"العالم أصبح قرية صغيرة".. لم تعد هذه الجملة مجرد كلمات تُستخدم مجازًا، ولكن هكذا صار الواقع فعليًا، فنجد أن قرارًا تم اتخاذه في الغرب تمتد تأثيراته إلى الشرق، وهو ما تعكسه المخاوف من قرار دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي الجديد، بالخروج من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ "TPP"، ومدى تأثيره على حركة العبور بقناة السويس.
ووقع الرئيس الأمريكي الجديد، الإثنين، مرسومًا ينص على انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، بسبب رغبته في فرض الضرائب والرسوم الجمركية على البضائع المستوردة، لحماية السوق الأمريكية من المنافسة غير المشروعة.
واتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، هي عبارة عن تحالف تجاري يشمل 12 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وهم :"الولايات المتحدة، أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، اليابان، ماليزيا، المكسيك، نيوزيلندا، والبيرو، سنغافورة وفيتنام."
وتهدف هذه الاتفاقية إلى زيادة تحرر اقتصادات منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وإلغاء 90% من التعريفة الجمركية بين البلدان الأعضاء، وتم العمل بها منذ يناير 2006، إلا أن ترامب طالب الشركات الأمريكيه والأجنبية التصنيع في الولايات المتحدة، وإلا سيفرض على منتجاتهم جمارك بنحو 35%، بعد الخروج منها.
وبالفعل قامت شركات السيارات بتعديل خططها للتصنيع بأمريكا بدل الخارج، بينما تبحث الشركات في الصناعات الأخرى الحلول، وبخروج ترامب من هذه الاتفاقية التي تقوم بتبادل 40% من حجم التجارة العالمية والتصنيع في داخل الولايات المتحدة، يثير مخاوف البعض من انخفاض حركة التجارة العالمي، و بالتالي التأثير على عبور السفن بقناة السويس.
ورصدت "مصر العربية" آراء الخبراء حول هذا القرار ومدى تأثيره على حجم التجارة العالمية والعبور بقناة السويس، خلال هذا التقرير:
الدكتور رائد سلامة، الخبير الاقتصادي، رأى أن إلغاء الاتفاق لن يضر بشكل حاد بحركة التجارة العالمية، ولكن ضرره سيكون ذا تأثير محدود عليها، لأن "ترامب" سبق وأن أعرب عن نيته هذه منذ عدة أشهر.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"مصر العربية"، أن الدول الأعضاء بهذه الاتفاقية من المؤكد أنها استعدت لهذا الأمر وقدرت حجم صادراتها بشكل دقيق ومنوع، وقامت بإعادة تسعير منتجاتها منذ ذلك الحين بشكل أعلي لأن الجمارك علي صادراتها لأمريكا ستزيد.
وتابع سلامة: "وبالتالي فإن سعر المنتج النهائي سيزيد على المستهلك الأمريكي و هو ما سيدعوه إلى مخرج من إثنين، الأول إما شراء المنتج المحلي البديل بأسعار أقل، أو الاستمرار في الشراء لهذه البضائع بأسعار عالية، ولما كان الطلب على هذه السلع هو طلب غير مرن بسبب عدم توافر البديل الأمريكي وحاجة المستهلك الأمريكي لها أي أن المستهلك الأمريكي سيقبل على شرائها أياً كان سعرها، فإن الخروج من الاتفاقية لن يؤثر جوهرياً علي حركة التجارة العالمية إلا في بعض الحالات المحدودة جدًا.
وتابع الخبير الاقتصادي، أنه بالنظر إلى الموقع الجغرافي للدول الأعضاء فيمكننا القول بأن إلغاء الاتفاقية، حتي وإن ترتب عليه خفض في حجم التجارة العالمي، وهو أمر مستبعد، لن يؤثر بشكل مباشر علي دخل قناة السويس حيث أن بضائع تلك الدول لم تكن تمر أبداً في أي يوم من الأيام من خلال قناة السويس بسبب قرب تلك الدول من أمريكا، حيث كان التبادل يحدث عبر المحيط الهادي أو حتي براً كالمكسيك علي سبيل المثال.
وأشار إلي أن إلغاء الاتفاقية سيمثل بالأساس أزمة سياسية لإدارة ترامب، بسبب ما يمكن أن ينال بعض الدول الأعضاء من خسائر، وينبغي عليه تعويضهم عنها باعتبارهم حلفاء سياسيون له.
وبدوره، قال الدكتور أحمد سلطان، خبير النقل الدولي ومستشار الوزارة السابق لقطاع النقل البحري، إن قناة السويس هي معبر للتجارة العالمي، وأي انخفاض في حجم التجارة العالمي يؤثر عليها سلبًا، والعكس صحيح.
وفي الوقت ذاته، أكد في تصريحات خاصة لـ "مصر العربية"، أن قرار ترامب بالخروج من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ آسيوية، لن يكون له تأثير علي العبور بالقناة، لأن البضائع ستنقل من خلالها، معتبرًا أنه قراره سياسي ولن يؤثر على حجم التجارة العالمي.
وجدير بالذكر، أن قناة السويس تعاني مشاكل كثيرة في الآونة الأخيرة دفعت الفريق مهاب مميش إلى محاولة تحصيل الإيرادات مقدما وعرض نسبة تخفيض على الرسوم للشركات العالمية، وذلك بسبب بطء التجارة العالمية، والركود بالاقتصاد العالمي.
وتراجع إجمالي إيرادات قناة السويس خلال عام 2016 لأدنى مستوى له مقارنة بالعشر سنوات الأخيرة، حيث جاءت جملة الإيرادات 4.1 مليار دولار، فيما كانت من عشر سنوات 4.61 مليار دولار.
وكانت بيانات ميزان المدفوعات التى أعلنها البنك المركزي في بداية يناير الجاري، أظهرت تراجع إيرادات قناة السويس خلال الربع الأول من العام المالي الجاري بنسبة 4.8%، وبدأ هذا التراجع منذ تدشين التفريعة الجديدة.