أثار اجتماع وزراء خارجية دول الجوار الليبي المنعقد بالقاهرة أمس الكثير من التساؤلات حول أهمية الاجتماع وإمكانية أن يقدم حلولا لوقف الصراع على الأراضي الليبية بين فرقاء المشهد الليبي، ومدى فاعلية الآليات التي طرحت خلال المؤتمر للخروج من الأزمة اليبية.
واستعرض الوزراء خلال الاجتماع آخر تطورات الوضع في ليبيا، مؤكدين أنه لا بديل عن التمسك باتفاق الصخيرات كإطار وحيد للخروج من الأزمة الراهنة التي تعاني منها البلاد، مطالبين بترسيخ مبدأ التوافق دون تهميش أو إقصاء، والالتزام بالحوار الشامل بين جميع الأطراف الليبية ونبذ العنف، والمحافظة على مدنية الدولة والمسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.
السفير هانى خلاف مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون العربية يرى أن المشكلة الحقيقية في ليبيا ليست بين الليبيين ولكن بين الأطراف الخارجية، والتي يعمل كلا منها من خلال طرف محلي، مشيرا إلى أن هناك مصالح متباينة بين بعض دول الجوار المباشرة وبين دول الجوار غير المباشرة وبين الأطراف الدولية الكبيرة وبين أطراف عربية بعيدة عن المكان.
وأضاف أن كل هذه المصالح يمكن أن تؤثر وتطيل أمد الأزمة الليبية، ورأى أن البيان الذي صدر اليوم عن اجتماعات دول الجوار الليبي والذي دعم كلا من مجلس النواب والمجلس الرئاسي جاء في محله، لافتا إلى أن مجلس النواب هو المعترف به ويحمل صفة الشرعية، وتواجده في طبرق أمر مؤقت لحين انتقاله إلى العاصمة طرابلس.
وقال سامح شكرى وزير الخارجية ، خلال مؤتمر صحفي عقب الاجتماعات أمس، إن هناك توافقا بين دول جوار ليبيا على أهمية الحوار السياسي لحل الأزمة وضرورة مقاومة الإرهاب وظاهرة الهجرة غير الشرعية.
وأضاف إن مصر ملتزمة بضمان سيادة ليبيا ودعم مؤسساتها الشرعية، مشددا على رفضها لكل صور التدخل الأجنبي في شؤون ليبيا وأن يكون الطريق الوحيد لحل الأزمة هو التوافق بين أبناء الشعب الليبي أنفسهم.
وتابع خلاف أن المجلس الرئاسي هو المؤسسة الشرعية الوارد شرعنتها خلال اتفاق الصخيرات والذي وافق عليه مجلس النواب عليها من حيث المبدأ، إلا أنه اختلف على أحد بنود هذا الاتفاق التي تتعلق بوضعية الجيش الليبي وصلاحيات الإشراف والتوجية بشأنه، إذ يرغب البرلمان بأن تؤول تلك الصلاحية إليه بينما الاتفاق يجعل هذه الصلاحية للمجلس الرئاسي ولحكومة الوفاق. وأوضح سفير مصر السابق في ليبيا، أن هناك تناقضات واضحة بشأن المشهد الليبي، خاصة فيما يتعلق بالإعلانات والبيانات التي تتوالي من الأطرف الذين يدعون بابقاء الأمر داخليا وإبقاء الخلافات "ليبية-ليبية" بينما الأطراف الخارجية لديها مؤشرات تقول إنها مُقدمة على تدخلات من نوع آخر.
ولفت إلى أن تصريحات المشير خليفة حفتر قبيل مغادرته القاهرة بأنه هناك استعداد لحوار "ليبي – ليبي" تحت رعاية مصرية، يعبر عن عرفان "حفتر" بالدور الذي قدمته مصر للجيش الوطني الليبي، إلا أنه يكشف في نفس الوقت عن عدم ثقته في أي مبعوث آخر أو أب وساطة أو رعاية دولية أو عربية.
تأثير فعال
ويرى عبد الباسط بن هامل، المحلل السياسي الليبي، أن اجتماع دول الجوار يأتي في إطار محاولة للم شمل الأطراف الليبية وتعزيز سبل الحوار بينهم، ودعم الشرعية التي انتخبها شعب ليبيا. ولفت هامل في تصريح لـ"مصر العربية"، إلى أن استجابة كافة الأطراف له تأثير فعال على إمكانية نجاح الحوار بين الأطراف الليبية ومن ثم تجنب أي حل عسكري.
وأشار إلى أن أفضل ما في المشهد الحالي هو أن محاولات لم شمل الفرقاء اليبيين تنطلق من حراك دبلوماسي عربي، وهو ما يلمس منه قبولا لدى كافة الأطراف الليبية لا سيما أن المقترحات التي يتم مناقشتها تحظى بالقبول لدى الأطراف العربية، ملمحا إلى أن القيادة المصرية استمعت لكافة الأطراف.
وانقسمت ليبيا إلى فصائل سياسية ومسلحة متنافسة بعد الانتفاضة التي أطاحت بمعمر القذافي عام 2011. ولا تزال منقسمة بشدة بين فصائل تتمركز في الشرق وأخرى في الغرب، ويدعم كل جانب حكومة وبرلمانا منافسين لحكومة وبرلمان الجانب الآخر.
وحول إمكانية نجاح المساعي العربية في إيجاد حل سياسي للأزمة ومدى قبولها لدى الأطراف الليبية، قال هامل إن أهم مؤشرات نجاح هذه المساعي أن ليبيا لا تزال تحتفظ بعلاقات جيدة مع كافة دول الجوار المجتمعة اليوم وهو ما يسهل عملية التواصل لإيجاد اتفاق.
ووفق رؤية المحلل السياسي فإن أهم ما تم مناقشته خلال اجتماع الامس التأكيد على وجود حكومة قوية، والنظر في المجلس الرئاسي، وإعادة تعديله، وإيجاد حكومة قوية أولوياتها إعادة الاقتصاد الليبي كما كان بجانب مكافحة الإرهاب والحفاظ على البناء العسكري في مناطق شرق ليبيا.
وكشف وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، النقاب عن وجود تنسيق قوي بين مصر وتونس بالتعاون مع الجزائر لإيجاد حل سياسي في ليبيا.
وأكد في تصريحات صحفيه على هامش اجتماع أمس على أن التنسيق المصري - التونسي بشأن الأوضاع في ليبيا، "قوى للغاية وثمة تبادل للأفكار والآراء"، مشيرًا إلى أن البلدين يحاولان دفع الفرقاء الليبيين نحو اتخاذ المسار السياسي، وإيجاد حل سياسى للأزمة.
وقال: "في تقديرنا فإنه ليس ثمة خيار آخر، سوى الحل التوافقى يجمع كل الأطراف الليبية مهما تختلف توجهاتها".
وفي سؤال له حول اتفاق الصخيرات، قال الجهيناوي: "لا علاقة لنا بهذا الأمر، الذي يخص بصورة أساسية الليبيين أنفسهم، فهم الذين يقررون ما الذي يمكن عمله بهذا الاتفاق.. دورنا هو تشجيع الأطراف الليبية على التوافق فيما بينهم، إذا ارتأوا أن ثمة ضرورة لتعديل هذا الاتفاق، فيمكنهم القيام بذلك وتلك ليست مسئولية تونس ولا مصر ولا أي طرف خارجي، وقناعتنا أن دول الجوار لها دور أكثر أهمية من أي أطراف أخرى".
وأضاف: " مصر وتونس والجزائر، هي التي تمتلك الفاعلية الأكبر في حل الأزمة الليبية، لكن بشكل عام يمكن لدول الجوار الأخرى أن تسهم بدورها"، على حد تعبيره.
بدوره قال الدكتور عبد المنعم المشاط أستاذ العلاقات الدولية، إن المحرك الأساسي للمساعي المصرية لحل الأزمة الليبية هو الحد من تمدد الجماعات الإرهابية والقضاء عليها.
وأضاف المشاط في تصريح لـ"مصر العربية"، أن ليبيا تربطها علاقات قوية وطيبة بدول الجوار كما أن هذه الدولة المجتمعة اليوم ترى أن استمرار الوضع على ماهو عليه سيؤدى حتما لتفاقم الأزمة وهو ما يمثل تهديدأ مباشرا لها.
وفي العاصمة الليبية طرابلس أكد المحلل السياسي صلاح البكوش في حديث مع "قدس برس"، "أن التنسيق بين الجزائر والقاهرة وتونس، يعتبر أمرا ضروريا في أي جهد لتحقيق الاستقرار في ليبيا".
وأضاف: "لا يمكن للجزائر للجزائر أن تبادر لإطلاق مبادرة سياسية في ليبيا دون التشاور مع القاهرة، التي تدعم قوات حفتر في شرق ليبيا".
ولفت المشاط إلى أنه ربما يكون هناك تباين جزئي بين رؤية بعض الدول المشاركة اليوم، فمصر تميل بشكل غير مباشر للواء حفتر بينما الجزائر اهتمامها الأول لأمنها الحدودي في غرب ليبيا بالاتفاق مع حكومة طرابلس وقوات "البنيان المرصوص" الموالية لها، إلا أن هذا التباين لا يمنع الوصول إلى صيغة بين هذه الدول للتوافق عليها القوى الليبية.
وحول إمكانية نجاح مساعي القاهرة ودول الجوار في حل الأزمة الليبية أكد الخبير في العلاقت الدولية أن القاهرة تملك من الأدواد ما يؤهلها للقيام بهذا الدور خيث أن الأخيرة لديها عدة أوراق فعالة يمكنها استخدامها أهمها، متانة العلاقات الليبية المصرية، وعضوية مصر بمجلس الأمن بالأضاف لاستضافة مصر مئات الآلاف من الليبيين الهاربين من جحيم الحرب.
ويسعى الفرقاء الليبيون إلى بدء جولة من المفاوضات من أجل تعديل "اتفاق الصخيرات"، الذي توصلت إليه قوى سياسية ليبية برعاية أممية نهاية العام قبل الماضي، بعدما فشلت حكومة الوفاق الوطني التي تمخضت عن ذلك الاتفاق في ترسيخ وضعها كحكومة شرعية.
واستضافت القاهرة الاجتماع الوزاري العاشر لوزراء خارجية دول جوار ليبيا برئاسة سامح شكري وزير خارجية مصر، ومشاركة وزراء الجزائر وتونس وليبيا والنيجر وأمين عام جامعة الدول العربية والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، والرئيس التنزاني السابق جاكايا كيكويتي ممثل الاتحاد الأفريقي.
وجاء في بيان في ختام الاجتماعات، نشر على صفحة وزارة الخارجية المصرية على فيس بوك، "جدد الوزراء عزمهم على مواصلة الجهود للإسهام في تشجيع العملية السياسية في ليبيا وإنجاحها وإيجاد الظروف الملائمة لإرساء الاستقرار واستعادة الأمن."
وأضاف البيان أن الوزراء جددوا رفضهم القاطع للحل العسكري للأزمة الليبية لما له من تداعيات سلبية على أمن واستقرار ليبيا بشكل خاص، ودول الجوار الليبي بشكل عام، وأكدوا على أن الحوار السياسي الشامل بين الأطراف الليبية هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة.
وغادر المشير حفتر القاهرة في ساعة مبكرة من صباح الجمعة، بعد زيارة استغرقت يوما واحدا، بحث خلالها دعم علاقات التعاون وآخر التطورات الليبية، رحب خلالها قائد الجيش الليبي بكافة الجهود والتحركات السياسية الصادقة واستعداده للمشاركة في أي لقاءات وطنية برعاية مصرية، يمكن أن تسهم في الوصول إلى حلول توافقية للخروج من الأزمة وتحفظ أرواح الليبيين للانطلاق نحو بناء الدولة التي يتطلع إليها كل الليبيين.
جدير بالذكر أن العاصمة المصرية استضافت خلال الأسابيع الأخيرة من العام الماضي العديد من اللقاءات لمختلف ألوان الطيف السياسي الليبي في إطار مساع، قادها رئيس الأركان في القوات المسلحة المصرية الفريق محمود حجازي، المسؤول عن الملف الليبي في الإدارة المصرية.
وشارك في بعض جلساتها وزير الخارجية المصري سامح شكري، والتي استكملت بلقاء عقد بين السراج وحجازي خلال الزيارة الأخيرة لرئيس حكومة الوفاق الليبية، بمشاركة أعضاء الوفد الليبي وأعضاء اللجنة المصرية المعنية بليبيا؛ حيث تم خلال اللقاء التطرق بشكل معمق وتفصيلي إلى الأوضاع الراهنة في ليبيا والجهود المبذولة من الجانبين للتوصل إلى حلول توافقية تستند أساسا إلى الإطار العام للاتفاق السياسي، وترتكز على القضايا الجوهرية للخروج من المختنقات الحالية في إطار سلسلة الاجتماعات المكثفة التي استضافتها مصر.
واتسمت المقاربة المصرية للملف الليبي خلال السنوات الماضية بالحذر، وظل التأييد المصري لقائد الجيش الليبي مبطنا بعبارات دبلوماسية، حتى إن زياراته السابقة للعاصمة المصرية بقيت طي الكتمان، لكن الشهرين الماضيين شهدا على ما يبدو تحولا في موقف القاهرة.
ومن جانب آخر، جدد البرلمان العربي دعمه للجهود والوساطات، التي تقوم بها مصر وتونس والجزائر من أجل الدفع قدما بمسار الحوار الليبي-الليبي لتسوية الأزمة الليبية بما يضمن الحفاظ على الدولة الليبية ووحدتها وسلامة أراضيها.
وفي سياق التحرك الدولي للتعامل مع الأزمة الليبية، كشف وصول حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف" إلى المياه الإقليمية الليبية منذ أيام عن بوادر دور روسي محتمل في الصراع الليبي، وربط محللون سياسيون بين وصول حاملة الطائرات الروسية وزيارة قائد الجيش الوطني الليبي المشير الركن خليفة حفتر إلى روسيا، وقرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتخفيف الوجود العسكري الروسي في سوريا.
يأتي كل ذلك في الوقت، الذي أعلنت فيه الحكومة الليبية المؤقتة في البيضاء عن نزول وحدات من القوات الإيطالية في طرابلس، ورأت أن ذلك يشكل احتلالا صريحاً وتدخلا سافرا في الشأن الليبي الداخلي، ويسعي لاستنساخ التجربة العراقية على الأراضي الليبية.
هذا، وأفادت الحكومة كذلك بوجود نحو ألف من الجنود الأمريكيين في إحدى ضواحي طرابلس.