طاولة المفاوضات.
وبسبب موقف إيران المتماشي معه بهذا الشأن، في الوقت نفسه، لا تزال التحديات ماثلة أمام المعارضة باتجاه تقديم بديل مقنع (سياسي وعسكري) يكون على مستوى التضحيات التي قدمها الشعب السوري.