بعد سنوات من الحرب الكلامية بين تركيا والعراق، يبدو أن أنقره اعتزمت تغيير سياستها تجاه بغداد، وذلك من خلال زيارة مفاجئة قام بها رئيس الوزراء على بن يلدريم لبغداد لبحث الحرب على داعش ومستقبل العراق، الأمر الذي يراه مراقبون أن تركيا اتجهت لتصفير أزماتها مع دول الجوار من أجل مصالحها على رأسها منع إقامة دولة كردية.
المنعطف في العلاقات بين البلدين جاء بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، تبعها مباشرة زيارة يلدرم للعراق لفتح قنوات للتواصل بين المسؤولين في البلدين.
وتوترت علاقات البلدين على خلفية تواجد جنود من الجيش التركي بمعسكر في بلدة بعشيقة قرب الموصل، وفيما تقول أنقرة أن مهمتهم تدريب مقاتلين من سكان محافظة نينوى لقتال تنظيم الدولة، فإن بغداد تعتبرهم "قوات احتلال" وطالبت بسحبهم.
وتلقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الجمعة، اتصالا هاتفيا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هنأ فيه الأخير الرئيس بالانتصارات التي تحققها القوات العراقية ضد تنظيم الدولة في عمليات الموصل، بحسب مكتب العبادي.
.
تطلعات تركيا
وتتطلع تركيا بحسب قول أردوغان إلى نصر عراقي قريب جدا في الموصل و ستكون رسالة لمن يريد استهداف العلاقات الأخوية بين البلدين مؤكدا أهمية الاستمرار بمكافحة المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا عبر التكاتف والتعاون، وفق البيان.
وقرأ مراقبون السياسية الجديدة لأنقرة أنها تصفير للأزمات مع دول الجوار بعدما بلغ مؤشر الخلافات أعلى درجاته مع العراق وسوريا وإيران ورسيا، اتبدأ صفحة جديدة من العلاقات تساعدها على منع إقامة الدولة الكردية سواء مع حدودها مع سوريا وكذلك في العراق.
تغيير لموازين القوى
وبشأن التغير التركي المفاجئ حيال الحكومة العراقية قال الدكتور سيد حسين ـ مدير مركز عرب للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن موازين القوى تتغير بحسب المصالح، لافتاً أن تركيا والعراق التقتا في المصالح، لخوفهما من قيام الدولة الكردية التي تمثل خطور على الأمن القومي التركي وكذلك العراقي.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن محاولة الانقلاب التي حدثت في تركيا غيرت كثيراً من سياسات تركيا الخارجية مع دول إقليمية كبرى على سبيل المثال إيران، وكذلك روسيا حيث كان لهما دور كبير في مساندة تركيا في تقديم معلومات لوجستية بهذه المحاولة الفاشلة.
وأوضح أن تركيا بدأت تحول وجهتها نحو الدول التي ساندتها وعلى رأسهم روسيا والحليف الروسي القوي في المنقطة إيران، وهى كانت فرصة لروسيا لتلتقي مع دولتين كبريتين مثل تركيا وإيران ضد الأمريكان الذين يخططون لإنشاء الدولة الكردية فالتقت مصالح الجميع .
منع إقامة الدولة الكردية
ولفت إلى أن الحرب التركية في سوريا ليس المستهدف منها داعش والجميع يعلم أن تركيا دعمت داعش بطرق مختلفة منها شراء النفط، لكن الهدف هو عدم إقامة دولة كردية على حدودها مع سوريا، هذا الأمر خاف منه العراق لأن إقامة دولة كردية في الشمال سيعزز من تقسيم العراق .
وأكد أن المصالح جميعها التقت بين تركيا وإيران وروسيا والعراق، لافتاً أن تنازل أردوغان عن استباعد بشار الأسد من الحياة السياسية السورية، لم يكن إلا لأجل أن تسانده إيران وروسيا لتقريب وجهات النظر مع العراق الذي يمثل فيه الأكراد خطر على الدولة التركية.
وأسفر التوتر السابق بين تركيا والعراق، عن توقف معركة تحرير تلعفر بسبب تهديدات تركيا باقتحام تلعفر في حال دخول الحشد لها، وهذا كان هو العنوان العريض لخلاصة التوتر بين الدولتين.
ويقود العراق معركة انطلقت فى 17 أكتوبر2016 الماضي، لتحرير الموصل من داعش الذي سيطر عليها منذ 2014، بمشاركة الحشد الشعبي ودعم من طيران التحالف الدولي بقيادة الويلات المتحدة الأمريكية.
برجماتية تركية
فيما قال بهاء الدين عياد الباحث في العلاقات الدولية والأمن القومي إن السياسة الخارجية التركية شهدت "استدارة مفاجأة" منذ واقعة إسقاط الطائرة الروسية في خريف العام 2015، مما فتح المجال لمزيد من التفاهمات مع الجانب الروسي، تبعه تخفيف حدة الخطاب التركي المطالب بالتغيير في سوريا والتخلي عن شرط رحيل الرئيس السوري بشار الأسد.
وأضاف عياد لـ"مصر العربية" أن التغيير الأبرز جاء في ليلة الصيف الدرامية في يوليو الماضي أي محاولة الانقلاب الفاشلة التي أدت إلى إعادة تقييم شاملة لسياسة تركيا الخارجية وعززت الانفتاح والتفاهم مع الجانب الروسي الذي دعم الحكومة الرئاسة التركية مقارنة بمواقف ملتبسة لحلفاء أنقرة الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة، حتى أفضت تلك المتغيرات إلى ما شهدناه من تقلبات في السياسة الخارجية التركية، بدرجة جعلت المتابعين لا يستبعدون عودة الوئام بين "أردوغان"، و"الأسد" كما كان الحال قبل 2011.
واعتبر "عياد" أن سياسة "تصفير المشكلات" التي اتبعها البروفيسور أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية الأسبق ورئيس الوزراء سابقا، أثبتت فشلها وأفولها، نظرا لدخول تركيا في توتر مع معظم دول الجوار وعلى رأسها سوريا والعراق نتيجة مواقف تركيا المناوئة لحكومتي دمشق وبغداد وتدخلها المستمر في شؤون البلدين الذي وصل إلى انتهاك السيادة العراقية، وتوتر العلاقات مع إسرائيل على خلفية أزمة السفينة الشهيرة..و
وأضاف، لكن تركيا استعادت سياسة برجماتية تقوم على حل الملفات الخلافية بعد أن خسرت مساحة واسعة من دورها ونفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط، وتأثرت سلبيا بانعكاسات وارتدادات خطيرة للداخل التركي من وراء ارتباك سياساتها الخارجية، وتعويلها على دعم كامل من جانب الولايات المتحدة مقابل تنفيذ أجندتها في المنطقة كوكيل إقليمي لواشنطن والناتو، ولكن ذلك لم يحدث.
وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن أزمة دخول القوات التركية للأراضي العراقية وانتهاكها لسيادتها أدت إلى تفاقم التوتر بين بغداد وأنقرة، ولكن الجانب العراقي تعامل بحكمة مع الملف وغلب لغة العقل والحلول السلمية على لغة البندقية، وتجاهل تهديدات الرئيس التركي، إلى أن وصل الجانبين إلى تفاهمات مشتركة توجت بزيارة رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إلى بغداد مؤخراً واتفاقه على الانسحاب من معسكر "بعشيقة" بحسب تأكيدات الجانب العراقي وعلى رأسها تصريحات رئيس الوزراء حيدر العبادي، وهو ما يوحي باستمرار توجه تركيا نحو تصفير مشكلاتها مع جيرانها، إلا أن ذلك يدفع للتساؤل عن إمكانية تكرار نفس السيناريو مع مصر، ولكن هذا الأمر لا يزال مستبعد في الفترة الراهنة.