"كل شيء عاد إلى طبيعته".. بهذه الجملة لخص الرئيس اللبناني ميشال عون زيارته للمملكة العربية السعودية، والتي جاءت لإخراج الرئاسة اللبنانية من الصراعات الدولية والإقليمية والاهتمام بمصالح لبنان الاقتصادية، الأمر الذي يثير التساؤل هل خرج الرئيس اللبناني من عباءة حزب الله الذي تصنفه المملكة كمنظمة إرهابية؟.
وظل ميشال عون لسنوات أحد أبرز حلفاء "حزب الله" في الشارع المسيحي بلبنان، وأشارت الكثير من التحليلات إلى أن مواقفه السياسية اعتدلت بعد وصوله إلى رئاسة البلاد لتصبح في الوسط بين الحزب والقوى المناوئة له في لبنان.
الرحلة الأولى
وزار عون السعودية في أول رحلة خارجية له كرئيس للجمهورية، بعدما أنجزت له الرياض الوفاق اللبناني الداخلي الذي أنهى عقدة المشهد السياسي اللبناني وحقق له حلمه الطويل بتولي الرئاسة.
وانتخب عون رئيسا للبلاد بعد نحو عامين ونصف عام من شغور المنصب جراء انقسامات سياسية حادة حول ملفات عدة داخلية وخارجية، على رأسها الحرب في سوريا المجاورة، وذلك بدعم من رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري المدعوم من السعودية.
ويشهد لبنان منذ اندلاع النزاع في سوريا انقساما سياسيا حادا، وكانت السعودية قد أعلنت حزب الله في مارس الماضي "تنظيما إرهابيا" ودعت رعاياها إلى مغادرة لبنان.
مواقف عدائية
وفي فبراير الماضي، علقت المملكة برنامج مساعدات عسكرية بقيمة 3مليارات دولار إلى لبنان على خلفية ما اعتبرتها "مواقف عدائية" من جانب بيروت ناتجة من "خضوع" لبنان لحزب الله القريب من إيران.
واختصر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، بعد لقاء منفرد مع نظيره اللبناني، الزيارة بقوله: "كل ما تسعى له المملكة هو أن يكون لبنان مستقلاً وخالياً من التدخلات الخارجية".
وفي هذا النطاق رسالة مفادها حرص المملكة على تعزيز قوة واستقلالية منصب الرئاسة اللبنانية وحيثيات الاقتصاد اللبناني ليصمد أمام الإغراءات والتهديدات .
تدخلات خارجية
الصدام السعودي اللبناني وصل ذروته جعلت في فبراير 2016 بقرارها بالمراجعة الشاملة للعلاقات مع لبنان ومنها الدعم والهبة المالية والتحذير من السياحة فيه.
العلاقات بين دول الخليج ككل ولبنان قد تدهورت بشدة خلال العامين الماضيين ووصلت إلى حد توصية السعودية وعدة دول خليجية لمواطنيها بعدم السفر إلى لبنان، وذلك على خلفية المواقف السياسية اللبنانية في المحافل الدولية تجاه قضايا تتعلق بدول الخليج وامتناعها عن إدانة انتهاكات تعرضت لها، إلى جانب قتال حزب الله في سوريا إلى جانب نظام الرئيس السوري، بشار الأسد.
تصليح السياسات القديمة
بدوره قال الدكتور محمد حسين أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن زيارة الرئيس اللبناني للملكة العربية السعودية الهدف الرئيسي منها هو تصليح ما أفسدته السياسات اللبنانية القديمة والمتعلقة بالعلاقات مع المملكة.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن عون تصرف بذكاء منذ اللحظة الأولى من اختيار سعد الحريري ليكون من أكبر داعميه خاصة أنه يعلم أن الحريري هو أحد مفاتيح الخروج من الشغور الرئاسي اللبناني الذي ظل لأكثر من عامين.
وأشار إلى أن عون يعلم أيضًا أن السعودية ودول الخليج هم وحدهم قادرين على أن يكون لبنان مستقلاً وبعيدا عن فرض الأجندات الخارجية من قوى إقليمية مثل إيران، وذلك من خلال تنشيط الاستثمارات بين الخليج ولبنان من جديد.
استثمارات الخليج
وتشير تقارير اقتصادية إلى أن الاستثمارات التراكمية لدول الخليج في لبنان قدرت بنحو 11.3 مليار دولار، والحصة الأكبر منها مصدرها السعودية (4.8 مليارات دولار)، تليها الإمارات (2.9 مليارات دولار)، ثم الكويت (2.8 مليارات دولار)، ثم قطر، وبعدها سلطنة عمان.
كما أن قيمة الصادرات اللبنانية إلى بلدان الخليج تشكل 30% من مجمل الصادرات اللبنانية، حيث بلغ حجم صادرات لبنان إلى السعودية خلال العام الماضي نحو 356 مليون دولار، فيما وصل حجم الصادرات لدول الخليج والإمارات إلى 312 مليون دولار العام الماضي.
إحياء الاقتصاد
فيما قال الدكتور مختار غباشى ـ نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية، إن العلاقات بين السعودية ولبنان علاقات تاريخية ومتينة، لافتا إلى أن لبنان تعتبر ولاية سعودية نظراً للروابط الأسرية والتجارية بين البلدين.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أنه على الرغم من أن عون مرشح حزب الله في انتخابات الرئاسة إلا أنه لم ينجح إلا بضوء أخضر من السعودية بعد توجيهها بدعم الرجل الذي يعتبر من أبرز حلفاء حزب الله.
وأوضح أن زيارة عون قطعا ستؤثر على علاقته بحزب الله، لكن هو لم يفعل إلا الصواب، لتفضيله مصلحة البلاد على مصلحة حزب الله، مؤكداً أن هذه الزيارة ستعيد الدماء من جديد للحياة الاقتصادية وتقوية الجيش اللبناني بدعمه بالسلاح في فترة يمثل داعش خطراً على جميع الدول العربية.