بعد 3 أيام من إصدار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشريعا جديدا يقلّص من تدفق المهاجرين الى الولايات المتحدة ويطال حقوق طالبي اللجوء، خيمت حالة من الجدل على الأوساط السياسية الأمريكية حول شرعية القانون ومداه فضلا عن تزايد الشكوك المتعلقة بالتشريع برمّته
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن البيت الأبيض اختلق حالة من الارتباك لا زالت تبعث على القلق من خلال التحايل على الأساليب المتعارف عليها فى صياغة السياسات وهو ما أشعل موجة من الجدل حول من المستهدف من مثل هذه التشريعات وكيف من الممكن إدخالها حيز التنفيذ فى الوقت الذى لازالت شرعية القانون يكتنفها الغموض.
البيت الأبيض من جانبه اعتبر أن القانون ليس إلا تصديقاً لإجراءات تدقيق وفحص صارمة فى حين يرى منتقدوه أنه يستهدف فرض حظر على دخول المسلمين للولايات المتحدة وهو ما دفع المحكمة للطعن فى التشريع وتقديم طعن والشروع فى رفع دعوى قضائية ضد القانون
وتحيط علامات الاستفهام بقرار الحظر والذي يستهجن مُضيّ الرئيس الأمريكي فى اتخاذ إجراء كهذا بشكل مفاجئ ومن جانب واحد وعلى ما يبدو بطريقة لم تراعي أية ضوابط أو توازنات، وخروقات ظاهرة للعيان لبروتوكولات صناعة السياسة الطبيعية وكذا الخاصة بصنع القوانين قد أحدثت إشكاليات هائلة فى تنفيذ هذا القانون.
وتتساءل نيويورك تايمز كيف أحدث هذا التشريع هذه الحالة من الفوضى؟
وتجيب قائلة التقرير القانون يستهدف ثلاث فئات الأولى من اللاجئين القادمين من أى مكان والمحظور دخولهم للولايات المتحدة فى الـ120 يوم القادمة وبالنسبة لطالبي اللجوء القادمين من سوريا (الفئة الثانية) فقد مُنعوا من دخول البلاد لأجل غير مسمى.
الفئة الثالثة والتى يُحظر دخولها الأراضي الأمريكية خلال الـ90 يوما القادمة على الأقل فهم مواطنى سبعة دول ذات أغلبية مسلمة وهى إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن
ولم يتضح بعد كيف سيتم تنفيذ القانون عملياً وهو ما أحدث حالة من الفوضى فى تطبيقه.
الإجراء الثالث والذي أحدث الكثير من الغموض عندما قالت وزارة الأمن الداخلي فى بادء أن القانون يحظر أيضا دخول المقيمين الدائمين الشرعيين من حاملي البطاقات الخضراء
من جانبه ظهر كبير موظفى البيت الأبيض مؤكدا عكس ما تردد إلا أن القانون لازال يُعرقل الطلاب الأجانب والعاملين وحاملى التاشيرات من البلدان المستهدفة.
ولم يذكر القانون سوى جوانب ضئيلة حول آلية تنفيذه الأمر الذي دفع بموظفى الجمارك والحدود للتصرف وفقا رؤيتهم كون القانون مٌحاطا بهالة من الغموض.
فى سياق متصل أصدرت العديد من المحاكم الفيدرالية حكماً بوقف ترحيل المهاجرين بموجب قانون ترامب وآخر يقضي بأحقية الأفراد المحتجزين داخل المطارات بطلب محامين، فى الوقت الذي تحدثت فيه تقارير عن رفض بعض موظفي الحدود والجمارك الامتثال للقرار.
صراعُ محتمل يلوح فى الأفق بين سلطات الدولة فى الولايات المتحدة وهى احتمالية تبعث على القلق فى الوقت الذي يعتبر فيه مبدأ الفصل بين السلطات حجر الزاوية فى الديمقراطية الأمريكية وما إذا كان سيحظر على السلطة القضائية تأدية واجبها كرقيب على السلطة التنفيذية وهو ما قد يُفضي إلى أزمة دستورية تعصف بالبلاد ولم يتضح بعد كيف سيتعامل ترامب مع موقف كهذا بما يخلق حلاً للأزمة
ويتمتع الرئيس الأمريكي بصلاحيات واسعة من شأنها تنظيم وتقييد الهجرة دون اشتراط موافقة الكونجرس رغم أن مثل هذا الأمر خاضع لضمانات دستورية قابلة للتطبيق
وبموجب تشريع كهذا يضرب الرئيس الأمريكي تقاليد متعارف عليها طيلة عقود فى ممارسة السلطة التنفيذية عرض الحائط فقد جرت العادة بأنه حال أراد الرئيس صياغة مسودة لتغييرات سياسية فإنه يتخذ إجراء كهذا من خلال المشاورات مع الوكالات الفيدرالية ووالجهات المعنية فى داخل الحكومة وخارجها على مدى أسابيع وشهور.
وهى إجراءات تستهدف مراجعة شرعية سياسة ما ينتوى الرئيس تطبيقها ومدى قابلية تفعيلها وكذا العواقب التى يصعب التكهن بها كما تتيح للأجهزة السيادية التخطيط لكيفية إدخال سياسة ما حيز التنفيذ فضلا عن إعطاء الفرصة للمتضررين من إجراء ما باتخاذ التدابير اللازمة.
بيد أن الإدارة الأمريكية قد تخطت إلى حد كبير هذه الإجراءات حيث لم يتم إشراك سوى عدد محدود من المستشارين السياسيين فى صياغة القانون محل الجدل وكذلك عددا من القرارات التى صدرت مؤخرا وبالنسبة لمجلس الأمن القومى والأجهزة ذات الصلة فقد أُتيح لها حيز ضئيل للقيام بمراجعات على قانون الهجرة الجديد لترامب قبل التوقيع عليه.
وفى ضوء عدم وجود قانون يفرض إجراء مراجعات داخلية فقد قامت الإدارة الامريكية بممارسة التحايل لتجاوز القيام بإجراء تدقيق مراجعة داخلية على السلطة التنفيذية فى الوقت الذى اعطت فيه انطباعاً بأنها ترسم سياسات وطنية حاسمة بدون تدبّر للأمر.
وكانت النتيجة هى التخلّى عن بيروقراطية فيدرالية على أتم استعداد لترجمة قرارات الحظر وإدخاله حيز التنفيذ، المحصلة النهائية كانت فى الارتباك والفوضى التى شهدتها الحدود فى ظل معاناة موظفى الحدود والجمارك لتطبيق القرار الجديد
إجراء مراجعات داخلية مسألة لا تقتصر فقط الجوانب العملية والقانونية بل تمتد لتشمل القيم الجوهرية ومصالح الولايات المتحدة مع تزايد الاصوات المتحدية للقرار استنادا لهذه الاسانيد , تخوفُ قد يطول أمده حتى لو قامت الإدارة الأمريكية بإدخال تعديلات على القانون الجديد كخطوة للحصول على دعم قانونى.
وبالنسبة للقضاة الذين ينتوون إصدار تصاريح إقامة طواريء فى إجراء مماثل لتصاريح قد صدرت بالفعل، فإنه يتعين عليهم تحديد مدى احتمالية نجاح الطعن القانونى على القانون الصادر وهو ما يعنى أن قرار الحظر يعانى قصورًا من الناحية القانونية على الأقل عند تطبيقه على من دخلوا الولايات المتحدة بالفعل ويحملون هويات سارية المفعول.
فى نفس السياق، فقد صرّح اليكساندر ألينيكوف نائب مفوض وكالة الامم المتحدة لشئون اللاجئين السابق والمستشار العام السابق لدائرة الهجرة والجنسية أن قرار الحظر يتعارض مع القوانين الاتحادية والدستورية كما أضاف أن قانون الحظر قد اثار جدلا دستورياً حول كونه تمييزا دينيا ضد المسلمين
وتحظر اتفاقية اللاجئين وهى معاهدة وقعتها الأمم المتحدة وتم إدراجها فى القانون الأمريكي التمييز ضد اللاجئين على اساس الدين كما يحظر قانون الهجرة والجنسية ممارسة هذا التمييز فى إصدار التأشيرات.
لغة تتسم بالغموض وبالارتباك ظهر بها قانون ترامب الجديد عجز البروفيسور الينيكوف وهو خبير قدير فى قوانين الهجرة عن تفسيرها بقدر من اليقين، وهو ما ينذر بفتح ساحة من الجدل حول كون قرار الحظر انتهاكا لإجراءات الحماية المستحقة الدستورية
وأضاف الينيكوف " لا توجد حقا أية تعليمات يتوجب على المسئولين القيام بها , فغياب الوضوح فى لغة القرار جعل منه قرارا تعسفيا وبعبارة أخرى غير قابل للتطبيق "
بيد أن الرئيس الامريكي يمتلك صلاحيات قانونية واسعة من شأنها الحد من الهجرة وبموجب قانون الهجرة والجنسية يمكن للرئيس فرض قيود على دخول أجانب البلاد إذا ما ارتأى انهم يشكلون تهديدا لمصالح وامن البلاد دون الحاجة لتشريعات أو إلى موافقة الكونجرس الأمريكي , وتطبيق إجراء كهذا يتم فى المعتاد على نطاق ضيق ولم يتسنّى بعد التعرف على مدى إمكانية تطبيقه على الجماعات الدينية