نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلال صفقة توافقية بين الحزب الحاكم وحزب الحركة القومية في كسب الأكثرية المطلوبة لتمرير مشروع قانون لتعديل الدستور إلى ضفة الاستفتاء الشعبي، ما يثير تساؤلاً هل يحدث ثورة تشريعية بتركيا أم هى تكريس وهيمينة لحزب العدالة والتنمية؟
ووافق على مسودة مشروع قانون لتعديل الدستور 339 عضوا في البرلمان التركي من مجموع 550 عضوا تمهيدا لإقرار نظام رئاسي في الحكم يمنح الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات رئاسية واسعة.
وأصبح أردوغان رئيسا لتركيا في عام 2014 وهو منصب شرفي بشكل كبير بعد عقد تولى خلاله منصب رئيس الوزراء.
ومن المحتمل أن تعرض الإصلاحات الدستورية على الاستفتاء لإقرارها بشكل نهاني في شهر أبريل المقبل، وفي حال وافق عليها أكثر من 50% من الناخبين، ستصبح نافذة.
ملامح التعديلات
وبموجب التعديل الدستوري يمكن لأردوغان أن يبقى في منصب الرئاسة حتى عام 2029 على الأقل، كما يمكنه تعيين الوزراء وإقالتهم وكذلك تعيين نائب أو اكثر له.
ومن المقرر تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة يوم 3 نوفمبر في عام 2019.
ومن شأن القانون الجديد أن يتيح لأردوغان الحفاظ على علاقته بحزب العدالة والتنمية الحاكم الذي أسسه برفقة آخرين وتولي زعامته وتوسيعها.
كما يحق للرئيس أن يتدخل في القضاء الذي اتهمه من قبل بالخضوع لنفوذ رجل الدين فتح الله غولن الذي حُمِّل مسؤولية محاولة الانقلاب العسكري الذي شهدته تركيا في شهر يوليو عام 2016 لكنه نفى التورط في الانقلاب.
وفُرِضت حالة الطوارئ في تركيا منذ الانقلاب الفاشل في يوليو الماضي وقد مددت بعد سلسلة من الهجمات التي تعرض لها البلد بما في ذلك إطلاق النار على نادي ليلي في إسطنبول عشية أعياد الميلاد.
معركة وجود
بدوره قال الدكتور سيد حسين الخبير في الشؤون الدولية، إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خاض معركة وجود بعد محاولة الانقلاب الفاشلة من قبل عناصر متمردة في الجيش، اتخذ على إثرها عدة خطوات اعتبرها خطوات مصيرية وهامة لبقائه في السلطة، وتأميم كل مفاصل الدولة وإبعاد العناصر المشكوك فيها عن أي منصب حساس، لضمان استقرار النظام.
وأضاف حسين لـ"مصر العربية" رغم أن معظم الإجراءات التي اتخذها الرئيس التركي، إجراءات قمعية شملت اعتقال المعارضين أو المشتبه بهم، أو إبعاد البعض عن وظائفهم، ومصادرة الصحف والترصد لوسائل التعبير عن الرأي بدءا من مواقع التواصل وانتهاء بالصحف والقنوات الفضائية، فضلا عن محاولته لتعديل الدستور والتي ستمر إما بالتزوير أو الترهيب، إلا أن المجتمع الدولي صمت إزاء تلك التحركات المريبة للنظام التركي، بحد تعبيره.
وأوضح أن الصمت الدولي عن أردوغان له دوافعه، من بينها فترة المخاض التي تمر بها السياسة الأمريكية بعد تولي الرئيس الجمهوري الجديد، إلى جانب التحالف القوي بين تركيا وروسيا وإسرائيل والتقارب مع إيران، والسعودية، والدور المفصلي الذي تلعبه أنقرة في الأزمة السورية، حيث لا مجال للمجتمع الدولي لانتقاد الرئيس التركي في الوقت الحالي نظراً لتعقد العلاقات والتحالفات الناشئة والتي تمثل أنقرة رقما هاما فيها.
وتابع:" إذا كان المجتمع الدولي صمت عن كل تلك الإجراءات الديكتاتورية التي اتخذها النظام التركي، فإن هناك توقعات تؤكد ترتيب المعارضين المهجرين حركة أو تيار جديد يدار من الخارج على ألا يتصدره جولن، ولكن بعض المعارضين الهاربين، بغرض تحريك الشارع التركي خلال الفترة المقبلة ضد سوءات النظام عن طريق برامج إعلامية محكمة تتخذ من السوشيال ميديا والرسائل الإليكترونية المباشرة، والقنوات الفضائية عبر أقمار صناعية أوروبية، وسيلة للتواصل مع الجمهور في الداخل التركي على غرار ما يحدث في طهران".
وتوقع حسين الفترة المقبلة زيادة معدلات العمليات الإرهابية وقد تكون عمليات منظمة ومدعومة من أجهزة استخباراتية هادفة إلى النيل من الرئيس التركي ونظامه، ما يؤشر إلى دخول تركيا في حقبة جديدة، من الصراع المحتدم، خاصة بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية على الصعيد الداخلي، واستمرار هذا التدهور خلال الفترة المقبلة.
وذكر أنه من الممكن أن يكون الرئيس التركي كان يخطط لتعديل الدستور منذ فترة طويلة، واستغل محاولة الانقلاب الفاشلة وبعض العمليات الإرهابية لتكون مبررا للخطوة الأخيرة التي اتخذها بتعديل الدستور والانفراد بنظام حكم "ديكتاتوري"، لفترة طويلة إلى جانب ضمان بقاء الحكم في يد الحزب الحاكم حتى بعد انقضاء ولايتي أردوغان، بوجود حاكم موالٍ أو إدخال تعديلات أخرى على الدستور وهو ما لن تقبله المجموعات المعارضة خلال الفترة المقبلة خاصة بعد إنهاء الأزمة السورية واستقرار الأوضاع نسبيا في منطقة الشرق الأوسط.
شكليات
فيما رأى الدكتور مختار غباشى ـ نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية، إن التعديلات الدستورية لن تقدم ولن تؤخر مسار الدولة التركية، لافتاً إلى أن أردوغان لن يظل رئيسا للبلاد إلى الأبد، كما أن أي نظام سياسي من حقه إجراء تعديلات في دستور بلاده طالما سيكون عبر آليات ديمقراطية.
وأضاف في تصريحات لـ"مصر العربية" أن التقييم للدولة التركية لا يكون مطلقاً من الناحية التشريعية، وإنما من الواقع الاقتصادي الذي تعيشه ومستوى دخل الفرد، والدين الداخلي وكذلك الخارجي، وكل الأمور التشريعية هذه هى أمور شكلية ناتجة عن رؤية النخبة السياسية الحاكمة.
وأوضح أن الأنظمة السياسية في دول كثيرة في الغرب وحتى في الشرق الأوسط يكون للرئيس فيها صلاحيات موازية لصلاحيات رئيس الحكومة، وهناك دول مختلطة تكون السلطة فيها موزعة ما بين الرئاسة والحكومة والبرلمان.