بعد رفع العقوبات.. هل تحول دعم واشنطن من المعارضة إلى حكومة الخرطوم؟

الرئيس السودني عمر البشير

بعد "ارتباك" استمر لأكثر من أسبوع، أبدى تحالف المعارضة تحفظه على رفع واشنطن لعقوباتها الاقتصادية عن الخرطوم، الأمر الذي يطرح تساؤلا حول مستقبل الدعم الأمريكي الذي طالما اتكأ عليه في مناهضته للحكومة السودانية.  

منذ وصول الرئيس عمر البشير إلى السلطة في 1989 كانت فصائل المعارضة بشقيها المدني والمسلح تستثمر بشكل ما في قطيعته مع الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن.  

لكن المعادلة السياسية في هذا البلد الذي أعيته الاضطرابات تغيرت كليا بإعلان الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ 20 عاما.  

ولم يقف هذا التحول الأمريكي لصالح حكومة البشير عند رفع العقوبات بل تعداه إلى انتقاد علني ونادر من المبعوث الأمريكي إلى السودان دونالد بوث بحق المعارضة.  

وخلال حديثه في مؤتمر صحفي بواشنطن الخميس الماضي، قال بوث الذي تقلد منصبه في 2013 إن "بعض زعماء المعارضة خاصة المسلحة تضع مطامحها السياسية فوق مصلحة الشعب".  

وكان الرجل يتحدث بالأساس عن وساطته بجانب فريق مفوض من الاتحاد الإفريقي لإنهاء الحرب الأهلية في إقليم دارفور غربي البلاد بجانب ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق المتاخمتين لجنوب السودان.  

وانتقد بوث رفض الحركة الشعبية قطاع الشمال التي تحارب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق لمقترح أمريكي ينهي الخلاف حول إيصال المساعدات الإنسانية ويمهد إلى وقف العدائيات.  

وكانت الحكومة قد قبلت من جانبها هذا المقترح الذي يسمح لها بتفتيش شحنات الإغاثة قبل إرسالها بواسطة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى مناطق سيطرة الحركة.  

وبالمقابل تشترط الحركة إرسال  20 % من شحنات الإغاثة عبر مسار خارجي دون رقابة من السلطات بحجة "منع سيطرة الحكومة على توزيع المساعدات".  

ومثلت موافقة الخرطوم على المقترح الأمريكي بجانب "التعهد" بوقف القتال اثنين من خمس مسارات تم التفاوض عليها مع واشنطن ومهدت لرفع العقوبات الاقتصادية.  

وغداة قرار أوباما، مدد مجلس الوزراء السوداني في جلسة استثنائية ترأسها الرئيس البشير وقف إطلاق النار في مناطق النزاعات لمدة 6 أشهر.  

ووفقا لما أعلنه البيت الأبيض، فإن الأمر التنفيذي الصادر من أوباما سيدخل حيز التنفيذ في يوليو المقبل لكن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك) أصدر رخصة عامة تتيح استئناف المعاملات المالية والتجارية ابتداء من الثلاثاء الماضي.  

وبرر البيت الأبيض مهلة الستة أشهر بـ"تشجيع حكومة السودان على الحفاظ على جهودها المبذولة بشأن حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب".  

والجمعة الماضي، أعلنت مجموعة "نداء السودان" وهو تحالف المعارضة الرئيس بعد اجتماع لزعمائه في باريس عن "تحفظها" على رفع العقوبات لكنها تحاشت التعليق على انتقادات المبعوث الأمريكي.  

ورأى التحالف أن القرار الأمريكي "لن يؤدي إلى رفع المعاناة عن المواطنين ما لم يتم ربطه بحل أزمة الحكم والحريات والسلام العادل".  

وطالب الإدارة الجديدة بأن تضع هذه العناصر كمعيار عند "مراقبتها" لسلوك الحكومة خلال مهلة الـ 6 أشهر التي حددتها إدارة أوباما قبل دخول القرار حيز التنفيذ.  

وبالنسبة إلى الكاتب والمحلل السياسي أنور سليمان، فإن "ارتباك المعارضة بعد رفع العقوبات مرده أنها كانت تعول على الخارج أكثر من تعويلها على الداخل".  

ويضيف سليمان في إفادته أن "رفع العقوبات هو امتداد لسياسة أوباما بتسوية ملفات خارجية ظلت عالقة مثلما فعل مع إيران وكوبا وهو أمر يتطلب بناء تحالفات جديدة على حساب أخرى كانت قائمة".  

ومن هذه الزاوية أيضا يشير المحلل السياسي ومدير مركز "طيبة برس" محمد لطيف إلى "قناعة باتت تتشكل عند واشنطن وهي إن الخرطوم ليست مخطئة دائما" .  

ومع ذلك يرى لطيف في تعليقه أن هذا التحول الأمريكي "لا يعني انقلابا ضد المعارضة" .  

 ويعتقد الرجل إن موقف واشنطن الجديد "يقضي على الحل العسكري لصالح الحل السلمي خصوصا أن بعض الحركات فقدت كثيرا من قوتها على الأرض وتبحث الآن عن تسوية".  

ولتعضيد رؤيته، يستدل مدير مركز "طيبة برس" بتقرير للأمم المتحدة نشرته قبل أيام ويفيد بـ"انسحاب" اثنين من ثلاث حركات تحارب في دارفور إلى ليبيا وجنوب السودان حيث تعملان هناك كـ"مرتزقة".  

وجاء في التقرير الذي نشرته لجنة أممية معنية بمتابعة الأوضاع في دارفور إن حركتي العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم وتحرير السودان بزعامة أركو مناوي "لم يعد لهما أي وجود يذكر في دارفور بسبب استراتيجية مكافحة التمرد الحكومية الفعالة".  

ولم تعلق الحركتين حتى الآن على التقرير الأممي لكنهما درجتا على نفي اتهامات حكومية بقتال حركة إبراهيم إلى جانب رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت ضد خصمه رياك مشار وقتال حركة مناوي إلى جانب القوات الموالية لقائد الجيش الليبي خليفة حفتر.  

وطبقا للجنة الأممة فإن الحكومة تتمتع بعد انسحاب الحركتين بـ"بهامش أكبر من المناورة لإملاء شروط اتفاق حول دارفور".  

وبهذه المعطيات يرى لطيف إن "عملية السلام غير مرهونة بالطرف الذي تدعمه واشنطن بل برغبتها الواضحة في استقرار السودان لأنه مهم لاستقرار المنطقة".  

بينما رجح سليمان أن "تضغط واشنطن على الطرفين لتقديم تنازلات تفضي إلى تسوية".

مقالات متعلقة