"جلسات صلح عرفية وتقديم القودة ودواوين للعائلات تفتح أبوابها".. هكذا هو الحال الذي اشتهرت به محافظات الصعيد خاصة محافظة قنا للقضاء على الخلافات الثأرية المتعاقبة منذ سنوات طويلة ولردم بحور من الدم خلفت عشرات القتلى والمصابين.
"دواوين العائلات" هي المحطة الأخيرة لإنهاء تلك الخلافات، والتي تفتح أبوابها بين الطرفين بالتعاون مع لجان المصالحات لنبذ والتصالح فيهم بينهم، واشتهر مركز دشنا وأبوتشت وفرشوط شمال المحافظة بتلك العادة في أغلب الخلافات الثأرية خاصة التي تكون بين مسلمين وأقباط.
ويسعى كبار العائلات من أصحاب النفوذ بالقرى والنجوع لعقد جلسات الصلح، خاصة مع قرب الانتخابات البرلمانية والمحلية لينال صاحب الديوان أو الشخصية الكبيرة في العائلة الشهرة لكسب أصوات من العائلتين محل النزاع.
وتعد "القودة" من أشهر عمليات الصلح حيث يحمل أحد الأطراف والذي يكون المجني عليه "الكفن" ويكون حافى القدمين وحليق الرأس، كما تجبره لجنة المصالحات السير على قدميه مسافة 3 كيلو مترات، ويزوجونه فتاة من أهل القتيل، حتى تكون نهاية الدفن في مقابرهم.
كما هناك طريقة أخرى داخل دواوين العائلات وخاصة في القرى الجنوبية للمحافظة وهي الاتفاق أن يقوم القاتل بلبس الجلباب الأسود، ويكون حافي القدمين وحليق الرأس، ومجرور الرقبة، ويقيم القاتل عند أهل القتيل لخدمتهم دون الاختلاط أو الزواج منهم لفترة يتم تحديدها مسبقاً.
وهناك طريقة أخرى لإنهاء الخلاف الثأري والتي باتت مشهورة الآن بين العائلات في قنا وهي أن القاتل يقدم كفنه مدوناً عليه تاريخ الصلح واسم مقدمه، ويكون مطوياً على هيئة مستطيل، يحمله على ساعديه، مرتدياً جلبابه العادي أياً كان نوعه، مع إلغاء جر الرقبة، وتبديلها بمحاباة القاتل بقيادة شرطية، وأحد رجال لجنة المصالحات وتقديمه لأهل الضحية، الذين يردون بعبارة "عفونا عنك".
يقول الشيخ عبدالمعطي أبوزيد، عضو لجنة المصالحات بالمحافظة، إن نظام لجان المصالحات نظام إسلامي مستمد من الكتاب والسنة، لافتاً إلى أن الإسلام نهى عن قتل النفس البريئة، لقوله صلى الله عليه وسلم «لزوال الدنيا بأكمله أهون عند الله من قتل نفس بريئة». وأضاف أن لجنة المصالحات عمرها أكثر من 7 أعوام، وقامت بأكثر من 26 مصالحة منها العديد من المصالحات تمت داخل دواوين العائلات، وغالبيتهم يكون من أعضاء لجنة المصالحات.
وأوضح أن الصلح في الدواوين غالبيته يكون خطوة أولى لعمل لجنة المصالحات، حيث تبدأ لجنة المصالحات بتحديد بنود رئيسية شرط موافقة طرفي الخصومة، كما يتم الاتفاق على الرضا بأي حكم يصدر من اللجنة، وبعد إنهاء الصلح يتم إرسال ذلك إلى الجهات الأمنية للمساعدة في الصلح، مطالباً قيادات الدولة بدورها بالقبض على المجرمين المتسببين في القتل وتقديمهم للمحاكمة.
ويشير أحمد إسماعيل، إلى أن غالبية العائلات في قنا، لجأت إلى إتمام الصلح بين أطراف الخصومات الثأرية التي تقبل الصلح وغالبيتها تكون خلافات لا يقع فيها قتلى، أما الخلافات الكبيرة والمستمرة لعدة سنوات فيكون الاتفاق أن تعقد في أرض فضاء بعيدة عن منازل الطرفين.
وأكد الشيخ تقادم، عضو لجنة المصالحات، أن جريمة الثأر استشرت بطريقة غريبة في المجتمع الصعيدي بين عدد من العائلات، كما أن المطالبة بالثأر لها ضوابط فالأبناء أحق بدم أبيهم، يليهم الإخوة الأشقاء ثم الإخوة غير الأشقاء، ومن يقوم بالثأر يقوم باستهداف أكبر رأس في العائلة المطلوبة.
ويصف الدكتور السيد عوض رئيس قسم علم الاجتماع بكلية الآداب بقناـ قضايا الثأر بأنها بالغة التعقيد من حيث طبيعتها ومضاعفاتها وأسباب حدوثها ولذلك فإن معالجتها والقضاء عليها يحتاجان إلى الكثير من الوقت والجهد والإمكانيات وتعاون كافة شرائح المجتمع بما في ذلك دواوين العائلات ومنظماتُ المجتمع المدني لمحاربة هذه الظاهرة السلبية باعتبارها ظاهرة تهدد بشدة الأمان الاجتماعي.
وطالب بضرورة غرس ثقافة الحوار والمناقشة ورفض أساليب الاستعلاء والكبرياء والتسلط من ناحية وتعلم وتثقيف الشباب حول مخاطر الإجرام بشكل عام وجرائم الثأر بشكل خاص.
وأشار إلى أن مراسم الصلح يتم بين العائلين تتم بعد عقد عدة جلسات عرفية في دواوين العائلات تجمع بين لجنة المصالحات وبين مشايخ البلد وكبائر العائلات ووفد من العائلتين المراد الصلح بينهم، للاتفاق على التصالح فيما بينهما.
من جانبه قال مصدر أمني بمديرية أمن قنا، إن وزارة الداخلية ترحب بتلك النوعية من المصالحات العرفية التي تتم داخل دواوين العائلات، ويتم بعدها الصلح بشكل أكبر بحضور القيادات الأمنية والتنفيذية، لافتًا إلى أن قنا بها حتى الآن ما يقارب من 80 حالة ثأر مسجلة بمحاضر.