في الذكرى السادسة لثورة 25 يناير.. وتبخر الثوار في ميدان التحرير

قبل ست سنوات كان ميدان التحرير وسط العاصمة المصرية القاهرة يرتج بهتافات الثائرين، ضمن ثورة 25 يناير 2011، على نظام الرئيس آنذاك، محمد حسني مبارك، الذي تشبث بمقعد الرئاسة ثلاثين عاما.

 

جدران الميدان كانت زاخرة برسوم جرافيتي ترصد معالم وتاريخ احتجاجات هذه الثورة، وأخرى توثق عددا ممن اعتبرهم المحتجون "شهداء الثورة"، مقابل رسوم لمن وصفوهم بـ"أعداء الميدان".

 

ست سنوات من التقلبات السياسية والإجراءات الأمنية "حولت ميدان التحرير، أيقونة الثورة، إلى متنزه لبعض العائلات، وملتقى للعشاق، لاسيما الطلاب منهم؛ نظرا لهدوئه واتساعه (قرابة 45 ألف متر مربع)"، حسب ما قال محمد هاني، وهو شاب مصري، للأناضول.

 

بينما كان يجلس على مقربة من مجمع التحرير (مبنى حكومي)، أضاف هاني (17عاما): "خلال الثورة كان عمري حوالي 12 عاما.. لم أشارك في الثورة، واكتفيت بمتابعتها عبر شاشات التلفاز".

 

أسبوعيا اعتاد هاني ورفاقه الحضور إلى الميدان، ضمن جولة تشمل شارع كورنيش النيل القريب؛ لكونها، كما قال، "نزهة مجانية" تناسب أوضاعهم الاقتصادية كطلاب لا يملكون ما يكفي من المال لارتياد المقاهي وغيرها.

 

 

ورد فأعلام فكمامات

على الجانب الآخر من ميدان التحرير، وتحديدا أمام مبني جامعة الدول العربية، يقف ممدوح صالح (بائع متجول)، حيث يعرض زهورا طبيعية على رواد الميدان، ولاسيما العشاق القادمين من "قصر النيل"، وهو جسر يعود إنشاؤه إلى عام 1869 في عهد الخديو إسماعيل، وكان ممرا للمحتجين إلى الميدان، وشهد أحداثا بازرة خلال الثورة، التي أطاحت بمبارك، يوم 11 فبراير 2011.

 

ما إن اقترب شاب برفقة فتاة حتى هرول صالح إليهما عرضا الورد، ومخاطبا الشاب: "وردة للعروسة"، داعيا لهما الله بالزواج، ومواصلا إلحاحه حتى اضطر الشاب إلى صرفه بعد التضحية ببعض المال.

 

بائع الورود المتجول، الذي يحمل ذكريات عن الميدان ويطوع نفسه مع الأحداث السياسية في مصر، قال: "أبيع الزهور في هذا المكان من قبل اندلاع ثورة 25 يناير".

 

ومع اندلاع الثورة، تحول صالح إلى بيع أعلام مصر وشارات مكتوب عليها عبارات مؤيدة للثورة، ومع الاشتباكات بين الشرطة ومحتجين، تحول إلى بيع "الكمامات"، وهي أغطية تحمي أنوف المحتجين من غاز الشرطة المسيل للدموع.

 

وفق البائع المتجول فإن "قرب ميدان التحرير من شارع كورنيش النيل هو أحد أسباب زيارته حاليا، فهو لم يعد مزارا كما كان الحال بعد ثورة يناير، حين كانت الأسر تحتفي بموطن الثوار.. ثم جاءت 30 يونيو (حزيران 2013) لتعيد إلى المكان رونقه".

 

في ذلك التاريخ اندلعت احتجاجات شعبية طالبت بانتخابات رئاسية مبكرة، وانتهت بإطاحة الجيش، حين كان (الرئيس) عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، يوم 3 يوليو 2013.

 

وراصدا حال الميدان، تابع صالح: "بعد 30 ينونو، ومع التشديدات الأمنية، وإغلاق محطة مترو التحرير (أنور السادات) لأكثر من 22 شهرا، اختفى الميدان عن المشهد، ولم يعد يتردد عليه سوى طلاب متهربون من اليوم الدراسي وعشاق يبدأون جولة سير وحديث رومانسي على كورنيش النيل، ويختتمونها بدقائق استراحة في حديقة الميدان، فضلا عن زيارات أسرية يوم الجمعة من كل أسبوع وفي العطلات الرسمية".

 

وأغلقت السلطات المصرية محطة مترو السادات، المعروفة لدى الجمهور باسم محطة "التحرير"، 671 يوما متتاليا عقب فض قوات الأمن اعتصامي ميداني رابعة العدوية (شرقي القاهرة) ونهضة مصر (غرب)، المؤيدين لمرسي، في 14 أغسطس 2013؛ ما أوقع مئات القتلى.

 

وعادت المحطة إلى العمل منتصف يونيو/2015، لكن يتم إغلاقها من آن إلى آخر بسبب ما تقول السلطات إنها "دواع أمنية"، بينما يقول منتقدون إن الإغلاق يهدف إلى عدم تجمع محتجين في الميدان عبر محطة المترو، التي يمر فيها خطان رئيسيان للمترو، يربطان محافظات القاهرة الكبرى الثلاث (القاهرة والجيزة والقليوبية).

 

معالم الميدان

التغيرات التي طرأت على ميدان التحرير ليست فقط في زواره، إذ أدخلت محافظة القاهرة تعديلات على شكل الميدان، فأزالت معالم كانت موجودة إبان الثورة، ومنها "الصينية"، وهي منطقة مرتفعة دائرية وسط الميدان أقام فيها "الثوار" خيامهم خلال أيام اعتصامهم الـ18 حتى تنحي مبارك.

 

كما محت السلطات رسوم الجرافيتى من أسوار الجامعة الأمريكية، المطلة على الميدان، وهو ما برره مسؤول في المحافظة، في تصريحات لصحيفة محلية، بطلب من الجامعة.

كذلك وضعت المحافظة بوابات حديدية على ثلاثة مداخل للميدان، وهو ما تكلف، بحسب مسؤول حكومي، 1.5 مليون جنيه (79 ألف دولار أمريكي)، إضافة إلى إنشاء منصة وسارية لعلم مصر بارتفاع 45 مترا، فضلا عن مكان عمومي لتجمع السيارات.

 

 

دبابات ومجنزرات

عن رمزية ميدان التحرير، قال طارق حسين، عضو حزب الدستور: "منه أطيح بمبارك ونظامه، ومنه انطلقت صيحة الرفض للأنظمة التى جاءت بعده.. التحرير يحمل ذكريات لا يمكن محوها، كدماء الثوار وأماكن إصاباتهم".

 

والميدان، وفق حديث حسين، "لا يمثل قدسية لدى الثوار فقط، فالأنظمة السياسية في مصر تخشاه، فالجميع يخاف منه، ومع كل حدث، ولو بسيط، يغلقونه بالدبابات والمجنزرات العسكرية".

 

وعادة ما تلجأ السلطات إلى إغلاق الميدان مع أي دعوات إلى الاحتجاج أو خلال ذكرى مناسبات احتجاجية، ويشهد الميدان حاليا إجراءات أمنية مشددة للغاية، تحسبا لاحتمال تجمع محتجين معارضين للنظام الحاكم.

 

ومنددا، قال حسين إن "السلطة سعت، ومنذ وقت مبكر بعد انحسار الموجة الثورية، إلى طمس ملامح الثورة من التحرير.. كنت أطمح مع رفاقي إلى تحويل الميدان إلى متحف مفتوح أمام المصريين والأجانب، للتعريف بالثورة التي اعترف بها العالم كله، بينما النظام في مصر يعاديها".

 

كما استنكر هدم مقر الحزب الوطني الوطني (الحاكم إبان عهد مبارك)، القريب من الميدان، معتبرا أنه "كان يجب أن يظل شاهدا على ما أنجزه المصريون خلال 18 يوما التي اندلعت فيها ثورة يناير".

 

وهدمت السلطات المصرية، في يوليو 2015، مبنى الحزب، الذي أشعل فيه الثوار النيران خلال أيام الثورة، لتؤول أرضه إلى المتحف المصري المجاور للميدان.

 

ومنتقدا حال الميدان، ختم حسين بقوله: "لا يزعجني أن يلتقي العشاق في الميدان، فهم يقصدونه دائما، لكن كنت أطمح أن تكون حكايات الثورة حاضرة في جلساتهم بالميدان بدلا من طمسها لقتل روح الثورة".

 

محظور على أبناء يناير

العديد من نشطاء ثورة يناير يقولون إنهم يحملون ذكريات لا تنسى عن ميدان التحرير، الذي حصل على اسمه الحالي عقب ثورة 1919 على الاحتلال الإنجليزي لمصر، فقبلها كان يسمي بميدان الإسماعيلية، نسبة إلى الخديوي إسماعيل، وهو خامس حكام مصر من الأسرة العلوية وحكم بين عامي 1863 و1879.

 

ممدوح جمال، عضو حركة شباب 6 إبريل (حركة شبابية معارضة)، قال إن "ميدان التحرير شهد ميلاد أجيال نشأت على حلم التغيير والحرية".

 

جمال تابع، أن "الميدان عاد إلى ما كان عليه قبل الثورة، كملتقى للأسر المنتمية للطبقات الفقيرة، والتي لا تستطيع قضاء أوقات فراغها وإجازاتها في متنزهات غالية الثمن.. لكن أول فكرة ترادوني عندما أمر من الميدان هو الحال الذي وصلت إليه الثورة حتى أن الميدان صار محظورا على أبناء يناير".

 

ومنذ الإطاحة بمرسي، لا تسمح الحكومة المصرية بتنظيم أي تظاهرات معارضة في ميدان التحرير، الذي كثيرا ما ضج بهتافات المحتجين: "الشعب يريد إسقاط النظام".

مقالات متعلقة