في لقاء جمع سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي بفصائل معارضة في اجتماع بموسكو 26 يناير الماضي، أعلن الوزير الروسي تأجيل مفاوضات "جنيف" التي كان مقرر لها 8 فبراير الشهر الجاري إلى نهاية الشهر، لتخرج يارا الشريف المتحدثة باسم المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي مستورا وتنفي هذا وأّن دي ميستورا هو الوحيد الذي يقرر تأجيل المحادثات.
ولكن بعدها تراجع دي ميستورا وأعلن تأجيل مفاوضات السلام السورية برعاية الأمم المتحدة حتى 20 فبراير بحجة منح المعارضة السورية مزيدا من الوقت للاستعداد، وضمان أن تكون المحادثات شاملة بأكبر قدر ممكن.
نفي متحدثة دي ميستورا وإعلانه بعدها تأجيل المباحثات تبين أن القرار جاء تلبية لرغبة روسيا.. ولكن يبقى السؤال لماذا تريد روسيا تأجيل المباحثات؟
فتنة المعارضة
انتظار نتائج الاقتتال على الأرض سواء ما بين المعارضة ونفسها أو هجوم النظام والميليشيات الشيعية التي استدعتها إيران لسوريا على المعارضة، بحسب رأي محللين سوريين هو الدافع لروسيا لتأجيل المباحثات، بعدما نجحت من خلال مباحثات الأستانة دفع الفصائل المعارضة لمقاتلة بعضها لإشراك البعض في المباحثات وتجاهل الآخرين.
ووفقا للمحللين تسعى روسيا لتشكيل وفد من المعارضة على المقاس الذي تريده، لذلك وجهت الدعوة لبعض الفصائل المعارضة لعقد اجتماع في موسكو 26 يناير الماضي لتشكيل وفد منهم يتوجه لجنيف.
تغيير الأوضاع عسكريا
ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين تركيا وروسيا نهاية ديسمبر الماضي تمهيدا لمباحثات الأستانة التي جرت 23 يناير الماضي ليكون مؤهلا لمفاوضات جنيف إلا أن النظام السوري وإيران اخترقا الهدنة بكل الصور بموافقة روسية وقصفوا منطقة وادي بردى 23 يوما متواصلا حتى نجحت قوات النظام في دخولها ونقل مسلحي المعارضة لمحافظة إدلب.
وبعد أن كانت روسيا تنتقد انتهاكات وقف إطلاق النار عادت وأيدت الهجوم على وادي بردى والذي يتشابه مع مناطق أخرى عديدة تسيطر عليها المعارضة وتتعرض للقصف العنيف مثل ريف دمشق وحماه وريف حمص، وكأن روسيا تنتظر ما ستسفر عنه هذه الهجمات على الأرض وعلى أساسه تكون نتائج مفاوضات جنيف.
في الوقت نفسه شهدت الفصائل اقتتالا فيما بينها بعد مؤتمر الأستانة حيث شن جيش الفتح – الذي اتفقت تركيا وروسيا وإيران على مقاتله في الأستانة – هجوما موسعا على جيش المجاهدين أحد فصائل الجيش السوري الحر والجبهة الشامية.
وبعد هذا تشلكت هيئة تحرير الشام هي تشكيل عسكري مكون من عدة فصائل عسكرية في شمال سوريا جبهة فتح الشام بعد حل نفسها واندماجها في الكيان الجديد مع فصائل حركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنة، وهي الهيئة التي تنكر ضمنا على الفصائل المشاركة في مؤتمر الأستانة هذه المشاركة.
الكيان الجديد نال من ميليشيا أحرار الشام أحد أكبر الفصائل المقاتلة في سوريا والحليفة للجيش السوري الحر، والاثنان شاركا في مؤتمر الأستانة، حيث أعلن عدد من قادة "حركة أحرار الشام"، انشقاقهم عن الحركة، وانضمامهم لـ"هيئة تحرير الشام" .
ميسرة بكور رئيس مركز الجمهورية للدراسات السوري رأى أن موسكو فشلت في استغلال حوار الأستانة من أجل استنبات معارضة مفصلة على مقاسها، وفشلت مرة أخرى في كسر إرادة الثورة التي اعتبرت وفد الهيئة العليا لمفاوضات جنيف هو الممثل الشرعي والوحيد للثورة السورية؛ لذلك عمدت روسيا إعلان تأجي مؤتمر جنيف من طرف واحد وهو موسكو الذي نفاه مكتب ستيفان دي مستورا ليعود ويتبنا الافكار الروسية.
وذكر بكور في حديثه لـ"مصر العربية" أن دي ميستورا استخدم نفس الحجة الروسية وهي الخلل في تمثيل المعارضة، بل زايد على الموقف الروسي نفسه وخرج ليهدد أنه سيقوم هو بنفسه بتشكيل وفد المعارضة الى جنيف نزولاً على الرغبة الروسية.
وتابع:" الأمر الآن يشبه لعبة شد الحبل بين الروس ومن خلفهم دي مستورا، " والمعارضة السورية ممثلة في الهيئة العليا فمن سيفلت الحبل ويستسلم للآخر"، مفيدا بأن الهيئة العليا للمفاوضات خاضت مباحثات جنيف عدة مرات من قبل بصفتها ممثلة للمعارضة وغير معروف أسباب تحول دي ميستورا
تشكيل وفد غير متجانس
واعتبر بكور تأجيل المفاوضات يعود لرغبة موسكو في تشكيل وفد من المعارضة غير متجانس من أجل تمييع المفاوضات وتحريفها عن مسارها الصحيح.
وأكمل :"كما تأمل موسكو من وراء تأجيل جنيف لإتاحة الفرصة لتنظيم دمشق لتحقيق مزيد من المكتسبات على الأرض لتقوية ملفه التفاوضي وإحراج موقف المعارضة التي خسرت الكثير من الأراضي نتيجة العدوان الروسي" .
وأشار رئيس مركز الجمهورية للدراسات إلى أن موسكو ماضية في خطتها في تمزيق شمل المعارضة السياسية والعسكرية من خلال إسقاط شرعية الهيئة العليا للتفاوض، وإقحام معارضة موسكو في الوفد لجنيف، بجانب مزيد من الانشقاق والاقتتال بين فصائل المعارضة المسلحة.
انتظار الناجين من المقصلة
واتفق معه في الرأي زكريا عبدالرحمن الخبير السياسي السوري الذي رأى أن تأجيل مباحثات جنيف لأهداف سياسية روسية فهي تنتظر النتائج على الأرض في الحرب بين الفصائل لتحديد الفصيل الذي سيحضر، ولمعرفة لمن ستكون الغلبة عسكريًا، وأن كل شيء يحدث في إطار الخطة الروسية بحذافيرها.
وأضاف أن هناك حركة دؤوبة الآن لتقسيم الفصائل لفريقين متصارعين، التشكيل الأول ضم فتح الشام وفصائل أخرى تحت اسم هيئة تحرير الشام، وردت الفصائل الأخرى مبدئيًا بتشكيل جيش تحرير الشام الذي سيضم الجيش السوري الحر والفصائل المتبقية من أحرار الشام حيث إن جزءًا كبيرًا انشق وانضم لهيئة تحرير الشام.
ونوه إلى أن الخطة الأمريكية الروسية منذ أمد بعيد تهدف لتقسيم المعارضة لفصائل متساوية متحاربة لتفني بعضها بعضًا والخطة تسير بنجاح وستستمر شهور طويلة.
واعتبر عبدالرحمن أن مباحثات الأستانة حققت الغاية الروسية المرجوة منها، وهي دفع الفصائل المسلحة المعارضة للاقتتال فيما بينها، مثل هجوم فتح الشام على جيش المجاهدين والجبهة الشامية.
واختتم:" روسيا استدعت فصائل وتجاهلت أخرى حتى تجعلهم يتقاتلون فيما بينهم على المصالح والنفوذ والتواجد في الخريطة السياسية، فهناك مؤامرة على الفصائل لتقسيمها، وهو ما يحدث في محافظة إدلب وريف حماه وريف حلب بدفع الفصائل للاقتتال للإبقاء على معارضة ترضي روسيا وأمريكا وتسميها معتدلة”.