هل يأتي ترامب إلى القدس ومعه السفارة الأميركية؟

دونالد ترامب

«إنه أسوأ رئيس خرج من باطن أميركا»... بهذه الكلمات صرخ مواطن أميركي في وجه إحدى الإعلاميات التي كانت تتابع وقائع حفل تنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة في العشرين من كانون الثاني (يناير) الماضي. ثم توالت أوصاف ترامب في وسائل الإعلام بكل اللغات: إنه جاهل في شؤون الناس، بدءاً من الفرد، والأسرة، والمجتمع، وصولاً إلى الدولة، والمؤسسات، والقوانين، والعلاقات مع الدول الأخرى. إنه لا يوحي بالثقة.

 

لكن ترامب فاز برئاسة أميركا على اسم الحزب الجمهوري. والصفات التي تنسب إلى عامة «الجمهوريين» إنهم ذوو تربية مدنية تحرص على قوانين الطبيعة والأخلاق العائلية، مع التزام الصدق والشجاعة والأمانة والشفافية في ممارسة المسؤولية.

 

إذا كانت هذه مفردات «الشخصية الجمهورية» الأميركية فإن ترامب في المفردات العربية «كشتبنجي». «حربوق» يتقن الاحتيال على القوانين العدلية والضريبية. ولذلك فإنه ذو ثراء فاحش غير مشروع، ولأنه بارع في الاحتيال على القوانين الأميركية فإن وصفه بالعربية هو «باش مزوّر».

 

أما من الناحية الأخلاقية التي تنسب إلى عامة «الجمهوريين» فإن الرئيس دونالد ترامب «زير فضائح» متفلّت من كل الضوابط والتقاليد الأخلاقية الملزمة لساكن البيت الأبيض، وقد سبق للرئيس الأسبق بيل كلينتون، زوج هيلاري كلينتون، أن وقع في فخ الفضيحة في جناحه الخاص مع موظفة مبتدئة ذاع صيتها باسم «مونيكا». وإذ تغلّبت هيلاري على سقطة زوجها المعيبة فقد خاضت الانتخابات ضد ترامب. وهي ربحت المعركة بمئات آلاف الأصوات زيادة عن ترامب، لكنها خسرت الرئاسة بتعقيدات العملية الانتخابية وأحكام «المجمع الانتخابي» في الدستور الأميركي.

 

كل التفاصيل التي رافقت فوز ترامب صارت من الماضي. ففي البيت الأبيض حالياً رئيس مهيأ لعملية تغيير لا تنحصر في الولايات المتحدة الأميركية، بل تطاول دولاً أخرى، بدءاً من الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى الصين. لكن ما يعني العالم العربي هو الأهم. أي قضية فلسطين، وقد تناولها ترامب في لقاء مع أسرة صحيفة «نيويورك تايمز» قبل ستة أسابيع من تنصيبه.

 

في ذلك اللقاء فجّر ترامب قنبلته الأولى التي تعني العالم العربي بالدرجة الأولى ثم سائر دول منطقة الشرق الأوسط. لقد قال إنه سيعمل ليفوز بجائزة إنجاز اتفاق أو حل لأزمة إسرائيل.

 

وهو أعطى إشارة بالغة السوء بالنسبة للعالم العربي. إذ هو نأى بنفسه عن الجريمة المتتابعة التي ترتكبها إسرائيل بالاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية لتحويلها مستوطنات مستعمرات. والأسوأ من ذلك تأكيده عبر رسالة مباشرة إلى نتانياهو تفيد بأنه سيقترب في شكل كبير من إسرائيل «لضمان حصولها على الاحترام التام في الشرق الأوسط. فأي احترام ستكسب إسرائيل على جرائمها؟

 

لكن، هل يُعقل أن يكون ترامب مع الحق الفلسطيني؟ الجواب من شبه المستحيل، إن لم يكن من المستحيل المؤكد أن يتم اتفاق فلسطيني- إسرائيلي ما دام بنيامين نتانياهو رئيساً للوزراء. وقد كان من حظ نتانياهو أن يكون باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة خلال ثماني سنوات مضت.

 

وكانت آخر هبات واشنطن لإسرائيل قد تأمنت قبل بضعة أشهر مضت حين وقّع أوباما اتفاق المعونات لإسرائيل والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 38 بليون دولار لمدة عشر سنوات، وهو رقم قياسي، وقد تم التوقيع في فترة كانت خلالها العلاقات «متوترة» بين أوباما ونتانياهو. وتعليقاً على ذلك الحدث أعلن سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل دان شبارو في مؤتمر صحافي أن الاتفاق يشمل أكبر حجم من المساعدات العسكرية التي قدمتها الإدارة الأميركية إلى إسرائيل على مرّ التاريخ.

 

فإذا كان «الكرم» الأميركي في عهد أوباما بهذا الحجم فكيف يكون في عهد دونالد ترامب؟... بل أي أمل يمكن أن يعلّقه العرب على العهد الأميركي الجديد.

 

اختارت إسرائيل الأسبوع الأول من بداية عهد ترامب لتعلن خطة بناء 2500 منزل في مستوطنات الضفة الغربية المحتلة. وقبل ذلك كان نتانياهو أمر ببناء 566 وحدة سكنية في ما تبقى من مساحات تعود للفلسطينيين في القدس الشرقية.

 

فهل ينوي نتانياهو إعلان القدس عاصمـــة إســـرائيل خلال عهد دونالد ترامب؟ وهــل هذه هي فرصته؟ وهل يأتي ترامب إلى القدس ومعه سفارة الولايات المتحدة؟

 

«لم تعد أيدينا مقيدة في القدس... والدفعة الأخيرة من الوحدات السكنية ليست الأخيرة، بل هي دفعة من أصل أحد عشر ألف وحدة». «ثم إننا مررنا في ثمانية أعوام صعبة مع رئاسة باراك أوباما الذي كان يندد بالبناء الإسرائيلي في القدس». هذا كلام إسرائيلي رسمي وشعبي يعمّ الأراضي الفلسطينية ليسمع من يريد أن يسمع من العرب ومن دول العالم.

 

دونالد ترامب مثل كل رئيس أميركي، لا يعني العرب، والفلسطينيين خصوصاً، أن يكون جمهورياً أو ديموقراطياً. فالرؤساء الأميركيون، بمجملهم، كانوا يتوارثون مسؤولية حماية إسرائيل وتعزيز ترسانتها العسكرية، ودعم اقتصادها ومشاريعها العمرانية التوسعية على حساب الشعب الفلسطيني الذي تُسحب أرضه من تحت أقدامه، وكأنها البساط الذي بقي له.

 

ما عدا الجنرال أيزنهاور، لم يعرف العالم العربي رئيساً أميركياً على قدر من العدل والشجاعة في مواجهة إسرائيل.

 

ريتشارد مورفي السفير الأميركي الأسبق في سورية أبدى رأيه في وزيرين جديدين في إدارة ترامب فوصفهما بأنهما مميزان: الأول وزير الخارجية ريكس تيليرسون. إنه آتٍ من عالم النفط، لكنه سياسي مميز. الثاني وزير الدفاع الجنرال جون ماتيس: إنه رجل دولة عبر مسار طويل في القيادة العسكرية.

 

يقول الجنرال ماتيس: روسيا كانت عدواً (لأميركا والغرب) في مرحلة من المراحل، لكنها لم تعد في ذلك الوضع حالياً. هي خصم. وروسيا تعمل الآن في الشرق الأوسط عبر تدخلها المعروف والمعلن في سورية لاسترداد موقع لها في المنطقة كانت قد خسرته مع انهيار الاتحاد السوفياتي، وأعرب عن اعتقاده بأن الأميركيين سيتعاملون مع روسيا الخصم. أما مع إيران فالعلاقات أكثر تعقيداً.

 

لكن الآراء المتطايرة عبر الإعلام من دوائر العهد الأميركي الجديد تفيد بأن العلاقات بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين ستحمل مفاجآت وإيجابيات ما كان ممكناً أن يتوقعها أي مراقب محايد. فإذا صحت هذه التوقعات تتأكد صحة المعلومات التي انتشرت خلال المعركة الانتخابية الأميركية عن قرصنة روسية اخترقت خطوط الإدارة الديموقراطية للمرشحة هيلاري كلينتون، وضمنت الفوز لدونالد ترامب الذي تعتبره موسكو صديقاً قريباً من حليف، في حين تؤكد إدارة حملة هيلاري أنها تفوقت على ترامب بزيادة في عدد الأصوات بلغت نحو ثلاثة ملايين صوت.

 

ومع أن الإعلام الأميركي بمعظمه كان خصماً لترامب، فقد استعمل هو هذا الإعلام ليتوجه من خلاله إلى كبار القادة والضباط والعسكريين من ذوي النجوم في قطاعات الجو والبر والبحر ليسألهم: كيف يمكنكم أن تتحملوا أن تكون السيدة هيلاري قائدتكم العليا!

لكن أياً تكن الحقيقة في الانتخابات الأميركية تبقى حقيقة ثابتة هي أن «المقاول» دونالد ترامب فاز (قانونياً) على المحامية هيلاري كلينتون. فهو يعرف من أين تؤكل الكتف في «البزنس» وصولاً إلى السياسة والسلطة. وهو كان قد فتح معركة مع شركة «بوينغ» لصناعة الطائرات، ومنها طائرة الرئاسة التي آلت إليه بعد فوزه. وكان قد اتخذ قراراً بفسخ عقد شراء طائرته، ثم أعاد التفاوض مع الشركة على عقد جديد، ونجح بتخفيض السعر، وقد استغلّ الصفقة وجيّر الربح للمواطن الأميركي دافع الضرائب، كما يدّعي.

 

وعلى عكس ما توقع بعض المعلقين بأن ترامب سيختار معاونيه والوزراء من «نخب» الحزب الجمهوري، فقد توجه إلى أسماء شخصيات جمهورية من الفئة الوسطى. والسبب كما يفسره الضالعون في «استراتيجية» ترامب هو أنه يعرف نفسه بأنه على قدر متوسط من الذكاء، ومن الحضــور السياسي والثقافي والمعنوي، و... الأخلاقي أيضاً، وهذا ما يجعله على حذر من التعاون مع شخصيات أرفع منه علماً وثقافة. ولذلك يتوجه إلى معاونين من الفئة الوسطى. وهذا ضروري ليكون هو صاحب الرأي الصواب، والمحترم والمهاب!

 

ثمّ ماذا عن القضايا الكبرى المعقدة التي قد يطرحها ترامب في مرحلة من عهده، وأهمها فكرته بحل الحلف الأطلسي؟ فإذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد شكّل صدمة تخطت ارتداداتها القارة الأوروبية، فإن خروج الولايات المتحدة الأميركية من الحلف الذي يمنحها مرتبة «قيادة العالم» ستسبّب اهتزازات أمنية في كيانات دول كبيرة وصغيرة على جانبي المتوسط والأطلسي.

 

فهل يفعلها دونالد ترامب؟

 

* كاتب وصحافي لبناني

مقالات متعلقة