مخاوف اليهود الليبراليين من تقارب نتنياهوـ ترامب

مخاوف من تحالف ترامب ونتنياهو

من الطبيعي، أن يعلق رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو آمالا كبيرة على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وقد بذل ترامب جهدا كبيرا لتمييز نفسه عن سلفه باراك أوباما، الذي كان على علاقة متوترة مع إسرائيل، بسبب موقفه المناهض للمستوطنات ودعمه للدبلوماسية النووية مع إيران. ولعل نتنياهو الذي يتمتع بعلاقات طويلة الأمد في دوائر الجمهوريين يطمئن إلى وجود نظيره الجمهوري أخيرا في البيت الأبيض.

 

غير أن هناك من يرون أن ترامب قد يتسبب في العديد من المشاكل لنتنياهو وإسرائيل الرغم مما يبدو من توافق ظاهري في السياسة.  

ففي مقال نشرته مجلة فورين أفيرز، أشار ميتشل هوشبرج الباحث المشارك في معهد واشنطن إلى أن نتنياهو الذي لم يتول رئاسة الوزراء أبدا، خلال أي إدارة جمهورية لديه علاقات عميقة مع الحزب الجمهوري. ففي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، عندما نشط البروتستانت الأمريكيين داخل صفوف الجمهوريين، جندهم للدفاع عن مصالح إسرائيل، حتى أنه حاول الاستفادة من دعمهم لمواجهة الرئيس كلينتون خلال محادثات السلام. بل أن تفضيله كان واضحا لحاكم ماساتشوستس السابق ميت رومني خلال السباق الرئاسي عام 2012. ولدى رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضا علاقة وثيقة مع الجهات المانحة الضخمة للحزب الجمهوري، مثل قطب اندية القمار شيلدون أديلسون.

 

ويرجع هوشبرج سبب تطوير نتنياهو هذه العلاقات في جزء منه إلى اعتقاده أن الجمهوريين سوف يكونون أقل ميلا من الديمقراطيين للضغط على إسرائيل بشأن القضايا الرئيسية، مثل التنازل عن الأراضي للفلسطينيين وتصرفات الإسرائيليين الحربية. وأكدت معارضة الجمهوريين اتفاق أوباما النووي مع إيران والامتناع عن التصويت على قرار ضد الاستيطان في مجلس الأمن، قناعة نتنياهو.  

غير أن ترامب، وافد سياسي جديد ذو علاقات فضفاضة مع الحزب الذي يصادقه نتنياهو، مما يجعل آراءه ونواياه غير مؤكدة. بينما يبدو الرئيس الأمريكي متحمسا لإثبات علاقته الوثيقة بنتنياهو، حيث عين ديفيد فريدمان سفيرا، وهو مستشار سابق في حملته الانتخابية. من المستبعد للغاية أن يضغط على نتنياهو بشأن القضايا الفلسطينية. لكنه قد يثير قلق نتنياهو مع سعيه لتحقيق ما أسماه "الاتفاق النهائي" بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لأن تجديد التحرك الدبلوماسية يمكن أن يؤدي بترامب إلى الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات. وربما يعرض ترامب إسرائيل للخطر على نحو أكبر بسبب التخلي عن شركائه االتقليديين في الشرق الأوسط أو ما هو أسوأ: الانسحاب من المنطقة! وهكذا، على الرغم من أن وجود رئيس جمهوري داعم لصالح نتنياهو كما يبدو لأول وهلة، ربما تكون النتائج المترتبة على رئاسة ترامب أكثر تعقيدا.

.

التكلفة المحلية  

بيد  هذه النتائج يمكن أن تكون أكثر تعقيدا بكثير على السياسة الداخلية الإسرائيلية أكثر تعقيدا بكثير. حيث يمكن أن تزيل تصورات حركة الاستيطان الإسرائيلية عن دعم الإدارة القادمة للاستيطان يمكن أن تقوض أهم أعذار نتنياهو للحد من نمو المستوطنات، وهو درء الضغوط الدولية.

ففي استطلاع معهد الديمقراطية الإسرائيلي الأخير، أجاب أكثر من 70 في المائة من الاسرائيليين اليهود أنهم يعتقدون أو على يقين من أن إسرائيل ستكون قادرة على الحفاظ على بناء المستوطنات في ظل رئاسة ترامب. وابتهجت الحركة المؤيدة للاستيطان بخطاب ترامب بشأن هذه المسألة في وقت مبكر.  

وبالتالي،  يمكن أن يجد نتنياهو صعوبة في صد مؤيدي للاستيطان المتشددين، الذين يرغبون في بناء المستوطنات عبر مختلف أنحاء الضفة الغربية وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية في قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية. وقد أشارت معارضة أوباما لتكلفة هذه التحركات سواء محليا أو دوليا، بما في ذلك الضغوط والتحركات غير المواتية في الأمم المتحدة، مما أعطى نتنياهو ذريعة للاعتدال. وعلى الرغم من أن نتنياهو انتقد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت على إدانة التوسع الاستيطاني في مجلس الأمن، وقال انه لا يزال يستخدم إقراره لتبرير تأجيل قانون من شأنه تقنين البؤر الاستيطانية المقامة على أراض فلسطينية مملوكة ملكية خاصة.  

ومع وصول ترامب للسلطة، تصبح تحذيرات نتنياهو حول التكلفة الدبلوماسية للمستوطنات أقل إقناعا. وسوف يتوقع أنصارالاستيطان دعم الولايات المتحدة ويدعون أن الإدارة الأمريكية الداعمة سوف تكون قادرة على تقليل التكاليف على الصعيد الدولي. ومع ذلك، فمن شبه المؤكد أن استمرار معارضة البلدان العربية والأوروبية لهذه البؤرالاستيطانية عائقا أمام حل الدولتين. ويرى الكاتب أن نتنياهو ربما يكون مضطرا لتهدئة ائتلافه المحلي من خلال استمرار بناء المستوطنات ومواجهة احتمال عزلة دولية. وبالفعل، أعلنت إسرائيل توسعة البناء في الضفة الغربية على الرغم من الإدانة الدولية (باستثناء فرنسا والولايات المتحدة)، ويواجه نتنياهو ضغوطا لضم المستوطنات الكبيرة.  

ويظهر تعهد ترلمب أثناء حملته الانتخابية بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس أيضا، كيف يمكن أن تخلق الإدارة الأمريكية الأكثر دعما، مشاكل لنتنياهو. ولا شك أن الحكومة الإسرائيلية ترحب بالتأكيد على بالدعم الأمريكي الرمزي المصاحب لهذه الخطوة، ولكنها قد تستشعر القلق سرا إزاء احتمالات ما قد ينجم عن ذلك من العنف الفلسطيني والإدانة العربية. كما أنه من الممكن أن تسفر توقعات الفلسطينيين أن التحرك الأمريكي يحدد مسبقا وضع القدس، بدلا من تركها للمفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، عن تعقيد الوساطة الامريكية للسلام، وتجعل الفلسطينيين متحفظين على التفاوض. ولا شك أن نتنياهو لا يمكن أن يرفض علنا ​​محاولة ترامب لنقل السفارة، لكن إجراءات ترامب قد تخلق مشكلات له.  

العامل الأمريكي الأول  

وبينما يعقد ترامب السياسة الداخلية لنتنياهو، ربما يضر نهجه الأوسع نطاقا في الشرق الأوسط، بالمصالح الإقليمية الإسرائيلية. وعلى الرغم من أن ترامب لم يعبر حتى الآن عن سياسة واضحة، فهناك مؤشرات على أن إدارته قد تكون أكثر ميلا للانسحاب وعقد الصفقات من سابقاتها. وفي الحملة الانتخابية، سخر ترامب من التزامات التحالفات الصلبة ولم يبد اهتماما كبيرا بتنشيط التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل والمعتدلين السنة ضد روسيا وسوريا وإيران. وبدلا من ذلك، تعهد بتجنب التدخلات ضد الدول الأجنبية ووعد بالعمل مع روسيا لهزيمة الدولة الإسلامية (داعش) .  

وبطبيعة الحال، لا تزال إدارة ترامب تستطيع نقض قرارات الامم المتحدة غير المواتية وإدانة المحاولات الفلسطينية لتدويل الصراع مع إسرائيل. غير أن مد الأمور إلى نطاق أوسع ومساعدة إسرائيل في بناء العلاقات مع الدول العربية يتطلب من ترامب إعطاء الأولوية لمنطقة الشرق الأوسط. وربما تكون إدارة ترامب التي لم تبذل جهدا كبيرا في المنطقة، أقل ميلا لقضاء الوقت في تعميق العلاقات الدفاعية والاستخباراتية الثنائية مع إسرائيل. وستواص إسرائيل تلقي المساعدات العسكرية الأمريكية، ولكنه لن يكون لديها قوة عظمى تعمل وفقرمصالحها أو احتياجاتها.  

ومن المؤكد أن ترامب ومستشاره للأمن القومي، مايكل فلين، يبدوان مهتمين بمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء العالم. ويمكن أن تسعى إسرائيل ـ كما حدث في أعقاب هجمات 11 سبتمبرـ بما لها من عقود من الخبرة، لتجعل من نفسها حليفا رئيسيا في مكافحة الإرهاب. بيد أن ترامب ليس مرتبطا عاطفيا مع إسرائيل وليس لديه ميلا أوسع نطاقا للمشاركة في الشرق الأوسط، ويمكن أن يعتبر هذه المساعدة نوعا من الصفقات، بدلا من كونها رصيدا استراتيجيا الأصيل. ولعله من السابق لاوانه إصدار الحكم، ولكن إذا كانت دوافع ترامب ستؤدي به إلى الانسحاب من الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تدفع إسرائيل الثمن.  

توقف التزام الحزبين  

ويعتقد الكاتب ان تعاون نتنياهو مع ترامب، قد يشكل خطرا على دعم الحزبين للعلاقات الأمريكية الإسرائيلية الثنائية، التي وصفها نتنياهو نفسه بأنها ذات أهمية استراتيجية. وعلى الرغم من أن أوباما ونتنياهو كانا يتشاحنان في كثير من الأحيان، إلا أن دعم أوباما الثابت لإسرائيل قدم لليهود الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل، ويختلفون مع مواقف نتنياهو بشأن المستوطنات أو التعددية الدينية إطارا لدعم إسرائيل مع معارضة بعض سياسات حكومتها. وأصبحت تلك المساحة مفيدة بشكل خاص في أعقاب خطاب نتنياهو في الكونجرس معارضا الاتفاق الإيراني، مما اضطر اليهود في البلاد للاختيار بين دعم نتنياهو أو أوباما. مع استمرار اصحاب كل من الاختيارين في تقديم وسائل الدعم لإسرائيل. ومع ذهاب أوباما، قد يجد اليهود الليبراليين صعوبة في تكييف قيمهم مع زعيم إسرائيلي داعم علنا لترامب.  

فقد صوت 71 في المائة من يهود الولايات المتحدة لهيلاري كلينتون المرشحة الديمقراطية للرئاسة. ويخشى كثيرون من نزعات ترامب غير الليبرالية عموما ومن مؤيديه من اليمين البديل. ويوضح ثناء السفير الاسرائيلي رون ديرمر على فرانك جافني، رئيس مركز السياسات الأمنية ـ مؤسسة بحثية، اعتبرها المركز القانوني الجنوبي للفقر، جماعة كراهية ضد المسلمين ـ كيف يمكن أن تؤدي الجهود الإسرائيلية للتقارب مع ترامب وأنصاره، إلى تنفير اليهود الليبراليين. ويبرراليهود المؤيدون لإسرائيل احتلال إسرائيل للضفة الغربية بالقول بأن القيم الديمقراطية الليبرالية إسرائيل يعني أن حكومتها فعلت وستفعل كل ما في وسعها لتحقيق السلام. وسوف يضع احتضان المسؤولين الإسرائيليين ـ علنا ـ لادارة أمريكية، ذات ميول على ما يبدو غير ليبرالية، القيم المشتركة بين البلدين موضع تساؤل.  

فإذا أقدم نتنياهو على تسريع المستوطنات، أو دخل الحرب مع حماس تحت رعاية ترامب، يمكن أن ياخذ المشرعون الديمقراطيون العبرة من الناخبين اليهود الذين أصابهم الضجر من لآثام المتصورة للحكومة الإسرائيلية المدعومة من قبل إدارة ترامب التي لا تحظى بشعبية. ولا يزال هؤلاء المشرعون يدعمون على الأرجح اليساريين الإسرائيليين، إلا أن الحكومات مثل نتنياهو تعتمد بشكل متزايد على الدعم من الجمهوريين حصرا. وعلى المدى البعيد، من شأن عدم التطابق بين الولايات المتحدة والإدارات الإسرائيلية أن يؤدي إلى تراجع التعاون بشكل دوري ويهدد الأمن والموقف الدبلوماسي لإسرائيل.

 

مقالات متعلقة