"هقول تاني؟.. كل البيانات والوثائق متدنيش إلا أن أقول، الحق ده بتاعهم، يعني مفيش في وزارة الخارجية حد وطني؟.. كلهم ناس مش كويسين بيبيعوا بلدهم. طيب مفيش في المخابرات العامة وطني وكلهم عايزين يبيعوا بلدهم، مفيش في الجيش حد وطني مستعدين يبيعوا بلدهم.. أنتم حاجة صعبة أوي".
الفقرة السابقة جزء مقتبس من كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في 14 أبريل 2016 تعقيبًا على تشكيك المعارضة في اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، مؤكدًا في كلمته أن "مصر لم تفرط في حبة رمل من أرضها وأعطت المملكة السعودية حقها، وكان هناك ظروف سياسية سابقة لإعطاء مصر حق حمايتها، و لم يتم تداول اﻷمر من قبل حرصًا على الرأي العام في البلدين".
هذه الواقعة لم تكن الأولى من نوعها التي خالف فيها لسان الواقع وعود الرئيس والحكومة، حيث سبقها وتلاها وعود بتخفيض سعر الدولار والسيطرة على الأسعار ذهبت أدراج الرياح، إلا أنّ الرأي العام لم يتوقف كثيرًا أمام هذه الوعود مثل ما توقف أمام الحكم النهائي الصادر من محكمة القضاء الإداري يوم الاثنين الماضي الموافق 16 يناير، برفض الطعن المقدم من الرئيس والحكومة، وهو ما دفع خبراء بوصف ما حدث بشرخ في مصداقية الرئيس والحكومة.
المهندس حسين منصور عضو الهيئة العليا لحزب الوفد يرى أنّ ما حدث لم يؤدِّ فقط إلى زعزعة الثقة بالرئيس بل أدى لحدوث تعارض بين السلطات وتداخل فيما بينها بشكل لم يسبق من قبل.
وأضاف منصور في تصريح لـ"مصر العربية"، أنّ ضعف حجة الحكومة في قضية تيران وصنافير أمام البرلمان كان سيئًا للغاية، مما ترتب عليه صورة ذهنية شديدة القتامة أمام الشعب والرأي العام.
وأشار منصور إلى أن قضية تيران وصنافير لم تتوقف أو تنتهي بعد بل إن هناك جولات أخرى يستطيع الرئيس والحكومة من خلالها استغلالها لتوضيح حسن نيتهم.
وأوضح عضو الهيئة العليا، إن أهم شيء يمكن للرئيس السيسي والحكومة من خلاله معالجة الشرخ الناتج بينهم وبين الرأي العام خاصة فيما يتعلق بالمصداقية هو النزول على حكم القضاء والتسليم بما جاء في حكمه.
في السياق قال مدحت الزاهد القائم بأعمال رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إن قضية تيران وصنافير في المجمل أثرت بشكل كبير في مصداقية الحكومة والرئيس السيسي بشكل أكبر.
وأضاف أنَّ أزمة الثقة والفجوة التي حدثت أصبحت تتسع يومًا بعد يوم خاصة بعد حكم تيران وصنافير من أكبر محكمة إدارية عليا في البلاد حيث إن المعنى الشعبي الذي نتيج عن هذه الحكم أنّ الرئيس والحكومة لم يبذلوا الجهد الكافي للدفاع عن جزء من أراضي الوطن.
ويرى الزاهد أن حكم محكمة القضاء الإداري كان بمثابة شرخ في شعبية ومصداقية الرئيس والحكومة، مؤكدًا أنَّ أقصر طريق لتدارك ما حدث هو أن يلتزم الرئيس والحكومة والبرلمان بمنطوق الحكم في القضية.
وأكّد الزاهد أن السيسي ليس مسؤولاً وحده عما حدث في قضية تيران وصنافير، بل أيضًا يقع رئيس الوزراء ومستشارين الرئيس تحت هذه المسؤولية الاجتماعية حيث لم يقدموا المعلومات الكافية للرئيس قبل الإقدام على هذا الأمر، وهم ما كان السبب الرئيسي لوصولنا لما نحن فيه الآن.
وأشار القيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي، إلى أن بعض النواب بمجلس الشعب مثل النائب سمير غطاس، يشرعون الآن في تقديم طلبات إحاطة واستجوابات ضد رئيس الحكومة شريف إسماعيل، وبعض الوزراء مثل وزير الخارجية سامح شكري لعدم تقديهم المعلومات الكافية ودراسة الأمر قبل الشروع فيه.
وأرجع الزاهد الصخب الذي رافق قضية تيران وصنافير بعد حكم محكمة القضاء الإداري، رغم أنها ليست المرة الأولى التي لا تصدق فيها السلطة التنفيذية في وعودها، إلى أن القضية توافر لها غطاء قانوني وصدر الحكم ببطلانها من أعلى المحاكم القضائية في مصر مما يعد شرخًا كبيرًا في مصداقيتها أمام الرأي العام.
الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي قال إنَّ قضية تيران وصنافير كانت تتسم منذ اللحظة الأولى بالتخبط والعشوائية من قبل الحكومة والرئيس خاصة فيما يتعلق بالجانب الإعلامي المتعلق بإعلان القضية للرأي العام، وهو ما أوصل الرئيس والحكومة إلى هذا الموقف الذي لا يحسد عليه أحد.
وحول تراجع المصداقية إثر قرار المحكمة الإدارية العليا بشان بطلان اتفاقية "تيران وصنافير" ورفض الطعن المقدم من السلطة التنفيذية، قال صادق إن الحكومة والرئيس يقع اللوم عليهم في المقام الأول، فالمعارضة أمام حكومة لم توفِّ في معظم وعودها، وأمام حكم قضائي بات بتكذيبها فأين يتجه؟ ومن يصدق؟
وحذر أستاذ العلوم السياسية، الحكومة من أن تتجه للتحكيم الدولي كم تحدثت بعض الأخبار المسربة، أو أن يناقش البرلمان الاتفاقية بعد الحكم النهائي الصادر فيها، لا سيما أن الأخير لا يحظى بسمعة جيدة منذ الجلسات الأولى في أروقته.
ونوه صادق إلى أن ما حدث في قضية تيران وصنافير لم يكن مستبعدًا، خاصة أن كثيرًا من الخبراء والقانونيين حذروا الحكومة ولم تلتفت لهم، مؤكدا أن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري يعتبر خروج مشرف من الأزمة تحت مسمى الرضوخ لأحكام القضاء.
شاهد الفيديو..