تحول جزء كبير من السهول البقاعية شرقي لبنان إلى مخيمات للاجئين السوريين، خلال السنوات الخمس الأخيرة، تشرف عليها جمعيات أممية وخاصة، غير أن جزءا منها تحول إلى مخيمات عشوائية، استأجرتها عائلات وعشائر سورية من مالكين لبنانيين؛ دون رعاية ومتابعة؛ ما جعل الإهمال يهدد صحة المقيمين فيها، ولا سيما الصغار منهم.
وسلطت وكالة "الأناضول" الضوء على مخيم "الميس"، الذي يحمل رقم 152 في برالياس (البقاع الأوسط/ شرقي لبنان) يتبدى جليا وجود بركة كبيرة من المياه تفصل طرفي المخيم يمينه عن شماله، ويبلغ عمق البركة الموحلة في بعض جوانبها 70 سم محاطة بقاذورات ونفايات وبقايا أطعمة متلفة.
"النازحون إلى هذا المخيم العشوائي من الشمال السوري واجهوا معضلة غرق خيمهم بسبب تساقط الأمطار الغزيرة خلال الشتاء وتجمع الماء وسط هذه الحفرة الترابية الواسعة، ومن ثم طوفان خيمهم؛ ما اضطرهم إلى وضع بعض اللبنات البنائية للتخفيف من تكرر المشكلة"، بحسب أحد اللاجئين، ويدعى يوسف الخالد.
الخالد مضى شاكيا: "لا نملك حيلة أمام هذا الحوض المائي الذي يشكل خطرا كبيرا على حياتنا وحياة عجائزنا، والأهم منهما على حياة 73 طفلا يعيشون هنا.. حاولنا تدارك المشكلة بأنفسنا، لكن شيئا لم ينفع، لا سيما وأن هذه البركة تمتلئ بالأمراض والأوبئة، حيث تتجمع في البركة كل النفايات والأوساخ".
فقط.. تحسين الواقع ما يحذر منه الخالد حدث بالفعل للطفلة "رهف النظامي"، التي لا يزيد عمرها عن العام، حيث اتخذت من البركة الموحلة مكانا للعب والتسلية، فوقعت ذات يوم فيها، حسبما روت والدتها نجوى النظامي (33 عاما).
الأم قالت: "حين تركت الخيمة لبضعة لحظات كي أقوم بمهام منزلية، خرجت رهف، فوجدت أمامها مجموعة أطفال يجمعون الحصى وبرمونها في الماء. وحين قررت طفلتي أن تحذو حذوهم، غلبها وزنها، فوقعت في المياه (الموحلة)".
نجوى، التي تخشى كثيرا من تكرر الحادث، أضافت: "لو لم أكن قريبة من المكان لكنت فقدت ابنتي بالفعل، وهو ما لا أحتمل حتى تذكره أو التفكير فيه، لا أطلب تبديل ظروف نزوحي القاسي، لكني أتمنى فقط أن يتحسن واقعه".
حساسية في الصدر
الخطر الداهم الذي يحيط باللاجئين في هذا المخيم العشوائي تحدث عنه أيضا لاجئ سوري آخر، يدعى صالح الخالد، راويا ما حدث لابنه الذي يعاني من حساسية تفاقمت بفعل التلوث المحيط بالمخيم.
الخالد أوضح أنه "قبل فترة ضاق تنفس ولدي الصغير (6 سنوات) حتى ظننت أنني أخسره، فركضت به إلى المستشفى لعلاجه، فطلبوا منى أن أوجد له بيئة نظيفة، ومياها نظيفة، وهواء رطبا؛ لأنه يعاني من حساسية عالية في الصدر".
وبحزن، تابع الأب السوري: "لكني لا أملك إلا أن أعود به إلى هذا المكان (المخيم).. وكأني أقول له مت يا ولدي".
الخالد تمنى أن لا يكون لجوئهم بلاء على صغارهم، الذين لا ذنب لهم فيما فُرض عليهم، داعيا من يملك القدرة إلى المبادرة بإيجاد حل جذري لمشكلتهم المتفاقمة.
من أجل الصغار
بين طوفان الخيم وغرق الأطفال وتدهور ظروف التلوث في المكان، لا بد أن يرى المار في مخيم "الميس" أطفالا يتخذون من المياه الملوثة ممرا لألعابهم ومخبئا وأحيانا ضفة للدرس والمطالعة.
الأمر الذي يقول الأهالي إنهم يحولون دون حدوثه متى كانوا في خيمهم، لكن في أول فرصة لغيابهم يتراكض الأطفال نحو المياه للعب فيها.
من جهتها، تجلس الثمانينية، "ستّة الفارس أم نايف"، أمام خيمتها تلهث بالدعاء إلى ربها أن يعود أهالي المخيم إلى بيوتهم في سوريا.
"أم نايف" قالت: "كان لنا في سوريا بيوت وأراض ومصالح، تركناها كلها هربا من الموت، والآن لا نجد بدا إلا أن نقاوم ليعيش الصغار، هؤلاء الأبرياء الذين هربنا بهم ومن أجلهم.. لا نتأسف على حياتنا، بل على بلادنا التي نسأل الله أن يعيد إليها أمنها وأمانها، وأن تنتهي عواصف الظلم التي تحيط بها من كل جانب".
ولكونها بوابة حدودية مع سوريا، تستحوذ منطقة البقاع اللبناني على الحصة الأكبر من اللاجئين السوريين، بنسبة 34% من إجمالي اللاجئين، وفق دراسة أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين العام الماضي.
وفي عام 2016، بلغ عدد اللاجئين السوريين في لبنان مليون لاجئ، حسب تقرير حدّثته منظمة العفو الدولية (أمنستي) نهاية ديسمبر الماضي، في حين تشير مصادر أخرى محلية إلى تجاوز العدد المليون و800 ألف لاجئ سوري في لبنان بين مسجلين وغير مسجلين لدى الأمم المتحدة.