"قررت اليوم بما يمليه علي ضميري، أن أترك قيادة هذه الأمة العظيمة، مع امتناني الفائق لجميع الجامبيين" بهذه الكلمات التي أعلنها الرئيس الجامبي المنتهية ولايته يحيى جامع عبر التلفزيون الرسمي أسدل الستار على إحدى أغرب الأزمات في القارة الإفريقية.
رغم صغر حجم جامبيا التي لا يصل عدد سكانها المليوني نسمة إلا أنها حظيت باهتمام كبير خاصة حينما أعلنت بعض الدول الإفريقية عزمها إرسال قوات لجامبيا لإجبار جامع على تسليم السلطة بعد الانتخابات الأخيرة التي أسفرت عن فوز منافسه أداما بارو منذ شهرين، حيث كانت البلاد عرضة لحرب أهلية طاحنة.
الرئيس الذي اعتلى سدة الحكم على إثر انقلاب عسكري منذ عام 1994 وصرح بأنه "سيحكم جامبيا مليار عام" رفض الاعتراف بنجاح خصمه في الانتخابات وآثر التشبث في السلطة بالقوة وأعلن حالة الطوارئ ولجأ لأعوانه في البرلمان لتمديد عمله لثلاث شهور إضافية.
3 شهور
وبالفعل أقر البرلمان الجامبي مشروع قانون يسمح ليحيى جامع، بالاستمرار في منصبه لثلاثة أشهر، وتحجج جامع بتزوير الانتخابات معلنا أنه لن يترك منصبه قبل أن تنظر محكمة طعنا تقدم به على نتيجة الانتخابات.
"رئاستي وحكمي في يد الله وإن الله وحده هو الذي يمكنه أن ينزعهما مني" تصريح سابق ليحيى جامع ولكن جدية الدول الإفريقية في التدخل عسكريا في جامبيا غيرت الأمور سريعا.
تدخل القوات الإفريقية
و أعلن المتحدث باسم الجيش السنغالي يوم الخميس الماضي أن قوات بلاده دخلت إلى جامبيا للإطاحة بالرئيس المنتهية ولايته، وهي الدولة التي أقسم فيها الرئيس الفائز أداما بورو البالغ من العمر 51 عاما اليمين الدستوري في سفارة بلاده بالسنغال.
وأعلنت دول غرب إفريقيا ونيجيريا وغانا، استعدادها لدخول غامبيا، إذا لم رضخ الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامع، لنتائج الانتخابات.
فقدان الشرعية
يأتي هذا بعد أن أعلن مجلس الاتحاد الإفريقي عدم اعتبار المتشبث بالسلطة يحيى جامع، رئيساً شرعياً لجمهورية جامبيا.
ومع دخول القوات الإفريقية لجامبيا أعلن يحيى الجامع تنازله عن السلطة وقبوله بنتائج الانتخابات الرئاسية بعد محادثات في اللحظة الاخيرة أجراها معه وسطاء.
تخلي الأصدقاء
عادل عامر الخبير السياسي قال إن يحيى جامع اضطر لتسليم السلطة بعدما تخلى عنه أصدقاؤه الذين كانوا يدعموه خاصة فرنسا وأمريكا الذين أعلنوا له أنهم لن يساندوه ضد المعارضة.
وأوضح في حديثه لـ"مصر العربية" أن باريس وواشنطن طالبتاه أخيرا بالتخلي عن السلطة، فوجد نفسه وحيدا في مواجهة المعارضة الشعبية الشديدة فتخوف أن يحدث له ماحدث في دول أخرى نال زعمائها عقابا شديدا مقابل تشبثهم بالسلطة.
تدخل القوات الإفريقية بضوء أخضر من منظمة المنظمة الدولية للفرنكوفونية التي تقودها فرنسا – كما يضيف عامر- كانت عامل ضغط آخر كبير على يحيى جامع.
غالبية القوات لا تؤيده
وعلل حديثه بأن وقوع أي اشتباكات لن تكون في صفه لأن أغلب القوات الحكومية لم تكن موالية له وتؤيد المعارضة، فتمسكه بالسلطة في هذه الحالة يعني اشتباكات ومجازر قد تطول رأسه شخصيا.
اللواء أركان حرب طلعت مسلم الخبير العسكري رأى أن يحيى الجامع لم يكن لديه خيار آخر بعد تدخل القوات الإفريقية.
تجنب مواجهة القوات الإفريقية
وأوضح في تصريحاته لـ"مصر العربية" أن الدول الإفريقية تدعم السلطة الجديدة وبهذا الشكل كان أمامه خيار من اثنين ترك مكانه، أو مهاجمة القوات الموالية للرئيس المنتخب والقوات الإفريقية التي تدعمه وهنا احتمال خسارته الأكبر فالأفضل أن يرحل.
"يحيى جامع يعلم أن الاشتباكات كانت ستخلف دماء كثيرة ستكون مسؤوليتها جميعا على عاتقه فكان الأسلم أن يغادر السلطة ويدعم القوة الجديدة" هكذا أضاف طلعت مسلم.
وكان يحيى جامع كان قد أعلن في 21 ديسمبر بعد تزايدت الضغوط عليه ضده "لست جبانا حقي لا يمكن أن يخضع للترهيب والانتهاك.هذا موقفي لا أحد يستطيع أن يحرمني من ذلك النصر سوى الله عز وجل."
ولكن في النهاية غادر الرئيس السابق لجامبيا يحيى جامع العاصمة بانجول مساء السبت جوا على متن طائرة خاصة من طراز فالكون 900 دي اكس رفقة الرئيس الغيني ألفا كوندي، متجهين إلى كوناكري حيث منفاه بعد تخليه عن السلطة.