أسئلة كثيرة يطرحها التقارب بين القاهرة وحركة «حماس»، بعد مراجعات وتراجعات سياسية ظلت حاكمة لطبيعة العلاقة بينهما منذ إقصاء الرئيس السابق محمد مرسي عن السلطة في العام 2013، وما ترتب على ذلك من تصنيف القضاء المصري في 28 شباط (فبراير) 2015 حركة «حماس» منظمة إرهابية. ومبعث هذه التساؤلات خَطب حماس وِد القاهرة، عبر تأكيد إسماعيل هنية عشية زيارته القاهرة قبل أيام، أن العلاقة مع مصر «في تحسن»؛ وستشهد «نقلات نوعية»، مضيفاً أن «حماس ستستمر في تحسين العلاقات وتطويرها، بما يرسخ طبيعة العلاقة التاريخية بين الشعبين والجوار الإقليمي الوازن الذي تمثله مصر». في المقابل تبدو القاهرة راغبة في إعادة ترتيب العلاقة بفعل تصاعد العنف في سيناء، وتصاعد غضب أهلها في ظل استمرار عسكرة الأزمة.
ملامح التقارب كشفتها مؤشرات عدة، منها حضور ممثلين عن «حماس» مؤتمر المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط (جهة شبه حكومية) في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي في مدينة العين السخنة في شمال القاهرة تحت عنوان «مصر والقضية الفلسطينية»، ما أثار غضب حركة «فتح». ديبلوماسية المؤتمرات والندوات باتت إحدى أدوات تجسير الفجوة بين القاهرة و «حماس»، ففي 4 و5 كانون الثاني (يناير) 2017 نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة مؤتمراً عن «تعزيز العلاقات المصرية - الفلسطينية وانعكاسها على قطاع غزة»، شارك فيها مفكرون وأصحاب قرار من القاهرة. وفي إطار كسر حال الجمود قامت القاهرة بدءاً من 28 كانون الثاني 2017 بعقد اجتماعات مع هنية وموسى أبو مرزوق وروحي مشتهى وفتحت معبر رفح لمدة أربعة أيام في الاتجاهين استثنائياً، لعبور الحالات الإنسانية والعالقين والطلاب وإدخال المساعدات للقطاع.
ويتزامن التقارب مع مستجدات إقليمية ودولية عدة، منها حالة الضبابية السائدة في شأن رؤية واشنطن في زمن ترامب وفريقه الرئاسي، وفي الصدارة منه مايكل فلين مستشار الأمن القومي، لجماعة «الإخوان المسلمين» وامتداداتها الأيديولوجية، وضرورة إدراجها على لوائح المنظمات الإرهابية. وكشف ترامب خلال حملته الانتخابية عن خطاب معادٍ للإسلام السياسي، ورسخ هذا الاتجاه في خطاب تنصيبه عندما قال: «نوحد العالم المتحضر ضد الإرهاب الإسلامي المتطرف الذي سنزيله من على وجه الأرض». وفي الوقت الذي يستعجل ترامب تمرير مشروع قرار في الكونغرس يصنف «الإخوان» جماعة إرهابية ساوى وزير الخارجية الأميركي الجديد ريكس تيلرسون في شهادته أمام مجلس الشيوخ، بين جماعة «الإخوان» وتنظيم «داعش» وتنظيم «القاعدة». صحيح أن المحكمة الأوروبية في آذار (مارس) 2015 أنصفت حركة «حماس»، بأن رفعت اسمها من قوائم الجماعات الإرهابية، إلا أن تمرير قرار من الكونغرس الأميركي بجعل «الإخوان» جماعة إرهابية، قد يعزز الإجراءات الاستثنائية والقاسية التي تمارسها القاهرة ضد الجماعة الأم في القاهرة من جهة.
ومن جهة أخرى قد تطمئن القاهرة وهي ترفع العصا الغليظة في وجه «حماس» حال رفضها التعاون في ملفات ترى مصر أنها تهدد أمنها. ويرتبط التطور الثاني بتقارب لا تخطئه عين بين القاهرة وواشنطن، كشف عنه الحديث الودي بين الرئيس الأميركي ونظيره المصري ناهيك عن إعجاب الأول بالثاني، ففي لقاء على قناة «فوكس نيوز»، قبل أيام، قال ترامب: «إن السيسي جاء في وقت صعب، كل ما يمكنني القول عنه هو أنني معجب به».
وربما أدركت «حماس» أن إعجاب ترامب بالسيسي خلافاً لسلفه السابق باراك أوباما، إضافة إلى كونه يعطي دفعاً مختلفاً للعلاقة بين البلدين، فقد يجعل القاهرة مؤثرة أو على الأقل مسموعة في جدلية القضية الفلسطينية، ووضعية حركة «حماس»، وتنظيم «الجهاد الفلسطيني»، المصنفين إرهابيين.
خلف ما سبق، ثمة تراجع للرئيس الأميركي الجديد عن وعود في شأن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، واقتراب إدارته من الموضوع بمزيد من الحذر، واعدة فقط باستعراض هذه المسألة على نطاق واسع، وبالتشاور مع أصحاب المصلحة في الصراع.
وأثار احتمال صدور قرار بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة مخاوف عربية ومصرية، من أن يضفي مزيداً من التعقيد على الصراع، ويدفع قطاعات معتبرة من الفلسطينيين إلى تبني خيارات راديكالية للرد على هذه الخطوة.
ومن جهتها رفضت القاهرة السلوك الأميركي في شأن نقل السفارة إلى القدس، وحذَّر السيسي على هامش مؤتمر الشباب الذي عُقد أخيراً في مدينة أسوان، من هذا الأمر ووصفه بأنه «قد يزيد من تعقيد القضية الفلسطينية».
رفض القاهرة وعواصم عربية أخرى دفع البيت الأبيض إلى استبعاد إعلان وشيك لتطبيق وعد ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، ويأتي هذا الإعلان كاشفاً عن منهج أكثر براغماتية للإدارة الجديدة، وأن تصريحات ترامب كانت للاستهلاك الانتخابي.
ويرتبط التطور الرابع بالتقدُّم الحادث في العلاقة بين تركيا وإسرائيل منذ بدايات العام 2016، وإنهاء القطيعة الديبلوماسية، والتزام الأولى في إطار اتفاق متعدد الجوانب بتقييد نشاط «حماس» على الأراضي التركية. أما التطور الخامس فيرتبط بسوء الأوضاع الداخلية في القطاع، وحاجة «حماس» إلى تخفيف الحصار، ومصر دولة محورية في هذا السياق. كما أن معبر رفح هو الوحيد الذي لا ترتبط إدارته بإسرائيل.
غير أن ثمة تحديات قد تقف حجر عثرة أمام تقدُّم بين القاهرة و «حماس»، منها إصرار القاهرة على تسليم مطلوبين في قطاع غزة بينما ترى الحركة أنها لا تؤوي أي عنصر يهدد الأمن القومي المصري، وبالتالي يبقى تسليم المطلوبين غير وارد.
وتــتـــهم القـــاهرة «حماس» بالتورط في دعم منظمات الإرهاب في سيناء، مستندة في ذلك إلى تمركز بعضها داخل القطاع مثل «جيش الحق»، و «سيوف الحق»، وكذلك «جيش الإسلام»؛ فضلاً عن عدم إصدار بيان من قيادة «حماس» تعتبر فيه «أنصار بيت المقدس» تنظيماً إرهابياً يضع كثيراً من علامات الاستفهام في شأن موقفها. وثانيهما الخلافات العقدية والأيديولوجية بين الجانبين كبيرة، فبينما تعد «حماس» ممثلاً للإسلام السياسي، فثمة قطيعة وخصومة تصل إلى حد الثأر بين نظام القاهرة وجماعات الإسلام السياسي برمتها، وبالذات جماعة «الإخوان المسلمين».
من الصعب التحايل على هذه الخلافات أو إيجاد حلول جذرية لها إلا أن المصالح المشتركة بين الطرفين تمثل قاطرة يمكن أن تقود لتقارب في العلاقة بين الطرفين، فـ «حماس» يمكنها كبح جماح الجماعات السلفية المتشددة التي تمثل مصدر إزعاج للقاهرة ناهيك عن فوائد تجارية واقتصادية. في المقابل ما زالت المناطق العازلة التي شرعت القاهرة في بنائها في العام 2014 على حدودها مع القطاع، تمثل تحدياً إضافياً على طبيعة العلاقة بين الجانبين، خصوصاً أنها تمثل ضغطاً سياسياً ومادياً على «حماس»، فضلاً عن تقليص قدرات المقاومة تجاه إسرائيل.
القصد أن ثمة فرصاً لإحداث ثقب في جدار القطيعة بين القاهرة و «حماس» بفعل التطورات الدولية والإقليمية بجانب تطورات الداخل لديهما، ما بين حصار يقتل الناس جوعاً في غزة وإرهاب يفتك بجنود أبرياء في أكمنة ومعسكرات الجيش المصري في سيناء.
* كاتب مصري