تعتبر صناعة "الغزل والنسيج" في مصر من أعرق الصناعات التي عرفتها البلاد، إذ بدأت عام 1898 بإنشاء الشركة الأهلية للغزل والنسيج، ويعد عام1927 البداية الحقيقية لهذه الصناعة، إذ بدأ بنك مصر بإنشاء مجموعة من الشركات، بدأت بشركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى، وتحولت بعدها مصر من دولة مستوردة للغزل إلى دولة مصدرة له في عام 1949.
وتعاني صناعة الغزل والنسيج في هذا التوقيت، إذ تشير الإحصاءات إلى تعثر نحو 2600 مصنع في قطاع المنسوجات، من إجمالي 5400 جميعها متعثر جزئياً أو كلياً، رغم أن صناعة النسيج تساهم بنسبة 25% من الصناعات الإنتاجية في مصر، ويبلغ رأس مال تلك الصناعة حوالي 80 مليار جنيه.
وعقدت الحكومة مؤتمرا بعنوان "المؤتمر الوطني لزراعة القطن والنهوض بصناعة الغزل والنسيج" في 5 ديسمبر الماضي، وذلك بهدف خلق مليون فرصه عمل جديدة من خلال رفع كفاءة الطاقة الإنتاجية الحالية لأغلب المصانع إلي 80% بدلا من طاقتها الحالية التي تتراوح بين 30% و50%، وزيادة الصادرات من المنسوجات إلى 10 مليار دولار بدلاً من 2.5 مليار دولار حالياً، بالإضافة إلى إنهاء مشاكل المصانع المتعثرة حاليا وإقامة منطقتين صناعتين.
وخرج المؤتمر بعدة توصيات تهدف للنهوض بصناعة الغزل والنسيج من جديد ومن أهمها، تبنى مبادرات وخبرات متخصصة للانتقال إلى الأفكار المبدعة، والاستفادة من كافة الإمكانيات للنهوض بتلك الصناعة، بالإضافة إلى ضرورة وضع خريطة جديدة لزراعة القطن تلبى احتياجات تلك الصناعة، والعمل على توفير الدعم اللازم للمصانع المتوقفة.
انقراض القطن
وتعتمد صناعة الغزل والنسيج على "زراعة القطن " وخاصة القطن "طويل التيلة" والذي كانت مصر رائدة فيه إذ كان يشغل ثلثي مساحة الأرض الزراعية، و75% من اقتصاد البلاد، حتى وصفها المصريون وقت الحصاد بـ"الذهب الأبيض"، إلا أن هذه الزراعة باتت مهدده بالانقراض.
ويقول محمد المرشدي رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، إن صناعة الغزل والنسيج تقوم على 5 صناعات كل مرحلة تؤثر على ما قبلها وما بعدها بدءا من "حلج وكبس القطن" ثم مرحلة غزل الألياف "طبيعية - صناعية"، ثم مرحلة النسيج ثم مرحلة الصباغة والطباعة والتنفيذ ثم مرحلة الملابس الجاهزة، مضيفًا أن هذه المراحل في الصناعة كل مرحلة منها تعتبر صناعة مستقلة ولكن الصناعة في مراحلها الخمسة هي صناعة متكاملة لا غنى عن أي مرحلة منها.
وأضاف المرشدي خلال تصريحات خاصة لـ"مصر العربية" أن المراحل الصناعية يسبقها مرحلة زراعة القطن إذ تميزت مصر بزراعة الأقطان طويلة التيلة على مدى تاريخها ومنذ عهد محمد علي باشا وكان لديها مساحة كبيرة من الأقطان طويلة التيلة وجميع دول أوروبا كانت تتهافت على القطن المصري.
وأضح أن العالم قد حدث به تغير في الأذواق والموضة حتى أخذت موضة "الكاجول" السيادة على مستوى العالم اعتمادا على الأقطان قصيرة ومتوسطة التيلة وبذلك اتجه العالم إلى زراعتها إلى أن أصبح حجم الإنتاج العالمي من الملابس يعتمد على هذه الأقطان في حين أن مصر لا تزال تزرع القطن طويل التيلة.
ويطالب المرشدي، بضرورة تغيير السياسة الزراعية الخاصة بزراعة الأقطان القصيرة والمتوسطة مع الاحتفاظ بزراعة الأقطان طويلة التيلة على قدر التصدير للخارج ومدى احتياج الصناعة المحلية، مضيفا أن الصناعة تحتاج الدعم في رقابة الأسواق وأن تحقق هامش ربح وأن تبيع منتجاتها إلى المصانع المحلية حيث أن استهلاك 90 مليون مواطن يحتاج إلى المزيد من الإنتاج.
عمليات التهريب
وكشف رئيس غرفة المنسوجات، إنه نتيجة للممارسات غير الشرعية في استيراد المنسوجات أدت إلى توقف العديد من المصانع النسجية منذ عام 2002 وحتى الآن، مؤكدًا أنه يجب منع دخول الأقمشة إلى الأسواق بالطرق غير الشرعية وهو ما يمنعها من دفع ضريبة المبيعات أو الجمارك أو ضريبة الدخل، كما انها لا تعرض على هيئة الرقابة على الصادرات والواردات إذ تكون غير مناسبة للمواصفات وتدخل بطريقة غير شرعية وبذلك تباع المنتجات الأجنبية في الأسواق بتكلفة أقل من تكلفة الصناعة المحلية وهو ما يطيح بعامل التنافسية بين المنتجين في الأسواق.
ويقول المرشدي، إن عمليات التهريب تشكل عبء على الصناعة المصرية وتحقق خسائر فادحة، فلابد أن تعي الدولة أن الصناعة حاليا هي الركيزة الأساسية لنجاح مصر اقتصاديا وتنفيذ السياسة التي تنتهجها الدولة، والتي تبحث عن تقليل الواردات من الخارج، ولذلك نحتاج إلى دعم المصانع المتوقفة وتوفير الحماية لها والنظر إلى الإجراءات والقرارات الخاطئة وتصحيحها حتى تكون البيئة حاضنة للإنتاج وللاستثمار سواء من مستثمر أجنبي أو منتج محلي.
الخامات والكهرباء
في المقابل، يرى المهندس يسري نصر، رئيس مجلس إدارة شركة كوم حمادة للغزل والنسيج، أن أسباب انهيار الصناعة يتمثل في التكلفة العالية للخامات وكذلك ارتفاع أسعار الطاقة والقطن والكهرباء والذي يحتاج إلى الاستيراد من الخارج بعملة صعبة، إلى جانب أجور العمال المرتفعة.
ويقول نصر، إن الصناعة تواجه منافسات خارجية من دول "الصين وجنوب شرق آسيا والهند" وبذلك يكون الإنتاج مكلف ويتم بيع المنتج بسعر أرخص ودفع الأرباح، كما تضاف إلى التكلفة ضريبة المبيعات ، والقيمة المضافة .
ويضيف نصر أن الحل يتمثل في أن تبيع الدولة شركات الغزل والنسيج إلى القطاع الخاص وتقوم بتسريح العمال وتصفية الشركات باستثناء شركة واحدة كبرى كـشركة "المحلة" لكي يتم عمل تناسب مع الصناعات الأجنبية.
عدم التطوير
فيما يرجع المهندس محمد علي قبطان، رئيس شركة مصر حلوان للغزل والنسيج، أن يكون عدم تطوير الماكينات وتهالكها والبعد عن مواكبة وتطور الصناعة في أي شركة من شركات الغزل والنسيج، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الخام، وإهدار وزارة الزراعة للقطن، هي أهم أسباب الانهيار.
ويقول قبطان، إن مركز "وارنر" قد وضع روشتة لعلاج الصناعة، مطالبًا بتوفير مناطق صناعية في الظهير الصحراوي لكل محافظة والاستثمار من الأرض الخاصة مؤكدًا أن عمال الغزل والنسيج لا يعانون من شيء فهم في أفضل حال ويتقاضون مرتبات أكثر من القطاع الخاص دون عمل.