لا شك في أن الصين تحمل كثيراً من علامات القيادة الدولية، فهي أكبر قوة تجارية، وجيشها هو الأكبر، وتبادر الى ما يبادر اليه القادة الدوليون. فهي اقترحت مؤسسات دولية جديدة مثل «بنك الاستثمار في البنى التحتية الآسيوي»، والمشروع الضخم المعروف بـ «حزام واحد، طريق واحدة».
والجيش الصيني ينتشر دولياً، فهو أنشأ أول قاعدة لوجيستية له في جيبوتي، ويرجح أن تكر سبحة مثل هذه القواعد الصينية. ويدور كلام في أوساط السياسة الخارجية الصينية على الحاجة الى تحالفات رسمية، وتعزيز مكانة الصين قوةً دولية معولمة وليس قوة اقليمية فحسب. واستضافت الصين تجمعات دولية مثل اجتماع دول مجموعة العشرين والألعاب الأولمبية.
ولكن مقتضيات الريادة في عصر العولمة أكبر، بدءاً بالقدرة على جمع الدول لمعالجة المسائل الدولية الملحة. والصين كانت شريكة الولايات المتحدة في جبه تحديات مثل التغير المناخي وفيروس إيبولا وبرنامج كوريا الشمالية النووي. ولكن الولايات المتحدة وغيرها من الدول اضطرت الى حضّ بكين ودفعها، وفي بعض الأحيان تخجيلها، من أجل المشاركة. ففي وقت أول، كانت المساهمة الصينية المقدمة للعاملين في المجال الصحي في مكافحة فيروس ايبولا أدنى من مساهمة كوبا، وفي نهاية المطاف لم تتجاوز مساهمتها 3 في المئة من المساهمة الأميركية.
وفي ملف كوريا الشمالية النووي، على رغم قبول بكين تدريجاً عقوبات دولية على بيونغ يونغ، كان فرضها التزام العقوبات على شركاتها ضعيفاً ويرثى له. وعملت بكين مع واشنطن على تحفيز المفاوضات الدولية لمعالجة قضايا التغير المناخي، واستثمرت في الطاقة النظيفة. ولكنها تسعى الى تصدير أكثر الصناعات تلويثاً، ومنها مصانع فحم حجري، الى أصقاع المعمورة عبر مشروع طريق الحرير البري والبحري، ولا شك في أن الريادة الدولية لا تقتضي ترجيح أمة من الأمم مصالحها فحسب.
وثمة مسائل دولية لم تتناولها الصين، ومنها أكبر مأساة تهز العالم اليوم: أزمة المهاجرين الهاربين من مناطق دمرتها الحرب في الشرق الأوسط وغيره. واستقبلت الولايات المتحدة 10 آلاف لاجئ من المنطقة هذه، على رغم أنها غير متاخمة لها. وأعلن الرئيس الصيني في مؤتمر دافوس أن موجة اللاجئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أليمة وتفطر القلوب، غير أنه لم يبدِ أي بادرة تُبرز الريادة الصينية في حل المسألة. وقد تفتح الصين محفظة نقودها (تمويل مساعدة اللاجئين)، ولكنها لن تفتح أبوابها أمامهم.
وفي عهد شي جينبينغ، ليست الصين نموذج العولمة. فهي سنت قوانين تقيد المنظمات غير الحكومية والإعلام وأثر وسائل الترفيه الخارجية على المجتمع الصيني. وتنسب وسائل الإعلام الصينية أي اضطرابات شعبية- سواء كانت احتجاجات عمالية أم بيئية- الى «القوى الخارجية المعادية».
وتقيد بكين أركان العولمة، أي التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية، على رغم قول شي في دافوس أن وقف سيل رأس المال والتكنولوجيا والسلع والصناعات وحركة الناس، متعذر. وبلاده بادرت الى خلاف ما يقول: تقييد دفق رؤوس الأموال بقيود صارمة، و(تقييد) فرص التكنولوجيات الجديدة والحؤول دون هيمنتها على السوق الصينية وإلزام الشركات الأجنبية نقل التكنولوجيا الى الشركات الصينية.
وتتوسل الصين بالتجارة والاستثمار الى الاقتصاص من بلدان صغيرة مثل الفيليبين والنروج جزاء ما ترى انه تجاوزات سياسية. وتفرض بكين قيوداً على حركة رؤوس الأموال الصينية. ولم يتناول الرئيس الصيني في دافوس رفع القيود عن سيل المعلومات – وهو ركن من أركان العولمة. فهو يسوّق رؤية الصين في الخارج، ولكنه لا يسمح بأن تؤثر أفكار أجنبية في المجتمع الصيني.
وفي وقت تبدو الولايات المتحدة في حيرة من أمرها لتوجيه دفة العالم، وفي غياب من يبدي استعداده لاستلام القيادة، العالم يائس ويبحث عن بديل، ولو كان موقتاً. وثمة من يرى أن الصين مؤهلة للدور هذا، ومؤهلها اليتيم هو الرغبة في الريادة. والعولمة على طراز النموذج الصيني ليست عولمة.
وذلك نقلًا عن جريدة الحياة اللندنية..