لم يجد الرئيس الصيني شي جين بينج، فرصة أنسب من منصة "دافوس" ليدافع دفاع صريح وواضح عن العولمة التي باتت مهددة مع رئيس الولايات المتحدة الجديد، وهو الدفاع المشروع إلى حدٍ كبير، إذ أن بلاده هي أكثر الدول التي استفادت من العولمة في السنوات الماضية.
وانطلق، أمس الثلاثاء، في سويسرا أعمال منتدى دافوس في نسخته الـ47، بمشاركة نحو ثلاثة آلاف مسؤول سياسي واقتصادي؛ ليبحثوا أهم القضايا العالمية، وذلك تحت عنوان "زعامة دقيقة ومسؤولة"، في جلسات يتجاوز عددها 400 جلسة.
وخلال كلمته الافتتاحية للمنتدى، الذي يحضره النخب العالمية، افتتح الرئيس الصيني الاجتماعات بتحذير لدول العالم من العودة إلى سياسات الحماية التجارية، قائلًا: "لن يكون هناك أي فائز في حرب تجارية"، وربما تكون هذه الكلمات الأكثر تعبيرًا عن الواقع الذي يعيشه العالم جراء الصراعات الاقتصادية المتنامية، والتي من المنتظر أن يشعلها رئيس الولايات المتحدة الجديد.
الرئيس الصيني كان هو النجم الساطع في سماء "دافوس" في اليوم الأول للمنتدى الاقتصادي العالمي، فهو أول رئيس صيني يشارك في المنتدى منذ تأسيسه عام 1971، إذ حاول إخافة العالم من سياسات ترامب الانعزالية، ووصف الحماية التجارية بـ«حبس المرء نفسه في غرفة مظلمة، كي يحمي نفسه من الخطر، لكنه في الوقت ذاته يحرم من (النور والهواء) ، حاثًّا دول العالم على ألا تحمي مصالحها الخاصة على حساب مصالح الآخرين.
الرئيس الصيني قال إن الجشع -السعي المفرط وراء الأرباح- وليس العولمة هو ما تسبب في الأزمة المالية العالمية، مُؤكدًا على أن بلاده مؤيدة لإبرام اتفاقيات تجارية "منفتحة وشفافة ومفيدة لجميع الأطراف"، داعيًا الدول الأخرى لعدم إلقاء اللوم على الآخرين حين تواجه "صعوبات"، موضحًا أن الصين ستبقي بابها مفتوحًا، ولن تغلقه.
وكانت وكالة الأنباء "رويترز" قد نقلت عن عدد من كبار الخبراء الاقتصاديين في دافوس أن ما اعتبروه التهديد الأخطر لهذا العام، هو نشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين، إذ قال راجهورام راجان، الخبير الاقتصادي بجامعة شيكاجو: "إنني قلق من النظرة الحماية التجارية، فقد تدفع العالم إلى مآل سيئ للغاية".
وتخشى الصين أكبر الرابحين من العولمة في القرن العشرين، والتي تشق اليوم "طرق حرير جديدة"، أمريكا برئاسة دونالد ترامب، الذي وعد بالتخلي عن اتفاق التبادل الحر عبر الأطلسي، وإقامة حواجز جمركية مع جيرانه ومع الصين، والذي ينتقد منظمة التجارة العالمية.
ويقول أندرو بولك، المحلل لدى "ميدلي أدفايزورز" الاستشارية في لندن، إن "طرق الحرير" تؤمن للصين أسواقًا لتصريف فائض إنتاجها، خصوصًا من الإسمنت والفولاذ، وتعزز أيضًا من نفوذها، كما لا تتردد بكين في استخدام تجارتها كأداة انتقامية، فعمليات استيراد سمك السلمون النرويجي مثلًا تراجعت بعد منح المعارض الصيني ليو شياوبو جائزة نوبل للسلام.
الرئيس شي جين بينج، أشار إلى أن اتهام العولمة الاقتصادية بالتسبب في مشكلات العالم يتعارض مع الواقع وغير مفيد في حل المشكلات، إذ إن العولمة الاقتصادية هي "سلاح ذو حدين"، ستؤدي إلى تكثيف التناقضات بين النمو والتوزيع، والرأسمال والعمل، والكفاءة والعدل، في حالة وقوع الاقتصاد في مرحلة الهبوط.
ولكن، من منظور تاريخي، فإن العولمة الاقتصادية هي المتطلبات الموضوعية لتنمية القوى الإنتاجية الاجتماعية ونتيجة حتمية للتقدم العلمي والتكنولوجي، بحسب بينج.
ويأتي حديث الرئيس الصيني في وقت يغلب فيه شعور فشل العولمة على اجتماعات هذا العام، فغالبية الشعوب باتت على يقين بفشل العولمة، في ظل مخاوف من تصدع النظام الاقتصادي العالمي، إذ كشف مقياس إيدلمان السنوي للثقة، الذي صدرت نتائجه قبيل بدء الاجتماعات، عن أن غالبية الشعوب ترى أن النظم الاقتصادية، والسياسية خذلتها.
وكان إيان جولدين، الخبير في العولمة والتنمية بجامعة أوكسفورد، يرى أن حالة السياسة العالمية أسوأ مما كانت عليه منذ فترة طويلة، رغم مرور العالم بفترة صعبة، تحتاج لمزيد من التنسيق لحل مشاكل يتزايد خطرها بزيادة الانعزال.
على الجانب الأخر بعد نحو ساعتين على كلمة جين بينج، اعتلى أنتوني سكاراموتشي، وقال أن لدى الصين وأميركا مصالح مشتركة وعلاقات قوية.
وأوضح أن ما تريده الإدارة الجديدة هو "تجارة حرة وعادلة"، قائلا إن الإدارة الجديدة ترى أنها في واقع الأمر "حرة من غير توازن أو عدالة"، موضحا إن "كل ما يريده الرئيس الجديد وإدارته هو إعادة التوازن لطرفي هذه العلاقات، حيث إن هذه السياسة أضرت باقتصاد أميركا".