أصبح المال السياسي وقود الانتخابات بالجزائر منذ 2007 ، وارتفع منسوب امتزاجه بالسياسة في انتخابات 2012 ، ليصبح العمود الفقري في الانتخابات المزمع تنظيمها في ربيع 2017 ، وفرضته ليس ظروف زيادة عدد رجال الأعمال بالجزائر نتيجة تحرير الاقتصاد وانفتاحه على القطاع الخاص فقط، بل قوانين تنظيم الانتخابات التي أتاحت "للأثرياء" الولوج لعالم السياسة ودخول البرلمان.
القانون العضوي للانتخابات نص في شروط الترشح للانتخابات المحلية " حيازة الأحزاب المعتمدة أو المترشحين الأحرار أو أي تكتل حزبي على نسبة 4% على الأقل في الانتخابات السابقة في الدائرة الانتخابية أو لديه 10 منتخبين محليين ، أو الحصول على 50 توقيعا لمواطنين عن كل مقعد متنافس عليه في الانتخابات المحلية، وألا يكون المرشح مدان قضائيا.
بينما شروط الترشح للانتخابات التشريعية، حيازة 4 % من الأصوات بالدائرة الانتخابية على الأقل في الانتخابات السابقة، أو 10 منتخبين في المجالس الوطنية والمحلية، أو جمع 250 توقيعا لمواطنين عن كل مقعد في البرلمان.
الداخلية
وزارة الداخلية اعتبرت قانوني تنظيم الانتخابات يرمي إلى "أخلقة العمل السياسي".
وقال وزير الداخلية نور الدين بدوي في دفاعه أمام نواب البرلمان عن القانونين العضويين لتنظيم الانتخابات المقبلة بأنه سيكون لهما " الأثر الإيجابي في مجال أخلقة الممارسة السياسية وإضفاء المصداقية على المجالس المنتخبة".
وهذا ربما يعطي مؤشرا على أن وزارة الداخلية المشرفة على تنظيم الانتخابات من البداية حتى النهاية ستمنع "التجارة الانتخابية" في شراء الأصوات أو القوائم للأحزاب أو الأحرار، ومن ثم تلويث الانتخابات بالمال الفاسد.
المعارضة تشكك
لكن المعارضة تشكك في نوايا السلطة أن تكون جادة سواء في "أخلقة العمل السياسي" و "مصداقية المؤسسات المنتخبة" بل تعتبر أحزاب المعارضة والموالاة على حد سواء أن قانوني الانتخابات جعلا الأبواب مشرعة أمام رجال الأعمال أو ما يصفونه " الشكارة أو المال القذر أو المال الفاسد".
وتبرر الأحزاب الأمر بأن أغلبهم لم يحصل في الانتخابات السابقة على 4% من أصوات الناخبين في الدائرة الانتخابية سواء محلية أو تشريعية لأنها أحزاب صغيرة، وليس لها عشرة مقاعد ، ثم الحصول على 50 توقيعا لمقعد مجلس محلي أو 250 توقيعا لمقعد برلماني عملية شاقة فليس لها قواعد شعبية، حينها يتدخل المال الفاسد حسب تعبيرهم ويشتري التوقيعات والأصوات والقوائم.
وبذلك يكون برلمان 2017 للمال السياسي ، وتتساءل المعارضة ماحاجة ملياردير إلى مقعد في البرلمان؟ معتبرة أن المقعد سيكون نافذة لتعظيم ثروته بالحصول على صفقات كان يجد صعوبة في الحصول عليها وهو خارج البرلمان.
المال السياسي
وقال أحمد أويحي أمين عام التجمع الوطني الديموقراطي : " الشكارة كانت فعلا مهيمنة على انتخابات التجديد النصفي لأعضاء مجلس الأمة".
بينما قال رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري : " الدولة باتت دولة مافيا عرّتها انتخابات مجلس الأمة الأخيرة، من خلال استعمال الأموال القذرة أين العدالة؟ فالتحقيق مع أصحاب المال القذر ليس صعبا".
علي بن فليس رئيس حزب طلائع الحريات اعتبر قانوني الانتخابات قننا عملية التزوير، التي خلفها جهاز سياسي وإداري لا يمكن مراقبته.
أمين عام حركة النهضة محمد ذويبي قال :" الإدارة قد شوهت العملية الانتخابية من خلال تحالفها مع المال السياسي القذر، الشيء الذي دفع المواطن إلى مزيد من العزوف عن التغيير عبر الصندوق .
وتابع :" توظيف السلطة لأجهزة الدولة ومؤسساتها بديلا عن الشعب في رسم خارطة سياسية للبلاد عن طريق استعمال التزوير هو خطر بعينه يهدد استقرار البلاد".
وذكر حزب العمال في بيان :" الانحراف الجديد يؤكد مرة أخرى الضرورة الملحة لتزويد البلاد بتمثيلية وطنية حقيقية، تتخلص من المال القذر ومن قطاع الأعمال، من خلال تنظيم انتخابات ديمقراطية حقا".
وأعلنت جبهة القوى الاشتراكية أن" المال القذر قائم بقوة في الانتخابات، وهذا المال يستعمل كثيرا في الحياة السياسية الوطنية، وذلك يشكل خطرا ثقيلا على بناء دولة القانون وتكريس الديمقراطية وضمان السيادة الوطنية".
موسى تواتي رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية قال :" الانتخابات تزوّر دائما من خلال ما يظهر من مقدمات تثبت ذلك، أبرزها استعمال المال بشكل غير مسبوق في الحملة الانتخابية، وإظهار صور مفبركة لمشاركة وهمية".
رئيس حزب الفجر الجديد الطاهر بن بعيبش رأى أن " قانون الانتخابات يكرس الوضع لأصحاب المال القذر".
بينما رئيس جبهة المستقبل ومرشح الرئاسة في 2014 عبد العزيز بلعيد فقدم طريقة لمواجهة الإتجار الانتخابي بإقبال الشاب على الانتخابات قائلا :" بعض الأحزاب السياسية التي تستعمل المال القذر لشراء أصوات المواطنين، لا يقضي عليه إلا توجه الشباب بكثافة نحو مكاتب الاقتراع لاختيار المترشحين الأجدر بتمثيلهم، والقادرين على تلبية انشغالات المواطنين"
سيطرة رجال الأعمال
وانتقدت المعارضة قانوني الانتخابات ولجنة مراقبة الانتخابات المستقلة التي شكلها الرئيس بوتفليقة وفقا للدستور من القضاة وممثلي المجتمع المدني ، معتبرينها تدابير غير كافية لنزاهة الانتخابات خاصة وأن لجنة مراقبة الانتخابات خالية من الأحزاب.
والانتقادات ترجمها بالفعل ترشيح رجال أعمال على رأس القوائم الانتخابية، فينفق كل منهم على الحملة الانتخابية بل ويشتري قوائم كاملة للانتخابات المحلية والتشريعية ، وهو حسب الدكتور عبد العالي رزاقي أستاذ علوم سياسية بجامعة الجزائر :" يكرس برلمان لرجال الأعمال ليسو معنيين بقضايا الشعب".
وأضاف في حديثه لمصر العربية:" المال السياسي ظهر محتشما لأول مرة في الانتخابات 2007 وصار يكبر مع كل انتخابات سواء كانت عامة أو رئاسية ، فمنظمة رجال الأعمال، أعضاؤها مليارديريات دفعوا بسخاء لتمويل الحملة الانتخابية للرئيس بوتفليقة ، كما دفعوا في البرلمان الحالي".
ورأى أن في الانتخابات القادمة سترتفع نسبة رجال الأعمال أكثر وهذا يشوه العملية الديموقراطية.
وأردف رزاقي :" المعارضة أصبحت مجبرة للتحالف مع المال السياسي لتحصل على مقعد برلماني أو مجلس بلدية أو ولاية ، فهي أحزاب ضعيفة ، حتى أحزاب السلطة تعتمد على رجال الأعمال أو الشكارة".