يخرج علينا بين الحين والآخر تسريبات لشخصيات عامة أو ذات مناصب سياسية على شاشات التلفزيون، كان اخر تلك التسريبات مكالمات صوتية للدكتور محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق .
وبجانب تسريبات البرادعي وعنان، التي أذاعها الإعلامي أحمد موسى على قناة "صدى البلد" ببرنامجه "على مسؤوليتي"، أذاع أيضا مكالمات صوتية بين البرادعي وشقيقة وأيضا بينه وبين الصحفي إبراهيم عيسى.
تسريبات البرادعي ليست الأولى التي تعرض على الفضائيات، بل سبق وأن أذاع الكاتب الصحفي عبد الرحيم علي من خلال برنامجه"الصندوق الأسود" المذاع على قناة القاهرة والناس بعض المكالمات المسجلة لعدة شخصيات عامة.
ورأى عبد الرحيم أن هذه التسريبات وثائق يجب كشفها للرأى العام، لاسيما أن هؤلاء الشخصيات العامة لها وزنها داخل الدولة ولها آراء بالمجتمع وتُشكل وعيا عاما داخله، وأنه أقسم قبل دخوله هذه المهنة بأن يكون وسيطا لدى المواطن فى إظهار الحقائق، موضحا أنه لم يخرج ويوجه اتهاما لأحد إلا بالدليل، جاء ذلك خلال حواره مع الكاتب الصحفى خالد صلاح، ببرنامج "آخر النهار" المذاع على فضائية النهار.
ولم يستمر "عبد الرحيم علي" في برنامجه فبمجرد إعلانه عن نشر فيديوهات تخص رجل الأعمال "نجيب ساويرس"، خرج إلى فاصل ولم يعد لتعلن قناة القاهرة والناس في بيان لها عن تعليق برنامجه، ليظهر من جديد على قناة العاصمة بنفس البرنامج منتهيا به الحال للظهور كضيف في برنامج "على هوى مصر" لخالد صلاح وإذاعة تسريبات من جديد.
غير مهني
من جهته قال الدكتور حسن عماد مكاوي، عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة إن التسريبات الإعلامية عمل غير مهني وغير أخلاقي بالمرة، وتعد تجاوز لكافة المعايير المهنية وانتهاك لخصوصية الأفراد فهناك بعض التسريبات عبارة عن مكالمات شخصية بين أفراد العائلة.
وأضاف مكاوي لـ"مصر العربية"، أن كافة مواثيق الشرف المهنية والإعلامية بالعالم كله تدين التسريبات ، لافتا إلى أنه إذا كان هناك خطأ أو تجاوز أو شيء يشكل جريمة فإن من ينشرها أو يذيعها يقدمها للمحاكمة أو النيابة العامة وهي تتخذ اللازم بدلا من تقديمها على شاشات التلفزيون كمادة إعلامية .
ورأى أنه بوجود المجلس الأعلى للإعلام من المفترض انتهاء هذه التسريبات الإعلامية، والذي يفرض عقوبات على القناة التي أذاعت هذه التسريبات قد تصل للغلق، بجانب نقابة الإعلاميين التي من المفترض أن توقع الجزاءات على مقدمي البرامج وفقا للائحتها التنفيذية حتى لو وصلت إلى الشطب.
وتابع حديثه: "إذا استمر الوضع كما هو عليه وجاءت الهيئات الإعلامية بتغيير الأشخاص فقط دون الأوضاع فإن الوضع سيبقى كما هو عليه".
موضوع جدلي
فيما قال حمدي الكنيسي نقيب الإعلاميين تحت التأسيس، إن التسريبات الإعلامية والممثل في حوارات مسجلة موضوع جدلي يجب ألا تستخدم إلا في حالة أشياء تمس الأمن القومي.
وأضاف الكنيسي في رد مقتضب لـ"مصر العربية"، أنه بمجرد إصدار النقابة للائحتها التنفيذية فإنها ستنظر للعقوبات التي تفرضها على الإعلاميين ومقدمي البرامج الذين أذاعوها، مشيرا إلى أن المجلس المؤقت أمامه أعمال كبيره جدا ومكثفةفبجانب إعداده للائحة التنفيذية يوجد ميثاق شرف إعلامي ولجان لقيد .
انتهاك للدستور
ورأى الدكتور أيمن منصور، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة أن الدستور هو الإطار العام الذي يعيش المجتمع فيه ونص صراحة على حماية حرية المواطنين، ومايحدث الآن هو انتهاك واضح وصريح للدستور والحريات.
وتوقع منصور خلال حديثه لـ"مصر العربية"، أن وجود الهيئات لن يمنع مثل هذه التسريبات خاصة وأن القنوات أصبحت تتنافس في ذلك، فضلا عن أن العقلية التي ستحكم هذه الهيئات لن تتغير مدللا على ذلك بالقانون المنظم لها .
وأشار إلى أن هناك إقرار ضمني للسكوت على هذا الوضع فيوجد نقابة الصحفيين لم يطبقوا جزاءات على من نشروا التسريبات خاصة وأن أغلبهم صحفيين في الأساس، ولا أتوقع من نقابة الإعلاميين القيام بهذا الدور فوجود النقابة لايعني منع الانتهاكات لأن النقابة في الأساس خدمات نقابية وليس تشريعية.
وأكد أن التسريبات الإعلامية ستكون من اختصاص المجلس الأعلى للإعلام الذي يتولى الإشراف على المؤسسات الإعلامية ومتابعة السياسة التحريرية لكل مؤسسة، بينما الهيئة الوطنية للإعلام دورها مقتصر على محاسبة ماسبيرو .
وتابع أستاذ الإعلام حديثه: "إذا كان هناك واقعة قانونية فأمرها موجوز للقضاء حتى لو كان هناك شخص مخطئ فلا يجوز التشهير به، خاصة وأن التسريبات مجهولة المصدر ولا أعتقد أن أي جهة ستعلن مسؤوليتها عنها".
اختبار صعب
وفي السياق ذاته رأى الإعلامي جمال الشاعر، أن التسريبات الإعلامية ستعكس صورة سلبية لمصر في الخارج ، وتجعل المواطن يفقد الثقة والإحساس بالأمان وأيضا للمستثمرين في الخارج حيث وارد اختراق المباحثات التي يقومون بها داخل مصر.
وأضاف الشاعر لـ"مصر العربية"، أن هذه التسريبات امتحان صعب أمام الهيئات الإعلامية وبالأخص المجلس الأعلى للإعلام لأنها ستبدأ بداية جديدة وفقا للدستور والتشريعات الإعلامية، مؤكدا أن المجلس الأعلى سيكون له سلطة خلال الفترة المقبلة وليس دوره كوزير للإعلام ، فالمجلس له سلطات تصل إلى سحب الترخيص من المؤسسة الإعلامية التي تتجاوز المهنة.
ورأى أن هذه التسريبات تستخدم كنوع من الإلهاء وشغل الناس بأي موضوع لتشتيت انتباهم عن قضية أخرى، ولكن من يقدم هذه التسريبات لايعلم بأنها تجني مكاسب للآخرين من خلال رجوعهم للحياة السياسية مرة أخرى أو تعاطف الناس معهم وتأييدهم .
ممارسات غير قانونية
وأعلنت لجنة حريات الصحفيين، رفضها التام لعودة الممارسات غير المهنية والقانونية من جانب عدد من المحسوبين عليها، الذين يصرون على ارتكاب جرائم انتهاك الحياة الخاصة بنشر تسجيلات شخصية لمواطنين.
ورأت اللجنة في بيان لها، أن نشر التسجيلات الخاصة واختراق حياة المواطنين الشخصية لا تقف عند كونها جريمة جنائية، ولكنها خرق لميثاق الشرف الصحفي يستوجب محاسبة مرتكبيها نقابيا.
وأكدت، رفضها لعودة جرائم انتهاك الحياة الخاصة للمواطنين، محذرة من التكريس لهذه الجرائم الذي سيدفع ثمنه الجميع، كما تشدد على مخالفة ما يجري لكل المواثيق التي استقرت عليها الجماعة الصحفية والإعلامية، وآخرها ميثاق الشرف الإعلامي، الذي شاركت في وضعه عدد من القنوات التي تمارس هذه الجريمة عبرها بشكل منتظم .
وأشارت إلى أن التسابق خلال الفترة الأخيرة لنشر تسجيلات شخصية لمواطنين هو تعبير عن انهيار مهني وأخلاقي، وهو ما يستدعي وقفة جادة لمحاسبة مرتكبيها ومن يقف وراءهم ومن يمدهم بمثل هذه التسجيلات في مخالفة لكل القوانين المعمول بها وانتهاك صارخ للدستور الذي نص على حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وحمايتها.
وتابعت اللجنة في بيانها: "الصمت على مثل هذه الجرائم يعد بمثابة مشاركة صريحة فيها، فضلا عن كونه مخالفة واضحة لكل دعاوى المسئولين الذين يخرجون صباح مساء للحديث عن ضبط المجال الإعلامي بينما تفتح الاجهزة التي يشرفون عليها وتابعيهم الباب لمثل هذه التصرفات دون رادع أو عقاب".
وصدق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، رقم 92 لسنة 2016 بعد إقراره من مجلس النواب.
ويتضمن القانون 89 مادة تتعلق بتشكيل ومهام واختصاصات كل من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام.
ويختص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام- بحسب القانون- تنظيم شؤون الإعلام المسموع والمرئي والرقمي والصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، ويهدف إلى ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام في إطار من المنافسة الحرة.
وبحسب مواد القانون فإن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام يتولى وضع وتطبيق القواعد والمعايير المهنية الضابطة للأداء الصحفي والإعلامي والإعلاني بالتنسيق مع النقابة المعنية.