فورين أفيرز لترامب: المشكلة ليست في المسلمين

دونالد ترامب يعادي المسلمين

 في أعقاب هجوم سان برناردينو في كاليفورنيا، دعا دونالد ترامب المرشح الجمهوري ـ وقتها ـ للرئاسة الأمريكية إلى فرض حظر على دخول جميع المسلمين البلاد. وفي مقابلة مع شبكة فوكس بعد وقت قصير من الهجوم، ربط ترامب  بشكل واضح بين فشل استيعاب  المهاجرين المسلمين وبين الإرهاب.

 

وعلى الرغم من أن إدانة معظم السياسيين، في كل من الولايات المتحدة وخارجها، اقتراح ترامب بفرض حظر على هجرة المسلمين، أيده أكثر من ثلث الأمريكيين وأكثر من نصف الجمهوريين.

 

 ويعتمد ترامب على خوف عميق الجذور. وهو نفس الخوف الذي يحافظ على شعبية العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء أوروبا، من الجبهة الوطنية في فرنسا إلى الفجر الذهبي اليوناني.

 

وبالتالي، يحق لنا أن نتساءل ما إذا كانت الموجة الأخيرة من الهجرة إلى أوروبا والولايات المتحدة من البلدان ذات الأغلبية المسلمة من شأنها أن تهدد سلامة سكان الدول المضيفة. غير أن الأدلة تشير إلى أن هذه المخاوف مضللة، وهو ما يتفق معه حتى عدد من الكتاب الغربيين: "الديمقراطيات الليبرالية لا تفتح أبوابها للإرهاب عندما تسمح باستقبال المهاجرين المسلمين" على حد قول كلير أديدا، وديفيد ليتين، وماري آن فالفورت،  في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز.

  الاندماج والتمييز

 

     يشير المقال إلى أن أعدادا غير مسبوقة من مواطني البلدان ذات الأغلبية المسلمة تدفقت على  أوروبا هربا من المذابح في سوريا والاضطرابات في شمال أفريقيا. ولكن هؤلاء المهاجرين لم يندمجوا جيدا.

 

ووثق الكتاب الثلاثة في كتاب أصدروه العام الماضي بعنوان "لماذ فشل الاندماج الإسلامي في المجتمعات ذات التراث المسيحي" فشل دمج المهاجرين المسلمين في فرنسا وكافة أنحاء أوروبا؛ موضحين أنه إذا كان هناك اثنان من المهاجرين متماثلين  في كل شيء باستثناء الهوية الدينية، سوف يختلفان للغاية من حيث شكل الاندماج  داخل المجتمعات المضيفة.

 

    وعند دراستهم للمسيحيين والمسلمين المهاجرين من السنغال إلى فرنسا في ظل ظروف مماثلة، وجدوا أن المهاجرين المسلمين يواجهون قدرا أكبر من التمييز في سوق العمل، ويحصلون على دخل شهري أقل، وتنخفض درجة ارتباطهم بالبلد المضيف عن نظرائهم المسيحيين بينما تزيد درجة ارتباطهم ببلدهم الأصلي.

 

ولم تتحسن هذه الأنماط في الأجيال اللاحقة. ويتضح هذا الفشل في شقين: إصابة جزء من المجتمع الفرنسي بالإسلاموفوبيا، وميل المهاجرين المسلمين للارتباط أكثر بمجتمعاتهم الأصلية، ردا على ذلك. وبالتالي، تخلق أوروبا مجتمعات من المهاجرين اصحاب المهن المتدنية الذين لا يتواصلون تقريبا مع المجتمعات المضيفة.

ويؤكد الكتاب الثلاثة على أنه من الخطأ ربط هجرة المسلمين بالإرهاب. موضحين أن المجتمعات الليبرالية لا ينبغي أن تدين الناس لمجرد اتفاقهم في الخلفية الثقافية مع القتلة المجرمين. (سيكون من المثير للسخرية مثلا إلقاء اللوم على جميع الأمريكيين من أصل إيطالي بسبب عمليات القتل التي ترتكبها عصابات المافيا).

 

وعلاوة على ذلك، فإن هاجس هجرة المسلمين يركز على أهداف خاطئة؛ فالإرهابيون ليسوا غالبا من الفقراء، وغير المتعلمين، بل أنهم في كثير من الحالات، قد لا يكونون من المنتمين إلى التراث الإسلامي.

 

وقد استخدم أوليفييه روي، الخبير في الشئون الإسلامية، بيانات من ملف الحكومة الفرنسية الرسمي لمكافحة الإرهاب؛ لتكوين صورة ـ مبنية على الأدلة ـ للجهاديين الفرنسيين اليوم. حيث أن معظم الجهاديين الفرنسيين إما من الجيل الثاني ـ أبناء المهاجرين غير المتدينين نسبيا، الذين ولدوا وترعرعوا في فرنسا ـ  أو مواطنين فرنسيين ليسوا من أصول مهاجرة  تحولوا إلى الإسلام.

 

بيد أن ما يوحد المجموعتين ليس الإسلام؛ ولكن الصراع بين الأجيال. وبالمثل، هناك عدد كبير من الغربيين الذين ينضمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضا باسم داعش) من المتحولين إلى الإسلام. ولهذا  يرى روي أن التهديد ليس في التطرف الإسلامي ولكن في أسلمة التطرف.

 

  لذا، فالارهابيون اليوم ليسوا من المهاجرين العاطلين عن العمل وغير المتعلمين القادمين حديثا من شمال أفريقيا أو الشرق الأوسط. بل أنهم غالبا من أبناء العائلات المثقفة الميسورة نسبيا، ويحملون غالبا شهادات في الهندسة. وعادة، ما يأتون من خلفيات ثقافية علمانية وينضمون إلى جماعات توفر شعورا قويا بوجود رابط مشترك مع الزملاء أعضاء الجماعة.

 

وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، تمنح هذه الجماعات السلفية أعضاءها المكافآت المادية والمعنويية إذا أظهروا الولاء المطلق. وربما كانت الطريقة الوحيدة لإثبات الولاء المطلق، أن يثبتوا استحالة عودتهم إلى الحياة العلمانية السابقة. ويمكن بعد ذلك إقناعهم بتقديم تضحيات للجماعة، بما في ذلك القيام بعمليات انتحارية.

 

     ولكن يظل من غير الواضح لماذا ينضم شاب يتمتع باستقرار معقول وتعليم جيد إلى مثل هذه المجموعات. ويرى المؤلفون الثلاثة أن بحثهم في فرنسا ربما يشير إلى سبب معقول؛ فقد عمدوا إلى إرسال سير ذاتية متماثلة من ثلاثة متقدمين للشركات الفرنسية.

 

كان  الثلاثة مواطنين  فرنسيين يحمل كل منهم شهادة الثانوية العامة، وعدة سنوات من الخبرة في وظائف الطبقة الوسطى. وكان من الممكن لأصحاب العمل أن يحددوا من الأسماء الثلاثة: مسيحيا من أصل سنغالي، ومسلما من أصل سنغالي، وكان الثالث مواطنا فرنسي أصليا.

 

    وكانت النتائج واضحة. فقد زادت عروض اصحاب العمل للمسيحي المهاجر اكثر مرتين ونصف عن المسلم. وفي المسابقات التجريبية التي أجريت في  في باريس بين فرنسيين من أصل سنغالي مع  فرنسيين أصليين، تبين مرة أخرى أن الفرنسيين أظهروا نفورا لا مبرر له تجاه المسلمين، أكثر مما أبدوه من نفور تجاه المسيحيين من أصل سنغالي. وعندما كانت تتاح للفرنسيين الأصليين الفرصة لحجب المال عن غيرهم من الناس في هذه التجربة، كانوا يفعلون ذلك مع المسلمين السنغاليين أكثر مما يفعلوه مع المسيحيين من نفس الأصل.

 

    وكانت الآثار المترتبة على هذا النفور كبيرة. وفي الاستطلاع الذي شمل 511 من المسلمين والمسيحيين من أصل سنغالي الذين يعيشون في فرنسا، اتضح أن دخل الأسرة المسلمة في المتوسط، نحو400 يورو(حوالي 455 دولارا)، أو نحو 15 في المائة من دخل الأسرة الفرنسية المتوسط، وأقل من الدخل الشهري لنظرائهم المسيحيين.

 

وبعبارة أخرى، كان هناك تمييز واضح ضد المسلمين عند المنافسة من أجل الحصول على وظيفة من وظائف الطبقة الوسطى، بما لذلك من آثار كبير على فرص المسلمين في الوصول إلى مستوى معيشة حياة الطبقة الوسطى. وأدى هذا التمييز الفاضح في سوق العمل الفرنسي، إلى انخفاض مستوى ثقة المشاركين المسلمين في المؤسسات الفرنسية بدرجة كبيرة عن نظرائهم المسيحيين. فضلا عن عن أن المشاركين المسلمين أكثر ميلا لإرسال تحويلاتهم إلى السنغال ويرتبون لدفنهم هناك بعد الوفاة. فلم يدفع الفقر بالمسلمين إلى الجماعات السلفيةط لكن الطموحات المعقولة، والتي يصعب تحقيقها تفعل ذلك.

 

وبطبيعة الحال، لا يحول التمييز في سوق العمل الخريجين إلى قتلة. ويعتبر العدد الفعلي للأعضاء في الجماعات السلفية صغيرا جدا (كنسبة مئوية من إجمالي عدد السكان المحتمل تجنيدهم) مما يصعب معه أي محاولة للتنبؤ بما يجعل أي شخص عرضة للتأثير. ولكن الثقافة ترتبط بالنشاط السياسي، وعندما لا يفي التعليم بتحقيق أهداف الحياة، توفر الجماعات الدينية بديلا مقنعا.

 

حظر الهجرة ليس حلا

 

 ويرى الكتاب الثلاثة أنه يمكن زيادة الوعي والحد من التمييز عبر وسائل بسيطة؛ مثل فضح صور التمييز في المجتمعات المستقبلة للهجرة . وفي الوقت نفسه، يمكن للمجتمعات الإسلامية أن تفعل المزيد لتشجيع تبني قواعد وتقاليد المجتمعات المضيفة؛ مثل المساواة بين الجنسين وغيرها، على سبيل المثال، من خلال التشهير بأفراد المجتمع الذين يرفضون العمل تحت رئاسة المرأة، أو التعامل بندية مع النساء.

 

وعلى المستوى العام، يتعين على الشركات التدقيق في أساليب التوظيف. كما يجب بحث التعاقد مع الاستشاريين الذين يمكنهم المساعدة في معالجة التوترات التي تنشأ بسبب الصراعات المتعلقة بالدين في مكان العمل.

 

    كما يحذر المقال من اللجوء إلى حظر الهجرة؛ باعتبار أن مثل هذه السياسات تصب في الاتجاه الخاطئ، كما تؤدي إلى نتائج عكسية. فهي لا تعالج التمييز الذي يواجه المسلمين عند محاولة الاندماج في المجتمعات المضيفة لهم، بل أنها تفاقم فشل اندماج المسلمين عن طريق تشجيع المسلمين على الانسحاب.

 

وعلى سبيل المثال، كشف الاقتصاديان اريك جولد واستيبان كلور ، أنه بعد عشر سنوات من هجمات 11 سبتمبر، انخفض استعداد المسلمين الذين يعيشون في ولايات  شهدت أكبر الأعمال المعادية لهم، للاندماج في قيم وثقافة الولايات المتحدة: فهم يميلون إلى زيادة الإنجاب، وانخفاض معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل، وضعف إتقان اللغة الإنجليزية.

 

ولا شك أن مقترحات ترامب تزيد من استياء الجالية التي ينبغي ان تعتمد عليها الحكومة الأمريكية في تحديد الإرهابيين المعروفين أو المحتملين ووقفهم.  فبعد هجمات باريس في نوفمبر 2015، التي قتل فيها 130 شخصا، أغلقت السلطات الفرنسية حدود البلاد وشنت حملة مطاردة لمدبر المؤامرة، عبد الحميد أباعود. ووجده رجال الأمن وقتلوه بعد أيام قليلة. وكان من أبلغ السلطات الفرنسية حول مكان وجوده، زميل مسلم!

 

مقالات متعلقة