قال مصطفي السعيد، وزير الاقتصاد الأسبق، إن تعامل الحكومة الحالية مع الأزمة الاقتصادية، غير جيد علي الإطلاق، فكان لابد أن تسير بحسم أكثر مما هي عليه الآن، لاسيما أن هذه الأزمة أكبر بكثير من الإجراءات التي تتخذها.
وأضاف السعيد، في حواره لـ "مصر العربية"، أن تطوير الصناعة وتسويقها للخارج، والاهتمام بالتعليم، هما المخرج الحقيقي للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، مشيرًا إلي أن سر النهضة والقفزة التي حققتها الصين في المجال الاقتصادي هو التعليم والصناعة.
وحول كيفية جذب الاستثمار، أكد وزير الاقتصاد الأسبق أن البيئة التشريعية وحدها لاتكفي، موضحًا أن أهم ما يُشجع علي جذب الاستثمارات، هو ثقة المستثمر فيما يقدم إليه من خدمات، وتوافر مناخ أمني جيد، بجانب قوانين تُعطي حافزا قويًا للمستثمرين.
وفيما يخص أداء الحكومة وسياسة الاقتراض والديون المتراكمة، أوضح السعيد أنه لابد من إعادة النظر قي ترتيب أولوياتها، قال: "نحن بحاجة إلى سياسة اقتراض واعية وحكيمة، لأن التوسع فيها سيقودنا إلى متاعب ومخاطر جديدة".
كما تطرق الحوار إلى عدة قضايات اقتصادية أهمها السعر العادل للدولار وقرض النقد الدولي وقانون الاستثمار الجديد ، وكذلك أهم الصناعات التي يجب على الدولة دعمها، فيما وجه سؤالا إلى محافظ البنك المركزي : الاحتياطي فائص للدولة أم قروض؟
وإلى نص الحوار..
نعيش أزمة اقتصادية طاحنة .. في رأيك ما الأسباب التي أدت الي ذلك ؟
الأسباب متعددة، إلا أننا نملك مشكلتين رئيستين تكمنان في عجز الموازنة العامة وعجز في ميزان المدفوعات، وهذا يرجع الي أن بعض مصادر صنع النقد الأجنبي والمتمثلة في " السياحة والإستثمار" جفت وضعفت خلال الفترة والاخيرة.
كما أن الفترة الماضية شهدت زيادة واضحة في حجم الإستيراد وقابلتها نقص شديد في حجم الواردات، مما أدي إلي حدوث فجوة كبيرة في الميزان التجاري بين ما نصدره وما نستورده، وهذا بدوره أصبح عبء علي الاقتصاد المصري، فكل تلك الأسباب تكمن وراء ما نشاهده الآن من أزمة اقتصادية.
كيف ترى تعامل الحكومة مع الأزمة الحالية ؟
هناك العديد من الملاحظات التي تؤخذ علي الحكومة، وكان لابد من التركيز عليها، فأي دولة تواجه هذه الأزمات، عليها أن تُعيد النظر في أولوياتها، بحيث تتفق مع طبيعة الأزمة وتتمكن من التغلب عليها.
فعلي سبيل المثال نواجه نقص في النقد أجني، إذًا كان يجب توجيه الإستثمار نحو القطاعات الزراعية أوالصناعية حتي نستطع التصدير، كما أنه سيؤدي إلي تخفيض الإستيراد بالنسبة لبعض السلع.
كما أن هذه الأزمة أكبر بكثير من الإجراءات التي تتخذها الحكومة، فكان عليها أن تسير بحسم أكثر مما هي عليه الآن.
نصيحتك للحكومة للخروج من الأزمةو الراهنة؟
علي الحكومة ان تعمل علي الصناعة من أجل التصدير، وأن تهتم بالتعليم و تعيد النظر في الإستثمارات العقارية، "النهاردة معظم مدخرات المصريين تتجه نحو العقار، أي حد معاه فلوس يتجه الي شراء قطعة أرض، فكل الأموال متجهه نحو العقار، لابد ان توجد بورصة تمتص تلك الاستثمارات".
كيف ترى سياسة الاقتراض التي تلجأ إليها الدولة دائما ؟
مواجهة العجز يتم من خلال الضغط بحيث يتم تقليل هذا العجز أو الاقتراض حتي نستطع سد هذا العجز، والحكومة الآن تتجه نحو الضغط لتقليل حجم العجز، وتقترض حتي تتمكن من إتخاذ إجراءات تحقق الأهداف التي تعلن عنها.
فالإقتراض سلاح ذو حذين، ويتوقف علي كيفية استخدامه، فإذا كان إستخدامه لخلق طاقة إنتاجية قابلة للتصدير، فهذا جيد علي أن يتم علي أولويات أساسية مضبوطة وبكفاءة عالية، وإذا كان الإقتراض لصرفه علي السلع الإستهلاكية، أو أمور ليست لها أولوية في المرحلة الحالية، فقطعًا التوسع فيه قد يؤدي إلي متاعب ومخاطر في المرحلة القادمة.
أين تذهب أموال القروض؟
أعتقد أن الحكومة والرئيس لديهم طموحات أكبر من الامكانيات، مثل الخوض في مشاريع " فالعاصمة الجديدة، والطرق وتصليح مليون ونص فدان وتطوير الموانئ"، فنتيجة لذلك كان لابد أن تحدث إختراقات، وهذا ما نشاهده علي مستوي الفرد ذاته، فلابد من إعادة النظر في أولوياتنا، بحيث يصبح للتعليم والتصنيع الأولوية، فسر النهضة والقفزة التي حققتها الصين في المجال الإقتصادي هو التعليم والكفاءة.
ما رأيك في قانون الاستثمار الجديد ؟
بالمناسبة فأهم ما يُشجع علي جذب الإستثمار، هو ثقة المستثمر فيما يقدم إليه وفيما يوجد من قوانين وتعليمات فإذا وجدت هذا الثقة، فإنها ستُعطي حافز قوي للمستثمرين، وليس القوانين وحدها، ولكن القوانين، في حد ذاتها خطوة ضرورية، وإن كانت غير كافية، فلابد من نشر مناخ ثقة بين المستثمر وبين القطاعات في مصر، فهناك تعطيل يتم بسب مؤسسات حكومية ذاتها.
القوانين تُساعد ولكنها ليست الأساس، فحجم الاستثمارات والتي بلغت 12 مليار دولار، انخفضت بسب الاضطرابات السياسية والأمنية التي حدثت في أعقاب ثورة يناير، فلابد من الاهتمام بمناخ الثقة والمتمثل في الأمن والتقاضي.
هل تطبيق قانون الإفلاس يضمن ثقة المستثمرين؟
في الحقيقة أي شخص موضوعي يستطع ان يتبين له أن مناخ الثقة يرتفع من الناحية الأمنية، والإجراءات التي تُتخذ لبث الثقة لابد ان تزداد ولا تقل نحن بحاجة الى مجهودات كثيرة.
كيف ترى ديون مصر الخارجية والداخلية وتأثيرها على المواطن؟
حجم الديون الخارجية الآن، لا يمثل خطرا ولكن التوسع في الاقتراض يؤدي إلى مخاطر في سداد الأقساط وفي الفوائد، وبذلك لابد أن تكون سياسة الاقتراض واعية وحكيمة.
وفيما يخص الديون الداخلية نحن نواجه عجزا في الموازنة العامة، فالنفقات المتمثلة في الأجور أكبر من الإيرادت، وهناك طريقتان لسد هذا العجز، ولتغطية الفجوة، وهما ارتفاع الاسعار، وتقليل المدخرات، فلا توجد حلول غير ذلك.
من خلال رؤيتك للمشهد .. هل الدولة في طريقها للافلاس؟
"مافيش حاجة اسمها إفلاس .. فلم نشهد من قبل أن دولة أعلنت افلاسها"، فالدولة قائمة من أيام مينا، إلا ان الدولة تواجه صعوبات في سداد التزاماتها، وفي النهاية يؤثرعلي المواطن من خلال وارتفاع الأسعار ورفع الضرائب، وتدني مستوي المعيشة.
كيف ترى قرار البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة بعد رفعها 300 نقطة أساس؟
رفع سعر الفائدة، جاء بعد تعويم الجنيه، كمحاولة لامتصاص القوة الشرائية الموجودة في المجتمع، حتي لايحدث ضغط علي الإستيراد ولتوفير فائض لتصديره، بمعني لأن "رفعها يدفع الناس لإدخار مدخراتها من خلال بيع الدولارات، هو في النهاية عاوز الناس تطلع مدخراتها من خلال رفع سعر الفائدة".
في رأيك .. ما أعلى سعر قد يسجله الدولار الفترة القادمة؟
صعب علي أية اقتصادي موضوعي أن يُحدد سعر الدولار، لاسيما أنه يتوقف علي أمور عديدة، كما أن هذا الأمر متوقف علي السياسيات المتخذة.
ما رأيك في اتفاقية الحكومة مع صندوق النقد الدولي؟
قرض صندوق النقد الدولي، شر ولكن كان لابد منه، خاصة أننا نُعاني من عجز في ميزان المدفوعات، ولكن شروطه تشترط تصحيح السياسات النقدية، ولم تهتم بمعدل النمو أو تطوير الصناعة، كما أنه يُجبر الدولة علي الالتزام بشروط معينة، تتسم بنوع من التقشف وتعويم العملة.
إلي متي سيتحمل المواطن البسيط هذه الضغوط ؟
الدواء مر، وأمامنا خياران لا ثالث لهما، أن نترك الأمور كما هي، وفي هذه الحالة فإن الإنهيار قادم قادم، إما ان نقوم بتوجيه الإمكانيات نحو المشروعات والصناعة، وحينها فإن الوضع سيتحسن.
لا يمكن أن ننسي أن هناك دولا كثيرة كانت في حال أسوأ مما نحن عليه الآن، ولكنها استطاعت النهوض والعبور ، فالأمر متوقف علي السياسات والارادة.
ما هي الدول التي مرت بظروف اقتصادي مماثلة لمصر واستطاعت النهوض؟
دول كثيرة مثل تايلاند، اندونسيا، كوريا الجنوبية وتركيا.
وهل من الممكن أن نسير نهجهم؟
لكل دولة ظروفها الخاصة.
ما تقييمك لسياسة محافظ البنك المركزي النقدية؟
للأسف فإن الظروف ضاغطة وتقتضي هذا الأداء.
تحدثت كثيرًا عن أهمية الصناعة والتصدير .. في رأيك ما هي أهم القطاعات التي يجب على الدولة دعمها وتؤتي ثمارها؟
صناعة الغزل والنسيج علي سبيل المثال، فتبلغ صادراتنا من تلك الصناعة في السنة 2.2 مليار جنيه من ملابس وأقمشة وخيوط، بينما تبلغ صادرات تركيا من هذه الصناعة 21 مليارا، فلابد من العمل على تطوير تلك الصناعة وتسويقها للخارج حتى تجلب لنا الكثير من النقد الأجنبي.
هل توافق على مقترحات البعض بإلغاء الدعم العيني مقابل تطبيق الدعم النقدي؟
مقترحات الدعم العيني مستمرة منذ 50 سنة، فلكل نوع من أنواع الدعم مزايا وعيوب، والدعم العيني ما يميزه أن الدولة توفر السلعة لشخص فقير بحاجة إليها، ولكن في حال تقديمها بشكل نقدي فإنه قد يصرفه علي المخدرات أو ما إلي ذلك، ولا يقوم بشراء السلع الاساسية التي يحتاجها هو وأسرته.
كيف ترى وصول الاحتياطي النقدي لـ 24.3 مليار دولار ؟
هنا يتردد علي أذهاننا سؤال ملح .. هل هذا الفائض للدولة أم جاء من الاقتراض؟
ضع خطة واضحة وقابلة للتنفيذ لإصلاح الإقتصاد المصري؟
لابد من وجود وزارة للتخطيط تُحدد الصناعات القادرة علي حل المشاكل الأساسية مثل البطالة، بحيث تستخدم تكنولوجيا كثيفة العمل لإمتصاص البطالة المتواجدة، ووضع التعليم والصناعة علي رأس أولويات هذه الخطة.