"إزاى في حضنك ملمومين وأنتي على حالك كده"، مقطع من أغنية "بالورقة والقلم"، اختتم بها أحد رواد "السوشيال ميديا"، منشوره بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، عبر بين سطوره عن حالة الصراع والشتات التي تدور داخله ما بين حبه للبلد ونقمه على حالها.
عقب فوز المنتخب المصري على نظيره بوركينا فاسو بركلات الترجيح (4-3)، أمس الأول الأربعاء، تحولت مواقع "السوشيال" إلى ساحة للتعبير عن فرحة الشعب المصري ليتأهل المنتخب لنهائي كأس الأمم الإفريقية، وكشفت الفرحة حب الشعب لبلده بعيدًا عن الصراعات السياسية، بحسب محللون.
ذهب الناشط لمشاهدة المبارة كنوع من الترويح عن نفسه، يقول في سخرية :"طبعا قاعد اشجع بوركينا فاسو ????مش مصر أو بمعني أصح مش هاممني مين يكسب ومين يخسر ماهو يعني مش كل حاجة اتصلحت في البلد وبقت عال العال عشان يتبقي الكورة أشجعها".
يتهكم الناشط على ما وصفه بـ"أفورة" أو مبالغة الشعب في مكاسب الكرة، وبينما يحدث نفسه بذلك، انتفض فاجأة على دقات الأقدام وضجيج الأصوات من حوله، فإذ بهجمة تهدد مرمى المنتخب المصري، لا يعلم حتى هذه اللحظة لماذا انعفل بضجر، ولما صاح بصوت عالي حين اقتحمت كرة "محمد صلاح" مرمى بوركينا فاسو "جووون".
ولما أعلن الحكم نهاية المبارة بفوز المنتخب المصري تيقن من فرحة تهز قلبه ويتراقص بها جسده، "لقيت نفسي بحب البلد رغم اللي بتعملو فينا البلد دي فعلا بحبها بس محتاج نظام كويس يحكمها محتاجة رجالة يحكموها عندهم استعداد يضحو ويبنو بالفعل مش بالكلام".
الشعور الداخلي الذي راود ذلك الناشط أخرجه للعلن على صفحته على الفيسبوك قائلا:"ياوطن هتعرف أن اللي زي هو فعلا اللي حبك بجد ومهما قال عاوزين نخرج منها ونهج منها اننا فعلا بنحبك اكتر من الناس الي بيتشدقو بالوطنية في الوقت الي احنا بنتهم فيه بالخيانة".
خلال السنوات الأخيرة بدى الإحباط واضحا على معظم الشباب المصري، نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية، وربما ظهر ذلك في تزايد المقلبين على الهجرة، وغيرها من مظاهر عدم الرضا والشعور بفقدان الانتماء، إلا أنه مع أي منافسة أو أزمة حقيقة يظهر زيف ذلك الشعور، هكذا حلل خبراء مقارنة الشباب بين فرحتهم بفوز المنتخب وغضبهم من حال البلد.
فبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفع عدد المصريين المهاجـرين الشرعيين خلال عام 2014 إلى 505 مهاجرين مقابـل 430 مهاجراً خلال عام 2013 بنسبة زيادة 17.4%.
وأعلن السفير الامريكي في القاهرة سين ميرفي، خلال مؤتمر صحفي في شهر أكتوبر الماضي، أن 750 ألف من المواطنين المصريين تقدموا للحصول على تأشيرة للهجرة العشوائية إلى الولايات المتحدة في عام ٢٠١٦.
وبحسب تصريحات سابقة لرئيس دائرة الاستخبارات والأمن الداخلي الإيطالي ماريو بارينتي، فإن أعداد المهاجرين غير الشرعيين الوافدين من مصر عام 2016 تضاعفت بنسبة 104%، وفقًا لما نقلته وكالة أنباء آكي الإيطالية.
وبخلاف من هاجروا البلاد أو يظلون قيد التمني بمغادرة البلاد بحثا عن حياة أفضل، يعاني الشباب في مصر حالة من أوضاع اقتصادية صعبة، خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة التي وصلت إلى 12.6% في الربع الثالث من عام 2016 الماضي، وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
"متخلوش فرحتنا بالمنتخب تنسينا اننا مازلنا عايزين نهاجر على اول طياره بره مصر"، جملة ساخرة كتبتها إحدى الناشطات على صفحتها على "الفيسبوك"، فعلقت عليها إحدى صديقاتها "احنا بنحب مصر ف الماتشات بس".
ما عبرت عنه الناشطة وغيرها وصفه الطبيب النفسي جمال فرويز، بأنه فقدان انتماء مزيف للوطن، مرجعا ذلك لحالة الملل والاحباط واليأس والغضب التي أصابت الشعب، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية بالبلاد.
يضيف فرويز، لـ "مصر العربية"، أن المصريين يشتهون الفرحة والانتصار، وفوز المنتخب فجر هذا الكبت في انفعالات لا إرادية وصلت للبعض لأن يبكي فرحا بالفوز، متابعا:"نحن لا نكره البلد ولكن نكره الأسلوب الذي تُدار به والسياسات الاقتصادية والسياسية الخاطئة المتبعة وهي لا تمثل مصر وإنما تمثل نفسها".
وأردف الطبيب النفسي:"القرارت الفاشلة من الحكومة تسببت في كره الناس لبلدها، والكرة أرجعتنا لبلادنا الحبيبة"، مستطردا :"ياريت الحكومه تبطل افتكاسات وتراعي ربنا في شعب مصر".
ناشطة أخرى كتبت على صفحتها على الفيسبوك :"المنتخب هو الحاجة الوحيدة في بلدنا اللي بتفرح الشعب"، وناشط أخر علق :"اللهم رئيس وحكومة تعرف وتقدر قيمة شعب فرحان بالشكل ده لمجرد وصول مصر لنهائي كاس الامم الافريقة وصد الحضري لكورتين".
فريق آخر من رواد السوشيال ميديا اعترض على المبالغة في الفرحة بالمنتخب علقوا ساخرين:"شعب مغيب..هي الكرة هي اللي هترجع البلد ولا هتنسينا ان فيه معتقليين ومظلومين وفقر وبطالة!!"، وهو ما رد عليه الطبيب النفسي جمال فرويز، بأن الكرة مجرد شيء رمزي يمثل مصر .
وأوضح فرويز، أن المصريين مهما بلغ غضبهم من البلد نتيجة الضغوط الحيايتية، إلا أنه في وقت الأزمات يظهر الانتماء والولاء للوطن، وهو ما حدث في الفرحة بفوز المنتخب على منافسه.
بعض نشطاء الفيسبوك ذهب للمقارنة بين حارس مرمى المنتخب المصري عصام الحضري والرئيس عبد الفتاح السيسي، ويقول أحدهم :"الحضري حافظ على مصر ومفرحها اكتر من السيسي".
ناشط آخر نشر صورة للحضري علق عليها :"أخيرا الشعب المطحون ابتسم ..سيشهد التاريخ أن الراجل ده في عز الهم والغم فرح 90 مليون على الحضري".
سعيد صادق، أستاذ الاجتماع السياسي، فسر هذه الحالة بأن الشعب المصري يتشوق للفرحة والانتصار، لاسيما أنه تذوق مرارة الهزيمة في ثورة 25 يناير، والهزيمة على القضاء على الإرهاب، وهزيمة في التقدم في العلم وغيره من المجالات".
واستطرد صادق: أن الكرة منحت الشعب هذه الفرحة للشعور بالانتصار، خاصة أنها تتحقق في غضون ساعة ونصف، دون أن يطلب منهم أحد الانتظار لمدة سنة أو 6 أشهر، ومن ثم تصبح الكرة هي الشيء الوحيد الذي يفرغ فيه المصريين شعورهم بـ"الكبت".