بعصا روسيا.. تركيا على أبواب «منطقة آمنة» شمال سوريا

أردوغان وبوتين

 

تجدد الحديث مرة أخرى عن اتفاق روسي تركي يمنح الأخيرة إقامة منطقة عازلة على حدودها شمالي سوريا، الأمر الذي توقعه مراقبون بقرب الإعلان عنه.

 

المنطقة العازلة التي تنوي أنقرة فرضها في سوريا، ربما فرضتها التفاهمات التركية الروسية مؤخرًا، تلك المنطقة التي نادت بها تركيا دومًا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بضرورة توفير مكان آمن للاجئين السوريين، باتت تلوح في الأفق على حدودها الجنوبية.

 

المراقبون أكدوا في تصريحاتهم لـ"مصر العربية" أن لروسيا الآن مزيدًا من النفوذ في الشرق الأوسط، لذلك ستمنح تركيا قوة أكبر بمحاذاتها، وستضمن لأنقرة استقرارًا لحدودها الجنوبية، وهو ما ظهر جليًا بانضمام الروس لدرع الفرات.

السياسي السوري عمر الحبال قال: إنه منذ أكثر من سنتين وتركيا تعمل لإقامة حزام أمني على الحدود السورية التركية، كانت البداية طرح إقامة مدينة داخل أراضي لواء إسكندرون بمساحة 5 آلاف كيلو متر مربع. ولا حقاً طرحت منطقة آمنة أو أمينة داخل الأراضي السورية لإيواء النازحين السوريين إلى تركيا أو من نزح من المدن والأرياف داخل سوريا.

 

وأوضح السياسي السوري لـ"مصر العربية" أنه بعد حدوث توافق روسي استطاعت تركيا الحصول على قبول غطاء روسي لتنفيذ هذا المشروع الذي كانت أمريكا ترفضه، ويبقى هذا المشروع كما يتحدث الزعماء الأتراك محددا بمنطقة غرب الفرات، مضيفًا: "هناك غموض يلف هذه العبارة التي أطلقها رئيس الوزراء التركي داوود أوغلو سابقاً، والتي تبدو ضمن توافق دولي إقليمي مع الأمريكان والتغاضي عن الحدود شرقي الفرات.

 

وتابع: "في العقيدة التركية هناك ثابتان يقلقان تركيا الأول: إقامة كيان كردي في الشمال السوري والذي تعتبره مقدمة لاقتطاع وتقسيم تركيا لاحقا،  والثاني: إقامة كيان علوي في الغرب السوري والملاصق للعلويين داخل تركيا والذي أيضاً هو خط أحمر تعتبره تركيا مقدمة لإنشاء دويلة علوية داخل أراضيها التي فيها علويين قد يصل تعدادهم إلى أربعة أضعاف علويي سورية.

وأيضا، إقامة شريط عازل غربي الفرات يحقق حمايتها من هذين الخطرين رغم التغاضي عن شرق الفرات الذي توجد فيه أيضاً أقليات كردية تثير قلقها أيضاً وقد تنون تركيا أن تعمل على تحقيق الشريط العازل على مراحل.

 

وأكمل: "بعد أن حصلت تركيا على جزء من هذا الشريط في شمال حلب وإدلب والذي لازالت توسعه وتدعمه ليصل إلى حالة شبه استقرار،  خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ليقول حماية تركيا من الإرهاب لا تبدأ من غازي عنتاب بل من مدينة حلب، وهذا مؤشر لأن تكون مدينة حلب ضمن هذا الشريط والذي تم تعيين والي تركي عليه، ولم يتم تعيين والي أو محافظ سوري له في إشارة لإدارتها وسيطرتها عليه مما سيثير غضب الشارع السوري.

 

كل الشواهد تؤشر إلى أن تركيا ساهمت في إسقاط حلب ودخول روسيا للهيمنة عليها مقابل قبول روسيا بدخول تركيا لإقامة تلك المنطقة العازلة، الكلام لا يزال على لسان الحبال، والذي أكد أن مقابل تلك التوافقات هناك ثمن إضافي حصلت عليه موسكو هو دفع بعض الفصائل للذهاب إلى مؤتمر الأستانة في كازاخستان ليشرعن لروسيا وجودها في سوريا وبسط سيطرتها على القرار فيها وشاهدنا تغاضي الائتلاف وهيئة المفاوضات عن الدور الروسي كغزاة ودولة راعية لإرهاب الأسد وميليشيات المرتزقة الفارسية الطائفية.

 

وتابع: "بات الغزاة الروس الذين أتوا لإنقاذ رقبة عصابات الأسد وميليشيات المرتزقة وإيران من السقوط تحت ضربات الثورة والثوار وتحويلهم إلى ما يشبه المخلص، وهذا ما لن يقبله الشعب السوري الثائر ولن تمر تلك الفبركات بحجة تخفيف القتل وجعل روسيا، التي ترعى الإرهاب وقتلت عشرات الآلاف ودمرت المدارس والمشافي والبنية التحتية،  لتكون ضمانا للحل في سوريا، وتلك جريمة ترتكبها قادة ما تسمى معارضة أتت بها إدارات مخابراتية دولية لإجهاض الثورة.

وأشار الحبال إلى أن الكل يتغاضى عن دماء مليون شهيد وملايين المعوقين والمهجرين بطرح حلول مجتزئة لا تلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب وثورته العظيمة، قائلا: "ستبقى الثورة تطور وسائلها وتغير أساليبها لتستمر حتى تحقيق هدفها الأساسي في إسقاط نظام عصابات الأسد وإقامة دولة الحرية والعدالة والقانون وإخراج آخر جندي من الطغاة والغزاة.

 

بدوره، قال جميل عمار المحلل السياسي السوري، إن تركيا  وقفت على خط التماس  أثناء القصف الروسي لحلب و طلبت من المسلحين الخروج تحقيقا لرغبة الروس على أن تكون هنالك مقايضة  موقف بموقف وها هو الآن، مضيفا أن ما فشلت فيه تركيا الحصول عليه من أمريكا بالموافقة على إقامة منطقة حظر جوي  ربما تحصل عليه من الروس. على الأقل الروس عندها سيملكون الحق بضرب تنظيمات تراها  إرهابية إذا دخلت إلى تلك المنطقة الآمنة.

 

وأوضح عمار لـ"مصر العربية" أن المنطقة العازلة تصب في صالح الشأن السوري، فالمنطقة العازلة سوف تلغي أحلام الانفصال عند الأتراك وإقامة كردستان سوريا، خصوصا وأنها ستكون متاخمة للحدود التركية وعلى امتداد واسع  وتحت رعاية تركية و تواجد عربي مكثف  يشكل حزاما يلغي حالة التمركز الكردي شمال سوريا.

من جهتها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن روسيا وتركيا ربما تكونان قد توصلتا إلى اتفاق بإقامة منطقة آمنة شمالي سوريا، وذلك بعد أسبوع من غارات جوية نفذها الطيران الروسي على مواقع تابعة لتنظيم الدولة في سوريا، في إطار دعم موسكو لأنقرة في حربها ضد التنظيم.

 

وبحسب محللين ومراقبين، فإن الاتفاق التركي–الروسي يقضي بإقامة منطقة آمنة شمالي سوريا مقابل تراجع تركيا عن جهودها للإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد، وتعزيز قبضته على المدن الرئيسية في جنوبي البلاد.

 

وبحسب جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في أنقرة، فإن التقارب التركي–الروسي يبدو تقارباً "تكتيكياً" إلى حد كبير، "فروسيا يمكن أن تقبل بجيش تابع لتركيا في شمالي سوريا على ألا يهدد سلطة الأسد، كما أن روسيا تسعى لتكون منافسةً لأمريكا في دعمها لتركيا مقابل دعم أمريكا للأكراد السوريين، وتقدم روسيا حالياً الدعم الجوي للأتراك في حربهم على تنظيم الدولة، في حين لا تفعل أمريكا ذلك، ولا أعرف لماذا لا تفعل".

 

وتقول الصحيفة إن تركيا بدأت العملية العسكرية في منطقة الباب شرقي حلب من دون التنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى دون الاستفادة من الغطاء الجوي الذي يمكن أن توفره واشنطن، وهو ما يعتبره دون دوريان قراراً تركياً مستقلاً بالعمل بعيداً عن واشنطن.

مسئولون أمريكيون تحدثوا عن تعطل الضربات الجوية الأمريكية في شمالي سوريا، مؤكدين أن الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى طلب تركيا عدم تحليق أي طائرات خلال مرحلة عملياتها العسكرية في منطقة الباب، فضلاً عن سوء الأحوال الجوية بالمنطقة.

 

إلا أن تركيا عادت، وفقاً للمصادر الأمريكية، للسماح بطائرات أمريكية من دون طيار بالتحليق في المنطقة والسماح أيضاً لطائرات أمريكية بـ"استعراض القوة" فوق منطقة الباب الأسبوع الماضي، الأمر الذي قد يمهد لمشاركة أمريكية خلال الفترة المقبلة في الضربات الجوية على مواقع تنظيم الدولة بسوريا.

 

بكل المقاييس، تقول الصحيفة، إن التعاون الناشئ بين أنقرة وموسكو يعتبر تطوراً لافتاً، وهو مغاير تماماً للوضع الذي كانت عليه العلاقات عندما قررت روسيا الدخول عسكرياً لمساندة الأسد في سبتمبر 2015، وما تبع ذلك من أزمة تفاقمت بين البلدين في أعقاب إسقاط تركيا طائرة روسية، قالت أنقرة إنها خرقت مجالها الجوي، حيث تدهورت العلاقات بين البلدين ووصلت إلى حد القطيعة الاقتصادية.

 

غير أن حسابات البلدين تغيرت بعد ذلك، خاصة بعد إدراك روسيا أن الأسد ليس لديه قوات كافية على الأرض للسيطرة على البلاد كاملة، وأيضاً ما أدركته تركيا لاحقاً بأن أكراد سوريا قد ينجحون في إنشاء كانتون (تقسيم إداري) لهم على الحدود في حال بقيت أنقرة بعيدة عن التدخل في سوريا.

 

يذكر أن الريف الشمالي لمدينة حلب يشهد الآن حركة تنموية وعمرانية كبيرة بعد سيطرة الجيش الحر عليه بدعم تركي ضمن عمليات درع الفرات، التي انطلقت في شهر أغسطس الماضي.

 

مدن إعزاز ومارع وجرابلس وكلجبرين، أشهر المدن وأكبرها التي سيطرت عليها فصائل المعارضة، إضافة إلى بلدات تركمان بارح وأخترين وعشرات القرى الأخرى الممتدة على سهول هذا الريف تحولت إلى منطقة آمنة فعليا تشهد كثافة سكانية عالية بعد عودة أهالي تلك المناطق من المخيمات والمدن التركية، ولجوء الكثير من المهجرين من المحافظات السورية الأخرى إليها في الآونة الأخيرة.

 

مقالات متعلقة