بعد توسع الحكومة في القروض.. ديون مصر دائرة جهنمية تقود للهاوية (خبراء)

بعد ارتفاعها.. ديون مصر "دائرة جهنمية" تقود للإفلاس (خبراء)

"لا يكاد يخرج من أزمة حتى يدخل في أخرى".. هكذا أصبح حال الاقتصاد في مصر خلال السنوات الأخيرة، وازداد الأمر صعوبة بعد قرار تعويم الجنيه، والاتجاه دائما للاقتراض كحل للأزمات.

 

الاقتراض وعدم البحث عن موارد لسداد هذه الديون أدى إلى ارتفاع الدين الخارجي والمحلي، وهو ما يمثل خطرًا على الاقتصاد القومي، ويثير عدة تساؤلات ومخاوف حول قدرة مصر على الالتزام بسداد مديونياتها، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها.

 

البنك المركزي، أعلن الخميس الماضي، في تقرير له، عن ارتفاع إجمالي الدين الخارجي لمصر 30% في الربع الأول من العام المالي الجاري، ووصل إلي 60.2 مليار دولار، مقارنة ب 55.8 مليار دولار في يونيو الماضي، أي أنه ارتفع بمقدار 4.4 مليار دولار.

 

ارتفاع أرصدة المديونيات المستحقة على مصر، أدى إلى زيادة متوسط نصيب المواطن من الدين الخارجي المستحق على مصر، نحو 618.2 دولار، بعد أن كان يبلغ 573.1 دولار، في 2016، وفقًا لبيانات البنك المركزي.

 

وأظهرت بيانات البنك المركزي أيضًا، ارتفاع إجمالي الدين العام المحلي بنسبة 5.3% خلال الربع الأول من السنة المالية 2016-2017، ليبلغ 2.758 تريليون جنيه مقارنة ب 2.619 تريليون جنيه بنهاية يونيو.

 

ورصدت "مصر العربية" آراء الخبراء حول ارتفاع الديون على مصر ومدى قدرتها علي سدادها، وتأثير ذلك على الوضع الاقتصادي، خلال هذا التقرير:

 

الدكتور أحمد خزيم، خبير اقتصادي، قال إن ارتفاع الدين العام الداخلي والخارجي يمثل الخطر الأكبر على الدولة، حيث يصيب موازنة الدولة بالعجز الذي يؤدى إلى الاقتراض لسد الفجوة بين الإيرادات والنفقات.

 

وأضاف، في تصريحات خاصة لـ" مصر العربية"، أن ذلك الأمر بمثابة الدائرة الجهنمية، التي تؤدى إلى اتخاذ قرارات تصيب الاقتصاد بكل الأمراض من تضخم وركود وتوقف الاستثمارات، ويمكن أن تنتهي بإعلان الإفلاس.

 

ورأي خزيم، أنه كلما اتسع مقدار الدين وتجاوز حد الأمان 60 % من الناتج القومي المحلى، كلما كان الضغط أكثر اتساعا على الطبقات الوسطى في المجتمع مما يؤدى لزيادة الاحتقان والكثير من المشكلات الاجتماعية الخطيرة من جرائم وعنوان وإدمان وفقدان أمان يؤدى إلى تفكك التماسك الاجتماعي الذي يمثل المناعة الداخلية لاستقرار الدولة.

 

وأوضح أن هذا العجز والاتجاه للاقتراض، يأتي نتيجة عدم استغلال الإدارة الاقتصادية، للموارد المتاحة في التنمية والقيمة المضافة بشكل أمثل، والتي تعد هي الأساس في التنمية وزيادة موارد الدولة وخزينتها.

 

من جانبه قال مختار الشريف، خبير اقتصادي، إن الدين الخارجي لا يزال في مرحلة الأمان، حيث تصل نسبته إلى نحو 30% من إجمالي الناتج القومي، بينما الأمر أكثر صعوبة فيما يتعلق بالدين الداخلى، لأنه تجاوز حد الأمان من الناتج القومي، وهو 60% ووصل إلى حوالي 90%.

 

وأوضح في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن ارتفاع الديون سواء الداخلية أو الخارجية، هو السبب في اتجاه الحكومة إلى رفع الدعم والاجراءات الاصلاحية التي أقبلت عليها مؤخرًا، مضيفًا أن مصر قادرة على سداد هذه الديون، خاصة وأنها تمتلك الكثير من الموارد.

 

جدير بالذكر أن العام 2017، سيشهد توسعًا كبيرًا في الاقتراض الخارجي من قبل الحكومة، حيث ستقدم خلال الأيام المقبلة على اقتراض ما بين 2.5 مليار و3 مليارات دولار، عبر طرح سندات في الأسواق العالمية.

 

كما تعتزم الحكومة طرح شريحة ثانية من نفس السندات وبنفس القيمة في النصف الثاني من 2017، وستحصل أيضًا على شريحتين من صندوق النقد الدولي بقيمة تبلغ نحو 5 مليارات، وبنهاية العام الجاري تحصل على الشريحة الثالثة من القرض بقيمة مليار دولار. وهو ما يشكل خطرًا كبيرًا على مصر، بسبب اتجاه الحكومة للاقتراض الخارجي، لسداد قروض أخرى مستحقة، رغم وعودها المتكررة، بعدم الاقتراض، إلا بعد التعرف على أوجه إنفاق هذه القروض، والأرباح المتوقعة، والتأكد من قدرتها على السداد.

 

وكان  نائل الشافعي، خبير الاتصال والمعرفة والاستشاري ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حذر من أن صناديق التحوط الأمريكية ينتابها سعار وتكالب على السندات المصرية المؤجلة لـ 2017 والمقدرة بـ 2.5 مليار دولار، وتليها سندات بـ4-6 مليار دولار قبل نهاية 2017، وكذلك على سندات الخزانة المصرية بالجنيه.

 

وأكد، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي،  أن سعر الفائدة على الجنيه المصري "المعوّم" يفوق 15% وهي نسبة شاهقة، يندر مثيلها في أي استثمار، حتى الأفراد في تلك الصناديق سيشترون من أموالهم الخاصة سندات مصرية، مشيرا إلى أن سعر الفائدة على السندات السيادية المصرية باليورو والدولار تتراوح بين 7.5 - 8%.

 

وتساءل الشافعي: " إذا كان وزير المالية نفسه يطمح لأن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4% في العام المقبل.. فمن أين ستسدد مصر هذا الدين؟". وأوضح أنه في ظل الفائدة للديون، من الممكن تكرار كارثة الأرجنتين في مصر، والتي طرحت في 2002 سندات سيادية بقيمة 10 مليارات دولار بفائدة تتراوح بين 10-12%، وبعدها بسنوات تبين لها استحالة سداد الفائدة، فطلبت إعادة جدولة الديون، واستبدال السندات الباهظة بسندات بسعر فائدة أقل (6%)، ما دفع حملة السندات على الموافقة.

 

وقال إن صندوق التحوط "إليوت مندجمنت" الشهير بـ"آكل الجيف"، والذي لم يكن لديه إي سندات أرجنتينية، قام بشراء سندات أرجنتينية (من الاصدار القديم بفائدة 12%) ونشر إعلانات يحث حملة السندات الآخرين على بيعها له بدلاً من بيعها للحكومة الأرجنتينية، وسرعان ما جمع سندات بأكثر من 2 مليار دولار، وأصر على ِأن يحصل من الحكومة الأرجنتينية على كوبونات (فوائد 12%).

 

فلما رفضت الأرجنتين، استصدار حكمين من محكمتي نيويورك ولندن بإفلاس الأرجنتين، مضيفا أنه في نهاية الأمر لم يجدي الأمر وانتهي حكم الرئيسة الأرجنتينية، ليستجيب الرئيس الجديد لشروط الدائنين.

 

بدوره، توقع أحمد سليم، نائب المدير العام للبنك العربي الأفريقي تكرار وضع الإرجنتين عام 2002 الكارثي لمصر وللاقتصاد الوطني في حالة طرح الحكومة لـ8 مليار دولار على أقل تقدير خلال العام الحالي وفق ما صرح محمد معيط نائب وزير المالية.

 

وقال سليم، إن الخطر سيكون أشد ضراوة في مصر عنها في الإرجنتين خاصة مع الوضع السياسي الحالي ومع وجود أعداء كثيرين لمصر، مضيفًا أن مصر  ليس لديها ما تسدد به فوائد هذه السندات خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة.

 

وشدد على رفضه التام للجوء لمثل هذه السندات، مضيفًا أن المالية لم توضح مدى الاستفادة منها وإلى أي قطاع ستوجه، مشيرًا إلى أن نسبة 3% كفائدة على مثلب هذه السندات كثيرة جدًا ناهيك عن 6.5% كفائدة كما صرح نائب وزير المالية أحمد كوج.

 

ولفت سليم، إلى وجود احتمالات كبيرة باتجاه مصر إلى الإفلاس في حالة عدم قدرتها على سداد هذه الفوائد الدولارية إلى جانب قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، مؤكدا أن الدول الدائنة لن تتنازل عن سداد أموالها في الوقت المحدد وهو ما قد يضع الدولة في مآزق خطير ، مطالبًا بأن يكون اللجوء إلى مثل هذه السندات هو الحل الأخير أمام الحكومة بعد البحث عن البدائل الأخرى.

 

مقالات متعلقة