على مدى خمس سنوات مضت، كان أمل المصريين الدائم لهذا اليوم أن يمر بخير، ومن دون ضحايا منتظرين في مواجهات إما بين الأمن من جهة ومحتجين من جهة أخرى، أو بين متظاهرين مناصرين لخصوم سياسيين بعضهم البعض.
اليوم الدعوة الوحيدة أن يحقق المنتخب الوطني لكرة القدم في مباراته أمام منتخب غانا نتيجة تؤهله للصعود الى دور الثمانية في بطولة الأمم الأفريقية المُقامة في الغابون.
لم تعد ذكرى ثورة 25 يناير حدثاً جديراً باهتمام شعبي إلا لجهة «العطلة الرسمية» التي أقرتها الدولة، ولا مبعثاً لقلق حكومي إلا من هجوم أو تفجير محتمل يستدعي استنفاراً أمنياً بات معتاداً.
توارت «الائتلافات الشبابية» الداعية لـ «المليونيات الشعبية»، وغابت «التفاعلات الحزبية» مع الحوادث السياسية، واستقرت «الميادين الثورية» الخالية من قوات الشرطة، وبات 25 يناير فرصة للتسوق في موسم الخصومات الشتوية، أو التنزه انتهازاً للعروض المغرية للملاهي الشهيرة في هذا اليوم، وفي المساء الاصطفاف أمام شاشات المقاهي لمشاهدة مباراة منتخبي مصر وغانا.
الثورة التي حرك شرارتها احتجاجات على تجاوزات الشرطة تزامنت مع عيدها، توارت ذكراها أمام جحافل المهنئين القاصدين مقرات وزارة الداخلية للتهنئة بعيد الشرطة من مسؤولين وجنرالات وبرلمانيين وحتى أطفال المدارس، وبعد مرور ست سنوات أصبح رموزها «هدفاً مستباحاً» في مرمى نيران برامج «التوك شو» الليلية، التي يُذيع بعضها هذه الأيام «تسريبات» لمكالماتهم الهاتفية، يتبعها تحليلات لا تخلو من مطاعن في ذممهم وولائهم.
وبات انصراف المصريين عن السياسة جلياً بعد أن كادت تمزقهم تجاذباتها، وتحول شغف المصريين ناحية الاقتصاد «المتعثر» ووضعه «الحرج الحرج الحرج للغاية»، بتعبير رئيس البرلمان علي عبدالعال، وانعكاساته على مداخيلهم التي تضاءلت قوتها الشرائية إلى حد كبير بفعل غلاء الأسعار.
اللافت أن هذا الوضع الاقتصادي المتردي، الذي يعزوه المسؤولون دوماً لأخطاء الماضي، وتلك التسريبات التي تشوه كل من تصدروا صفوف الثورة، مردودهما الملموس هو «الحنين» إلى أيام خلت، حيث نظام سقط ورئيس تنحى، فيما بدأت محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة أمس نظر دعوى قضائية حركها أنصار له تختصم الرئيس الحالي وتُطالبه بإصدار قرار جمهوري بالعفو الشامل عنه «نتيجة لظروفه الصحية وتعبيراً عن الحب والإخلاص لبطل من أبطال حرب أكتوبر»، في إشارة إلى الرئيس السابق حسني مبارك.
لكن انشغال المصريين الملحوظ عن ذكرى الثورة، ونفورهم من التظاهرات التي باتت إرثاً من ماضٍ قريب، لم يُغيبا الاستنفار الأمني المعتاد في هذا اليوم، فأعلنت أجهزة الأمن تسليح بعض مكامنها بأسلحة متوسطة وثقيلة، خصوصاً المُكلفة تأمين المنشآت الحيوية، وانتشار خبراء المفرقعات في الميادين والمحاور الرئيسة، وحذر وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار من أن «أية محاولات لتعكير صفو أمن المواطنين، ستواجه بمنتهى الشدة والحزم»، لكن التحذير يبدو موجهاً بالأساس إلى أنصار جماعة «الإخوان المسلمين»، التي دعت لتظاهرات اليوم، على الأغلب لن تخرج، فالمصريون يترقبون المواجهة الكروية بين «الفراعنة» و «البلاك ستارز».