تخضع مدينة دير الزور شرقي سوريا إلى حصار مزدوج النظام وداعش منذ عامين، حيث يمنع النظام خروج السكان من الأحياء تحت سيطرته (الجورة والقصور وهرابش) بينما تمنع داعش دخول أي شيء إلى تلك الأحياء.
ويتزامن ذلك مع القصف الروسي لمناطق داعش التي ترد بقصف المدنيين داخل أحياء النظام، كما قالت الناشطة السورية بدير الزور التي اتخذت لنفسها اسم فرات محمد خشية استهدافها في حوارها مع مصر العربية .
وحسب تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة " يونيسيف " فإن الأمم المتحدة قد علقت إلقاء المساعدات الغذائية جوا للمحاصرين من جانب النظام في دير الزور نتيجة الوضع الأمني ، وهو مازاد معاناة المدنيين، وأصبح زهاء 93 ألف مدني بينهم 40 ألف طفل جياتهم مهددة بعد انقطاع المساعدات.
وتقع دير الزور على نهر الفرات شرقي سوريا، وهي ثاني أكبر محافظة بعد محافظة حمص، ومساحتها 34 ألف كيلو متر، وتعوم على النفط والغاز الطبيعي، لذا القتال حامي الوطيس فيها للسيطرة على النفط .
نص الحوار
كيف تصفين الوضع الإنساني في مدينة دير الزور؟
الوضع الإنساني في دير الزور سيء جدا، المدينة تنقسم إلى قسمين من حيث القوى المسيطرة عليها، النظام يسيطر على بعض الأحياء (الجورة والقصور وهرابش)، ويتمركز في مطارها العسكري والجبل المطل عليها، وباقي الأحياء سيطر عليه تنظيم الدولة "داعش" بعد مواجهات عنيفة دامت نحو سبعة أشهر مع الجيش الحر، الذي بقي وحيدا دون مساندة يقاتل داعش، وسيطر داعش أيضا على ريف دير الزور، فأصبح السكان تحت حصار مزدوج حصار النظام وحصار داعش، يمنع مرور أي إنسان أو بضائع أو حتى عصفور.
الوضع هناك جحيم بالفعل، فأحياء النظام تعيش الجوع والمرض والعطش والبرد والموت تحت وابل القذائف العمياء بالإضافة إلى ممارسة النظام الباطشة للأهالي وكل أنواع الذل والاعتقال والتجنيد الإجباري.
ومناطق داعش لا تقل عنها معاناة، الفرق أن السلع متوفرة، فتمنع داعش منعا باتا دخول المساعدات للسكان في مناطق النظام، وتفرض قوانينها على السكان التي تجعل الحياة مستحيلة لكنهم مجبرون على البقاء وتمنعهم من مغادرة ما تسميه "أرض الخلافة" إلا بشروط قاسية جدا مثل التدهور الصحي الذي لا يمكن معالجته بدير الزور، وغالبا يموت المريض ولا يحصل على إذن بالمغادرة.
وهل تتوافر المواد الغذائية والمحروقات في دير الزور؟
المواد الغذائية قليلة جدا في الأحياء المحاصرة تحت سيطرة النظام، يتحكم بها تجار موالون للنظام، ويشاركون عناصر مليشياته في التجارة، مثلا هناك تاجر اسمه ( سمير مهجع ) يقوم بشراء طائرة بضائع كاملة وهكذا يصبح هو المصدر الوحيد لها في السوق ويرفع الأسعار عشرات الأضعاف.
و كيلو الشاي 25 ألف ليرة سورية والسمن بـ 15 ألف، و8 آلاف لليتر الزيت، و كيلو الطماطم بـ 6000 وكيلو السكر 7000 وكيلو اللحمة تراوح بين 6000 إلى 8000 ليرة، و علبة حليب الأطفال بـ 18 ألف ، علما أن سعر صرف الدولار الأمريكي يصل إلى 538 ليرة سورية، وأعلى راتب للموظف يصل لـ 40 ألف ليرة سوري، مايعادل نحو 75 دولار أمريكي، فيمكن تصور الفقر لدى عموم السكان.
المحروقات غير متوفرة فيضطر الأهالي الى إشعال كل ما يمكن إشعاله للتدفئة والكثير منهم حرق أثاث منزله للطبخ والتدفئة ، الشبيحة فقط من ينعمون بحياة عادية.
أما مناطق تنظيم الدولة تتوفر فيها المواد الغذائية والمحروقات بأسعار مقبولة، مثلا كيلو السكر بـ 500 ليرة و كيلو السمن 1200 وليتر الزيت 1300 وكيلو الرز من 300 حتى 500 حسب النوع.
المحروقات سيئة التكرير وخطرة جدا وليتر الجاز 200 ليرة ، ويستخدم للطبخ و الغاز لا يوجد بكل محافظة دير الزور بسبب توقف معمل كونيكو الذي تعرض للقصف جوا.
مساعدات الأمم المتحدة التي تلقيها بالطائرات هل وصلت إلى مستحقيها؟
مساعدات الأمم المتحدة الملقاة مؤخرا من قبل الطيران الروسي، يقوم الهلال الاحمر هناك بتوزيعها على عوائل يعمل أبناؤها مع النظام فيما يسمى "دفاع وطني" أو أقربائهم، ولا يحصل المدني هناك إلا على القليل النادر جدا، بينما تتكدس البضائع في مخازن ميليشا النظام وتصل أحيانا حد التلف والفساد فيقومون بتوزيعها فاسدة، وحدث مرة أن تسببت في حالات تسمم لدى السكان وتوفيت طفلة.
باختصار النظام استولى على معظم المساعدات ووزعها على جيشه وأسر الشبيحة من الدفاع الوطني، وقد سجلت حالات بيع مواد إغاثية من قبل بعض التجار بالتعاون مع ضباط النظام ولن يصل إلا القليل جدا للعائلات.
أما الخبز الحصول عليه يحتاج المبيت ليلا على باب الفرن حتى اليوم التالي مع تحمل كل الشتائم والإهانات من قبل عناصر الدفاع الوطني هناك.
وأصبحت الفاكهة حلم والأطفال الذين أعمارهم أقل من 5 سنوات لا يعرفون طعم كثير من الفاكهة ولا يعرفون طعم الشوكولاته، بل يرونها بأيدي ميليشيا النظام فقط.
هل لاحظتم تنسيقا أو تعاونا بين النظام وداعش؟
ليس تنسيق مباشر لكن النظام هو المستفيد من الحصار محليا ودوليا ، فهو يصور نفسه صامدا محاربا للإرهاب ومحاصر وبحاجة لدعم ضد الإرهاب، وهنا أؤكد أن النظام يستطيع شحن بضائع ومساعدات بالطيران وإلزام التجار بأسعار محددة، وكانت داعش قد سمحت بادخال شاحنات خضار في بداية الحصار لكن النظام منعها بحجة أنها قد تكون مفخخة.
وهناك طريق بري هو طريق تدمر فرغم خطورته نسبيا لكن النظام يستطيع جلب بضائع عبره ﻷو الاتفاق مع داعش على نقاط محددة كما حصل في " اتفاقية نقل القمح" من الحسكة إلى اللاذقية بالساحل السوري عن طريق داعش والاتفاق ثلاثي بين النظام وداعش و الـ PKK( وحدات حماية الشعب الكردية ) ونقل كثير من البضائع الأخرى.
والغريب أن المعبر الوحيد المفتوح لمدينة الحسكة والقامشلي وريفها هو معبر مبروكة على طريق الرقة وهو تحت سيطرة داعش، فكيف تحاصر داعش أحياء في دير الزور بحجة إنها لقوات نظام ومدنيين كفرة، وتغدق بالبضائع على مدينة أخرى يسيطر عليها النظام والقوى الكردية التي تعلن جهارا بأنها تقاتل داعش؟ هذا الإتجار بأقوات الناس زاد من شدة الحصار.
يرى بعض المراقبين أن داعش لم ينفذ عمليات ضد قوات النظام ولا قوات الحرس الثوري الإيراني وميليشياته الطائفية .. ما صحة ذلك؟
داعش لعبة دولية " فزّاعة " يتم نقلها من مكان إلى آخر لتبرير بعض التدخلات البرية الأجنبية أو قصف بعض المناطق وتدميرها والميليشيا جاءت لتقضي على الثورة بطريقة إجرامية.
ولم ينفذ داعش أي هجوم ضد النظام في دير الزور، فقط يستهدف المدنيين، علما أنه قادر لو أراد أن يسيطر على ما تبقى من أحياء، فيبدو الوضع في دير الزور كحالة هدنة غير معلنة بين الطرفين، ويستهدفان المدنيين فقط.
وما يثبت إن استخدام داعش كفزاعة لعبة دولية ماحدث في مدينة تدمر الأثرية التي سيطر عليها داعش وأخذها من النظام بعملية استلام وتسليم واضحة من أجل دعم داعش بالسلاح، فالنظام ترك السلاح بالصناديق، وسرق الآثار، وغطى على جرائمه بتفجير سجن تدمر، وهو المعتقل الشاهد على فظائعه النظام منذ خمسين عاما.
ما يؤكد كلامي قتلت داعش كل ناشطي الثورة الذين بقوا في المدينة وكل العسكريين من الجيش الحر، فما لم يستطع فعله النظام نفذه داعش التي تجاهر بخروجها عن كل القوانين الدولية، ولا ننسى ما قاله بشار الأسد " إن الرقة في أيدٍ أمينة " والرقة مركز الخلافة لداعش.
هل تعتقدين أن النظام يستخدم داعش في تصفية المعارضة؟ وما الدليل على ذلك؟
نعم ، وفي دير الزور النظام استقدم ميليشيا الحرس الثوري الايراني وحزب الله الى دير الزور في شهر سبتمبر عام 2012 فارتكب مجزرة بحق المدنيين، الذين هم في مناطقه وحاصر منطقة الجيش الحر لكنه عجز تماما عن اقتحامها، وتفاجأنا أن قلة من الثوار استطاعوا بسلاحهم الخفيف الصمود وكسر الحصار.
بعدها استقدم داعش للمدينة، حيث حارب الثوار أكثر من 6 أشهر، كانوا وحدهم على جبهات داعش والنظام، وللأسف لم تقم أي دولة في العالم بمساعدتهم حتى استولى داعش على معظم المدينة وريفها مرتكبة جرائم قتل وإبادة بحق قرى كاملة، و تهجير العديد منهم.
إذن ما حصل هو إدخال داعش حليفة الأسد والقضاء على الثورة هناك، وهذا فعلا حدث، ويحصل كل فترة تقتحم داعش جبهات للنظام يسقط بها بعض القتلى من النظام والكثير من المدنيين في القصف المتبادل ثم ينسحب الطرفان ، هذه تمثيلية أصبحت مكشوفة ، بين النظام وداعش ليظهرا" العداوة" بينهما .