6 محطات من النزاع بين مجلس الدولة والسلطة في مصر

إجراءات أمنية مكثقة في محيط مجلس الدولة

السيادة المصرية على تيران وصنافير مقطوع بها.

هكذا بدأ المستشار أحمد الشاذلي، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية العليا، منطوق الحكم التاريخي الذي صدر أول أمس برفض الطعن الذي قدمه ممثل هيئة قضايا الدولة/ محامي الحكومة وممثلها على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة السعودية والتي بموجبها تتنازل مصر عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير.

وهو الحكم الذي سيكون له أصداء وتبعات سياسية متعددة في مستقبل العلاقات المصرية السعودية المتوترة منذ صدور حكم محكمة القضاء الإداري؛ الحكم الذي صدر في أعقاب قضية انتحار المستشار وائل شلبي الأمين العام لمجلس الدولة، وسط شكوك عديدة في رواية الانتحار والحديث عن تورط جهات سيادية في اغتيال شلبي، فتح الباب مجددًا أمام العديد من التساؤلات عن العلاقة بين مجلس الدولة والنظام السياسي الحاكم في مصر، ومدى استقلالية محاكم مجلس الدولة.

يرصد هذا التقرير أبرز محطات الخلاف بين مجلس الدولة والنظام السياسي الحاكم، ولاسيما أن حكم اليوم لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقته العديد من الأحكام التي كبحت جماح الأنظمة السياسية المتعاقبة ورغبتها المتكررة في بسط سيطرتها وقبضتها على المجال العام.

مجلس الدولة في مصر

ينقسم النظام القضائي المدني المصري إلى 3 أقسام رئيسة هي:

المحكمة الدستورية العليا.

مجلس الدولة.

القضاء العادي.

ومجلس الدولة هو هيئة قضائية مستقلة نشأ في عام 1946، بتشريع من حكومة حسين صدقي على غرار مجلس الدولة الفرنسي، وتتلخص اختصاصاته في الحكم في القضايا التأديبية والمنازعات الإدارية بين الفرد والشخصية المعنوية، ويحتوي المجلس على قسمين: الأول هو قسم الفتوى التشريع ومنوط به تقديم المشورة لصانعي القوانين ومراجعة القوانين واللوائح التي تصدرها الحكومة.

والثاني هو القسم القضائي ويتألف هذا القسم من 5 هيئات قضائية يمكن ترتيبها بطريقة تنازلية كالتالي:

أولاً: المحكمة الإدارية العليا.

ثانيًا: محكمة القضاء الإداري.

ثالثًا: المحاكم الإدارية.

رابعًا: المحاكم التأديبية.

خامسًا: هيئة مفوضي الدولة .

وتختص محكمة القضاء الإداري بالنظر في الدعاوى التي تكون الدولة طرفًا فيها وتكون أحكامها من الدرجة الأولى، ويعني ذلك أنه يمكن الطعن على تلك الأحكام أمام الدرجة الأعلى منها وهي المحكمة الإدارية العليا والتي تكون أحكامها باتة ونهائية ولا يمكن الطعن عليها.

وهو الأمر الذي جعل محكمتي القضاء الإداري والإدارية العليا في صدام شبه متكرر مع السلطة التنفيذية التي دائمًا ما تأبى تنفيذ القرارات الصادرة منهما، نظرًا لارتفاع كلفة الخسائر السياسية والاقتصادية إذا ما تم الالتزام بتنفيذ تلك الأحكام، خاصة وأن عدد الدعاوى القضائية التي يقيمها المصريون كل عام ضد المسؤولين بالحكومة يتجاوز النصف مليون دعوة، فبلغ عدد الدعاوى في 2013- 2014 الـ 483197 دعوى، فيما بلغ عددها في 2014- 2015 الـ 595126 دعوى، بنسبة زيادة 19%.

أبرز محطات الخلاف بين مجلس الدولة والنظام السياسي في مصر

1.  الحقبة الملكية: الرأسمالية الوفدية في خطر

دخل مجلس الدولة في خصومة الحكومة الوفدية في الفترة ما بين 1950 و 1952 بعد إلغاء المجلس بعض قرارات بورصة القطن، والتي كان يسيطر عليها رأسماليون وفديون، فقامت وزارة النحاس بفصل عبد الرازق السنهوري رئيس المجلس من منصبه بدعوى أنه حزبي، لكن مستشاري مجلس الدولة وقفوا مع رئيسهم وتحدوا الوفد واستمر السنهوري في منصبه.

2.  الحقبة الناصرية: السلطة في مواجهة القضاء 

 ساند عبد الرازق السنهوري ثورة يوليو، وقام بتحصين العديد من قراراتها الإدارية، وهو الذي أمد مجلس قيادتها بفتوى الوصاية على العرش لإخراج الملك فاروق من مصر، إلا أنه في مارس 1954 حدثت واحدة من أبرز محطات الخلاف بين السلطة ومجلس الدولة في مصر.

وكان أبطال هذه القصة جمال عبد الناصر وعبد الرازق السنهوري رئيس مجلس الدولة، وذلك عندما استشعر عبد الناصر أن السنهوري سيقوم بمساندة محمد نجيب في الأزمة المشتعلة بينه وبين مجلس قيادة الثورة ولاسيما في ظل حديث السنهوري المتكرر عن عودة استقلالية القضاء وعودة الحياة السياسية، فقام عبد الناصر بتسيير مظاهرات عمالية لمجلس الدولة قامت بالاعتداء بالضرب على السنهوري وتم نقله للمستشفى على إثرها وقام بالاستقالة من منصبه، ثم بدأ عبد الناصر خطواته لاحتواء مجلس الدولة وتقليم أظافره.

فتم تطبيق قانون العزل السياسي على السنهوري ثم صدرت مذبحة القضاء الأولى في 1954، تم خلالها إصدار قانون لإعادة تشكيل مجلس الدولة، وأخرج منه 19 قاضيًا على غير رغبة عبد الناصر، ثم قام النظام بتحصين قراراته الديكتاتورية كاعتقال المواطنين وإغلاق الصحف وفصل الموظفين وفض الاجتماعات بتسمية قرارته في مواجهة الأفراد بالعمل السيادي، وذلك لمنع الطعن عليها أمام مجلس الدولة، ثم قام عبد الناصر بإنشاء المحكمة الإدارية العليا في 1955 وذلك للطعن على قرارات محكمة القضاء الإداري وقام بتعيين كل أعضاء تلك المحكمة.

وعلى أية حال لم تكن تلك المذبحة هي الوحيدة في العهد الناصري، فبعد 15 سنة وتحديدًا في عام 1969 حدثت مذبحة القضاء الشهيرة التي قام عبد الناصر فيها بفصل كل أعضاء نادى القضاة على خلفية اتهامات لعبد الناصر بمحاولة تشكيل تنظيم سري لإخضاع القضاة وتحويلهم لأعضاء بالاتحاد الاشتراكي، وهي الأزمة التي تأسست على إثرها المحكمة العليا التي تحولت للمحكمة الدستورية العليا في دستور 71.

3. حقبة السادات: قليل من السياسة يكفي

بدأ السادات حكمه وما زالت أصداء المذبحة التي قام بها عبدالناصر في أواخر عهده  تبدو كجرح غائر في علاقة النظام بالسلطة القضائية، فقام السادات بمحاولة تضميد ذلك الجرح فقام بإعادة القضاة الذين تعرضوا لهذه المذبحة إلى مناصبهم من جديد، وعلى نهجه المعتاد دومًا بدأ السادات خطواته تدريجيًا لاحتواء القضاء واختصاصات مجلس الدولة.

فقام في 1980 بإنشاء محاكم أمن الدولة العادية ومحكمة القيم الشهيرة لمحاكمة القيم من العيب، وهي المحكمة التي أخذت سلطة القضاء الإداري فيما يخص قرارات رئيس الجمهورية، وهي المحكمة التي قامت بتحصين العديد من قرارات السادات تحت نفس الدعوى التي أعلنها عبد الناصر من قبل «أعمال سيادية وليست أعمالاً إدارية».

وكان أبرز قرارات تلك المحكمة تأييد قرار السادات وصحة عزله للباشا شنودة الثالث من منصبه، وهو الأمر الذي أقرت به المحكمة الإدارية العليا في أبريل/نيسان 1983 برفض طعن البابا شنودة للعودة إلى منصبه وأن ذلك الأمر يعد من أعمال السيادة وهو من اختصاصات محكمة القيم وحدها.

4. حقبة مبارك: أزمة السنوات الأخيرة

شهدت السنوات الأخيرة لحكم مبارك صراعًا مستمرًا بين النظام وتيار استقلال القضاة، وكان لمحاكم مجلس الدولة نصيب من هذه الصراعات والخلافات، ولعل أبرزها هو حكم المحكمة الإدارية العليا في أكتوبر/تشرين الأول 2010 بتأييد حكم القضاء الإداري بإلغاء الحرس الجامعي التابع لوزارة الداخلية وإنشاء وحدات أمنية إدارية بديلة تتبع إدارة الجامعة، في حكم وصفه الكثيرون حينها بالتاريخي وأنه انتصار لحركة استقلال الجامعات. أحكام أخرى أصدرتها محاكم مجلس الدولة في نهايات عهد مبارك أثارت الكثير من الجدل وانتصرت فيها محاكم مجلس الدولة للعدالة وأحرجت فيها نظام مبارك، حتى وإن لم يلتزم هذا النظام بتطبيقها.

وعلى سبيل المثال؛ حكم إلزام الحكومة بوقف تصدير الغاز لإسرائيل في 2008، وحكم بطلان إحالة خيرت الشاطر وقيادات الإخوان للمحاكمة العسكرية في 2007، و بطلان عقد بيع أراضي مدينتي لهشام طلعت مصطفى، وحكم بإلغاء قرار مبارك والعادلي بمنع دخول قوافل الإغاثة لغزة في 2008، وحكم بإلزام الحكومة بتطبيق الحد الأدنى للأجور في 2009، وعشرات الأحكام التي واجهت قضايا الفساد وأبطلت خصخصة شركات ومصانع القطاع العام، وأخيرًا كانت مئات الأحكام التي أصدرها القضاء الإداري ببطلان نتائج أكثر من نصف الدوائر الانتخابية في الانتخابات البرلمانية المزورة في 2010، وهو الأمر الذي ساعد على تأجيج المشهد الاحتجاجي المعارض قبيل ثورة يناير

5. عهد المجلس العسكري وعهد مرسي: مجلس الدولة في مواجهة السلطة

خيب القضاء العادي آمال الكثير من المنتمين لثورة يناير بعد سلسلة من أحكام البراءات في قضايا قتل المتظاهرين والعنف السياسي بعد الثورة، لكن محاكم مجالس الدولة قد انتصرت للثورة ومطالبها في بعض الأحيان ووقفت في وجه السلطة وقراراتها.

وكان من أبرز الأحكام التي أصدرتها محاكم القضاء الإداري حل الحزب الوطني وحل المجالس المحلية المشكلة في عصر مبارك، وإلغاء منح الضبطية القضائية للشرطة العسكرية، وحكم بإلزام المجلس العسكري بعدم إجراء كشوف العذرية واعتبار هذا الفعل جريمة جنائية، وحكم بإلزام المجلس العسكري بتمكين المصريين بالخارج والمحبوسين احتياطيًا من التصويت في الانتخابات.

كما استمرت المحكمة في إصدارها للأحكام المتعلقة بقضايا الخصخصة، وأصدرت حكمها ببطلان عقد بيع شركة النصر لصناعة المراجل البخارية وأوعية الضغط وهى واحدة من أشهر قضايا الفساد في ملف بيع القطاع العام.

استمرت أحكام مجلس الدولة في مواجهة السلطة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وأصدرت حكمًا ببطلان دعوة مرسي لمجلس الشعب المنحل في أغسطس 2012، وحكمًا آخر ببطلان الدعوة لانتخابات مجلس الشعب لعدم عرض القانون الانتخابي على المحكمة الدستورية.

6. مجلس الدولة ونظام السيسي: أزمات متكررة

كان عام 2016 مليئًا بالعواصف والأزمات بين مجلس الدولة والسلطة التنفيذية والتشريعية بالدولة، في ظل تواطؤ الأخيرتين على إصدار سيل من القوانين والاتفاقيات والعقود دون استشارة أحد وفرضها بقوة الأمر الواقع تحت دعوى امتلاكهما للحق المطلق في رؤية المصلحة العامة، وهو الأمر الذي تمثل في المحاولات  المستمرة لتهميش دور المجلس والدفع بعدم اختصاصه في نظر الاتفاقيات، وتمرير العديد من القوانين دون عرضها على قسم الفتوى والتشريع بالمجلس.

ولعل أبرز مثال لتلك الأزمات هو الحكم الصادر أول أمس بمصرية تيران وصنافير، وهو الحكم الذي لم يكن فقط تأكيدًا لحكم محكمة القضاء الإداري في يونيو الماضي، بل كان انتصارًا ثالثًا للمحامي خالد علي ورفاقه في تلك القضية، فما بين هذا الحكم وحكم محكمة القضاء الإداري في يونيو/ حزيران الماضي 2016، قامت الدائرة السابعة المختصة بالطعون بالمحكمة الإدارية العليا في أغسطس/آب الماضي برد الدائرة الأولى بالمحكمة والتي كان من المفترض أن تنظر في حكم الطعن لاستشعارها بانحياز هيئة تلك الدائرة لموقف الحكومة.

وهو الأمر الذي ترتب عليه تشكيل هيئة جديدة لنظر الطعن برئاسة المستشار الشاذلي، التي أصدرت حكمها برفض الطعن. لم يكن الخلاف مع الحكومة فقط، بل دخل مجلس النواب في خلاف مع مجلس الدولة في سبتمبر الماضي بعد تصريح علي العال رئيس مجلس النواب الذي طالب فيه مجلس الدولة بعدم الاقتراب من حرف واحد في المشروع الذي تم الاتفاق عليه بين الحكومة والكنائس، وإرفاق ملاحظات طفيفة وليس تعديلات عليه.

وهو الأمر الذي رد عليه المجلس عبر المستشار أحمد أبو العزم رئيس قسم التشريع بمجلس الدولة الذي بعث برسالة إلى رئيس البرلمان علي عبد العال من خلال الوسطاء، حملت عتابًا شديد اللهجة، ووصف حديث عبد العال بـ«غير اللائق». أزمة أخرى بين البرلمان ومجلس الدولة قبيل نهاية العام أثناء مناقشة قانون اختيار رؤساء الهيئات القضائية، حيث حذر المستشار مجدي الجارحي، نائب رئيس مجلس الدولة، من تمرير هذا القانون، قائلاً إنه يخشى أن يتسبب هذا القانون في «تقويض سلطات الدولة».

شهد عام 2016 أيضًا العديد من الأحكام التي لم تكن على هوى السلطة مثل حكم إلغاء التحفظ على أموال أبو تريكة، وعدم قبول دعوى إسقاط الجنسية عن الرئيس الأسبق محمد مرسي، وبطلان قرار رئيس جامعة الأزهر بفصل ١٦ طالبة بجامعة الأزهر في مختلف الكليات.

نقلا عن اضاءات  

مقالات متعلقة