بالفيديو| «موقعة الجمل».. الدابة التي قتلت صاحبها

موقعة الجمل

ما بين الفخر بأمجاد وبطولات ذلك اليوم، ومرارة الانكسار والهزيمة التي تطارد معظم من شارك في هذه المعركة، يسترجع نشطاء ثورة 25 يناير أحداث موقعة الجمل في ذكراها السادسة. 

 

كانت لحظات خارج إطار الزمان والمكان، دارت أحداثها قبل ستة أعوام، عقارب الساعة تشير إلى الواحدة من ظهر اليوم الثاني من شهر فبراير عام 2011، حين وقعت أحداث الأربعاء الدامي في ميدان التحرير المعروفة بموقعة الجمل.

 

 

واقعة صنعت لحظات فارقة في أحداث ثورة 25 يناير، حين اقتحم عدد من البلطجية ميدان التحرير وهجموا على المعتصمين المطالبين برحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك.

 

فبعد أن كاد البعض يركن ويتعاطف مع خطاب "مبارك" عشية اليوم السابق، الذي طالب فيه المعتصمين بإمهاله لمدة 6 أشهر، تشبث الجميع بموقعه وتوحدت الأصوات وتعالت الهتافات "يسقط النظام" حتى جاء يوم التنحي يوم 11 من الشهر نفسه.

 

 

في ظهيرة يوم الأربعاء، اقتحم مئات من مؤيدي مبارك، جاءوا على ظهر خيول وجمال يحملون في أيديهم "سوط" ينهالون به على المعتصمين، بعد عبروهم حواجز قوات الأمن.

 

أراد البلطجية إخلاء الميدان بالقوة، ولكن لم تُكتب الغلبة في تلك المعركة لمن امتطى الخيول وبارز بالسيوف والآلات الحادة والمولوتوف، وفازت فيها الحجارة "سلاح المعتصمين".

 

استنفر المعتصمون وتقاسموا المهام فيما بينهم دون تخطيط مسبق، فريق راح يتنافس أعضائه في إقامة المتاريس لصد المعتدين، فريق ثاني عكف على تكسير أرصفة الميدان لاستخراج الأحجار كسلاحا لهم، وثالث يقذف بالحجارة المعتدين، ومجموعة أخرى تولت مهمة إسعاف المصابين.

 

الوقت لم يكن كافيا للتفكير في كيفية المواجهة، ولكن سرعان ما تبادر إلى أذهان المعتصمين صناعة صدادات من البلاستيك وزجاجات المياه والمشروبات الغازية والكرتون لوضعها على رؤوس من يتقدمون الصفوف لتحميهم من ضربات المعتدين.

 

امتدت المواجهات إلى فجر اليوم التالي، في معركة أبطالها القليل منهم معروف والكثير مجهول، منهم من ينتمي لتيارات مختلفة سواء حركات ثورية أو أحزاب سياسية أو جماعة الإخوان المسلمين، ومنهم من لا ينتمي لأي فصيل، ولكن تشابه الجميع في بسالته، نزعوا عن أنفسهم الانتماءات حين أدركوا أنها معركة فاصلة في عمر الثورة. 

 

18 ساعة متواصلة من المواجهات، أسفرت عن مقتل 11 شخصا وإصابة ما يزيد عن 2000 آخرين، فما بين قناصة اعتلت أسطح مباني التحرير وسيوف وآلات حادة جاءت نهائية 11 من المعتصمين على أيادي "البلطجية".

 

أما المعتصمون فبالحجارة والعصا الخشبية واجهوا قنابل المولوتوف والأسلحة البيضاء، وتمكنوا من هزيمة الخيول حتى سقطت ومن عليها، وأسروا عدد منهم حتى أجبروهم على الكشف عن هويتهم ومن يقف ورائهم.

 

وبحسب أحد النشطاء، قال إنه تبين أن منهم عدد من أفراد الشرطة مختبئين في زي مدني، وآخرون رجال أعمال دفعوا لهم أموال للاعتداء على المعتصمين. 

 

 

وكان للنساء نصيب من المشاركة في المعركة، هن أيضا حاولن مساعدة المعتصمين في مواجهة "البلطجية"، على ضعفهن استقوين بالتكبير "الله أكبر" لتحطم كفوفهن الحجارة من الأرصفة ليزودن بها المعتصمين، وأخريات تمدن المتظاهرين بالمياه.

 

فتيات أخريات اكتفين بالطواف بين الصفوف يشعلون الحماسة في قلوب المتظاهرين الذين تصدروا الخطوط الأمامية، أحد النشطاء يتذكر "لن أنس الفتاة التي وقفت تهتف "الله اكبر" كانت تلك الجملة تشعل حماسي لأبعد مدى وأنا أقذف بالحجارة، وعندما سكتت قلت لها لماذا توقفتي فأنا أحتاج لتلك الكلمة، ثم عادت بالهتاف مرة ثانية".

 

رسالة إلى "فرح"، كتبها قبل عامين خالد عبد الحميد، عضو مؤسس بحركة شباب من أجل العدالة والحرية، يسرد فيها لصغيرته أحداث موقعة الجمل، واليوم في ذكراها السادسة أعاد نشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.

 

"عزيزتي فرح..زي النهاردة حصلت حاجة في اعتصام ميدان التحرير سموها معركة الجمل علشان اﻷمن مع مؤيدي السلطة خططوا ونفذوا هجوم على ميدان التحرير من مداخله التمانية"، ولأن الأحداث أكبر من أن يدركها عقل ابنته ذات الـ 4 سنوات، راح يقصها في هيئة حكاية تناسب طفولتها.

 

"هحاول أرسملك رسمة ازاي ميدان التحرير أيام الاعتصام في يناير2011 ..غمضي عينيكي واتخيلي معايا .. الميدان كان زي قرص الشمس دايرة كبيرة ومطلعة أشعة خطوط مستقيمة الدايرة ده والخطوط كانت مليانة بشر، واليوم ده حاولت السلطة تفض الميدان بعملية حشد مؤيدين لمبارك شايلين شوم وسنج ومطاوي وكسر رخام ورومان بلي".

 

يستطرد عبد الحميد في رسالته لابنته :"اليوم ده يا فروحة شفت الحاجات اللي قعدت أقرا عنها في الكتب طول الوقت شفت الناس وهي بتصنع المتاريس مع إني متأكد إنهم ماقروش عنه، وقعدت أتفرج وأنا مبسوط زي العيل اللي رايح الملاهي يوم اﻷجازة".

 

قص عبد الحميد على طفلته كيف انتصر المعتصمون بعد معركة دامية، قص عليها أن أحدهم، لم يتعارفا من قبل، أعطاه أوارقه الشخصية وعنوان منزله يرجوه أن يسلمها إلى أهله إن مات شهيدا ثم تركه ليواجه المعتدين.

 

مع نسمات الفجر انتهت المعركة وانتصر الميدان وتنفس المعتصمون هواء الحرية والانتصار، ليزيل عبد الحميد رسالته "حبيبتي فروحة أي حد يقولك إن اللي عمل معركة الجمل إخوان قولوليه كداب اللي خطط ونفذ عصابة مبارك وكمان اللي يقولك اللي دافع عن الميدان إخوان بس قوليله كداب دافع عنه كل الميدان والمجد للمجهولين".

 

24 شخصا من أنصار مبارك ورموز الحزب الوطني المنحل، اتهموا في موقعة الجمل، إلا أنه بعد عامين من الأحداث أصدرت المحكمة حكم نهائيا بتبرئة المتهمين في 9 مايو 2013، وتبدلت فرحة النصر إلى الشعور  بالهزيمة والانسكار.

 

ومن أبرز من اتهموا في موقعة الجمل :"صفوت الشريف، فتحى سرور، والنائب السابق رجب حميدة ووزيرة القوى العاملة آنذاك عائشة عبد الهادى والمستشار مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك الحالي".

 

أسدلت الستار على "موقعة الجمل" ويظل إلى الآن الجاني مجهول، رغم تقارير لجنة تقصي الحقائق الأولى والثانية والشهادات والوثائق والأدلة، إلا أنها جميعا عجزت عن تقديم الفاعل الحقيقي للعدالة، وحُفظت القضية.

 

وتفرق دم ضحايا موقعة الجمل، بين الاتهامات التى تراشقتها الأطراف السياسية بعضها البعض عبر وسائل الإعلام، ما بين اتهام نظام مبارك ورموزه بالتورط فيها، وآخرين أشاروا إلى تواطؤ عناصر من المجلس العسكري فيها، وفريق ثالث اتهم جماعة الإخوان المسلمين بقتل المعتصمين.

 

وفي الذكرى السادسة لموقعة الجمل استرجع الناشط الحقوقي،  على صفحته على الفيسبوك، أحداث ذلك اليوم، حين جائه مكالمة هاتفية من ضياء رشوان:" زياد، الراجل خلاص ماشي بعد ٦ شهور، والنَّاس دي إتجننت، فأنا وعمرو موسى وقيادات بالمجلس العسكري هنطلع بيان بإسمكم بتطلبوا فيه إنسحاب آمن من الميدان، والجيش هيأمن خروجكم، وهيضمن إن محدش هيقرب لحد فيكم".

ولكن قرر زياد ومعه رفقاه "شايف إنهم جايين يقتلونا، ولو مشينا برضه هيقتلونا، يبقى نموت هنا، وتبقى فضيحة تطارد النظام كله، بدل ما نموت على جنب"، ويستطرد :"من يومها، عرفت إن باب الخروج الآمن، إتقفل- لينا وليهم - وأخذنا طريق واحد، مالهوش رجوع.

 

 

مقالات متعلقة