الكتاب الأبيض الصيني الجديد يتناول التعاون الأمني في منطقة آسيا - الهادئ، وهو الأول من نوعه، ويشير الى رغبة بكين في بسط نفوذها على نظام أمن المنطقة هذه. ويحذر «البلدان الصغيرة والمتوسطة الحجم» من الانحياز الى جهة في الخلافات بين الدول الكبيرة. ومع إطاحة أميركا ركن استدارتها الى آسيا – الهادئ، اي اتفاق الشراكة التجارية العابرة للهادئ، تقدمت الصين في الفيليبين وماليزيا وتايلندا وكمبوديا، وهمشت دور منظمة «آسيان» التي تسعى الى موازنة قوتها.
ويبدو أن مسألة بحر الصين الجنوبي زرعت التناقض في الكتاب الأبيض. فموقف بكين الرسمي - رفض التحكيم الدولي في النزاعات المائية - يخالف محور الوثيقة العسكرية التي تخرج صورة الصين على أنها بلد «يدعو الى حكم القانون وتطوير صمامات أمان السلام والاستقرار» في المنطقة. والى الصورة هذه، يدعو الكتاب دول آسيا – المحيط الهادئ الى مناقشة القوانين الدولية في المنطقة وصوغها مجدداً. فـ «أحكام دول لا تتحول تلقائياً الى قوانين دولية»... ولا يحق لدول انتهاك حقوق غيرها ومصالحه بذريعة حكم القانون». ويبدو أن الصين تدعو الى تغيير أسس القانون الدولي، وتحديداً تلك التي لا تخدم مصلحتها.
ويدور شطر كبير من الكتاب الأبيض على رغبة الصين في السلام والاستقرار في المنطقة، وحل الخلافات من طريق التفاوض، وحل مسائل «حامية» مثل النووي الكوري الشمالي، والإرباك في أفغانستان والأخطار الأمنية غير التقليدية، مثل الإرهاب والكوارث الطبيعية والجرائم العابرة للدول. لكن الكلام على التعاون والتفاهمات والمصالح الأمنية المشتركة ليس ضمانة عدم لجوء بكين الى القوة أحادياً لتحمي ما ترى أنه مصالحها: فهي حاولت أخيراً ثني كوريا الجنوبية عن نشر منظومة صواريخ على أراضيها من طريق حظر دخول شحنة كبيرة من أدوات التجميل الكورية الجنوبية، ومنع بث برامج نجوم كوريين جنوبيين على قنواتها التلفزيونية، ورفض منح خطوط جوية كورية جنوبية حق تسيير رحلات «شارتر» من أراضيها وإليها. وقبل أيام، انتهكت المقاتلات الصينية المنطقة الكورية الجنوبية للدفاع الجوي. وصادرت مركبات عسكرية سنغافورية من طراز «تيريكز» كانت تنقل على متن سفينة شحن من تايوان الى سنغافورة، إثر توقف السفينة في مرفأ هونغ كونغ.
ويرى الصينيون أنهم ورثة الأميركيين في منطقة آسيا – الهادئ، لكنهم لم يتحدوا بَعد نظام القيادة الأميركي. وتقول الصين أن قواعد ناظمة تقرها منظمات أميركية القيادة مثل «آسيان» و»شنغهاي» وبنى تحالفات عسكرية مع أميركا، لن يتوقف العمل بها في المستقبل المنظور. فهي لا ترمي الى «البدء من الصفر وإرساء بنى أمنية جديدة، بل تطوير البنى الموجودة وتحسينها». وفي وقت تتردد أميركا في عدد من المسائل، ليست الصين في عجلة من أمرها، وفي وسعها الانتظار وإعداد العدة.
نقلا عن الحياة