"الأفلام تكون أقرب للموسيقى عنها للقصة، دفعة من الأحاسيس المتعاقبة تؤثر فى المشاهد تدريجيًا، بعد ذلك تأتى القصة والرسائل".. هذه المقولة التي يقولها السينمائي الشهير ستانلي كوبرك، تستخلص منها أن الشاشة ليست منبرًا لإلقاء الرسائل والوعظ والأراء السياسية.
وهذا ما تدفق إلى عقلي أثناء مشاهدتي لفيلم "مولانا"، الذي طرح في دور العرض مؤخرًا، ومأخوذ من رواية لإبراهيم عيسى، تحمل نفس الاسم.
في الحقيقة لا أنكر أن أهمية ونوعية القضايا التي يحملها الفيلم بالوقت الراهن، ولكن يمكن طرحها في مقال أو برنامج توك شو، وليس فيلم سينمائي.
فالعمل يطرح مجموعة كبيرة من القضايا مثل "الإرهاب، والتنصير، والصوفية، وعلاقة السلطة والإعلام" فلك أن تتخيل أن كل ذلك يطرح في أقل من ساعتين، فنحن ننتقل من فكرة إلى فكرة وشخصية إلى شخصية دون أي مبررات درامية.
وبالعودة إلى مفهوم الشخصية في الدراما ووظيفتها، فهي تحمل أبعاد مختلفة اجتماعية ونفسية ولكن في فيلم "مولانا" كانت أشبة بأفكار تقدم على هيئة شخصيات، فكل منها يدخل إلى الحبكة دون مبرر أو تمهيد لتطرح قضية ثم تختفي دون أن نعرف نهايتها ،وكأننا الفيلم تحول إلى توك شو، مقدمه الشيخ حاتم، وتتدخل الشخصيات إلى ملعبه الخاص به لتطرح الأفكار.
الحبكة
"الرسول كان نبي ولكن كان لديه جانب بشري" هذه الجملة التي يوجهها الشيخ حاتم – الشخصية التي يجسدها الفنان عمرو سعد - للجمهور في بداية الفيلم وهي بمثابة تعاقد بينه وبين المشاهد فهو يريد المتلقي أن يتعامل معه كإنسان له أخطائه وله حسناته ليس ملاك أو شيطان.
حبكة الفيلم مرت علينا كثيرا، فهي نمطية رجل الدين الذي تستخدمه السلطة لتحقيق مصالحها، ولكنه يعاني في حياته الشخصية بسبب دخول ابنه فى غيبوبة إثر حادث فى حمام السباحة ويحتاج إلى المال لكي يشفى.
ويبدأ "حاتم" يذيع صيته أكثر وأكثر إلى أن يتلقى مكالمة هاتفية من ابن الرئيس ويدعى "جلال" يخبره فيها بأن "حسن" أحد أقربائه أصبح مسيحيا وأطلق اسم "بطرس" على نفسه ويخبره أن هذه الفضيحة قد تسبب أزمة بين العائلة الحاكمة والشعب ومن هنا تتطور الأحداث.
اسقاطات سياسة
"ابن النظام" شخصية "حسن" التي جسدها الفنان أحمد مجدي، وظهر خلالها يتلاعب بالأديان، فحوى هذا الدور بعد وإسقاط سياسي بجعلها تنتمي للعائلة الحاكمة، وكأن النظام هو سبب من أسباب التطرف، كما أن جعلها تطرح أفكار مثل التنصير و اﻷسلمة، وعدم وعي الشباب بالأديان ليصل اﻷمر به أن يصبح إرهابي يفجر الكنيسة.
"ربنا عرفوه بالعقل" هذه الرسالة التي يريد الكاتب أو الفيلم طرحها، استخدام العقل في الخطاب الديني، فالشيخ حاتم يحمل بين طياته أفكار "إسلام البحيري" والتي أشار لها في بعض الجمل الحوارية بأن كثير من الأحاديث ضعيفة وغير صحيحة.
فالشيخ "حاتم" ليس مجرد انعكاس لصورة رجل الدين الذي يُلاعب السلطة، ولكنه انعكاس لصورة الإعلام بصورة عامة سواء ديني أو سياسي وعدم تقبله سوى للصوت الواحد، الذي يجد نفسه في ورطه عندما يحاول الخروج عن هذه الدائرة.
الإخراج والتمثيل
لم يستطع المخرج أن يفرض شخصيته على الفيلم، وهو لم يستخدم لغته السينمائية ولكن حرص على أن تكون لغة إبراهيم عيسى هي السائدة من خلال أفكاره وقضاياه.
أما أداء عمرو سعد، فهو ما جعل الفيلم متماسك فكان أدائه المتوزان يحمل انفعلاته بالقدر المناسب في الحدث، المناسب دون مبالغة.
والبعض كان يرى أن فكرة تقديم العمل في مسلسل سيكون أفضل في ظل هذه القضايا، ولكني أظن أنه كان من الصعب أن تنتج شركة العدل هذا العمل وخاصة أنها نفس الشركة التي انتجت مسلسل "الداعية" الذي تناقش نفس الأفكار والقضايا المطروحة.