أزمة كبيرة تلوح في الأفق بين السلطة القضائية في مواجهة السلطتين التنفيذية ممثلة في الحكومة والرئيس، والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس النواب، والذي يُعد مشروع قانون يتيح لرأس السلطة التنفيذية التدخل في تعيينات رؤساء الهيئات القضائية.
يبقى السؤال الأهم "هل نحن أمام تكرار لمآساة هشام جنينة"، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات السابق، فقد صدر قرارا من الرئيس عبد الفتاح السيسي حمل رقم 89 لعام 2015، منح نفسه الحق في عزل رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة رغم نص الدستور والقوانين الخاصة المنظمة لها على الاستقلالية، وكان مفهوما حينها أن القرار اختص "جنينة" بشخصه بسبب حديثه عن الفساد.
التعديلات سيعاني منها السيسي
من جانبه قال المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، إن الإصرار على تمرير قانون تعيينات رؤساء الهيئات القضائية، يؤكد وجود نية مبيتة للتدخل في استقلالية القضاء، فالدستور أعطى استقلالية للقضاء فيما يتعلق بتنظيم جميع شؤونه.
وأضاف سليمان، لـ "مصر العربية"، أن وزير العدل لديه سلطات موسعة على القضاة ومنها أنه من يعين رؤساء المحاكم، ويحيل الدعاوى التأديبية، كما أن التفتيش القضائي تابع لوزارة العدل وليس مجلس القضاء الأعلى، وهذا تدخل موجود بالفعل من السلطة التنفيذية في أعمال القضاء.
وأكد أن الباعث خلف تعديلات القانون منع أشخاص بعينهم من الوصول إلى رئاسة محاكم النقض ومجلس القضاء الأعلى، ذاكرا المستشار أنس عمارة، نائب رئيس محكمة النقض وأقدم المستشارين سنا.
واعتبر أن هذا القانون من دروب الخراب للقضاء، وسيعاني منه السيسي فيما بعد فهو لن يدوم في الحكم وسيحتاج يوما ما إلى قاضي عادل ينصفه.
المستشار أنس عمارة
ويٌحسب المستشار أنس عمارة، ضمن التوجهات القضائية للمستشار حسام الغرياني، والذي اتسم بنزاهته في الأحكام القضائية ومعارضته الواضحة للتدخل في شؤون القضاء، وتولى رئيس مجلس القضاء الأعلى عقب المستشار سري صيام، وكان من أوائل المنادين بتيار استقلال القضاء، وأصدر حكما تاريخيا عام 2003 ببطلان الانتخابات التي فاز بها زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية حينها، ونظم أول وقفة احتجاجية للقضاة عام 2005، و 2006، بسبب إحالة المستشارين هشام البسطويسي ومحمود مكي، نتيجة لاعتراضهم على تزوير الانتخابات.
مخالفة صريحة للدستور
يتفق معه في الرأي المستشار، أحمد مكي، وزير العدل الأسبق، والذي رأى أن مشروع القانون المقدم من النائب أحمد حلمي الشريف مخالف للدستور بشكل صريح، فالدستور ضمن استقلالية القضاء.
مشروع القانون المقدم من النائب أحمد حلمي الشريف، عضو اللجنة الدستورية والتشريعية يقضي بتعديل نص المادة 44 من قانون السلطة القضائية والذي يمنح رئيس الجمهورية حق تعيين رؤساء الهيئات القضائية ومنها رئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس محكمة النقض، ورئيس مجلس الدولة، ورئيس هيئة قضايا الدولة.
وأوضح مكي، لـ "مصر العربية"، أنه لا يجوز لأي سلطة أن تتدخل في تعيينات رؤساء الهيئات القضائية، وهذا يكشف إصرار السلطة التنفيذية على التدخل في أمور القضاء والسيطرة عليه.
وتساءل مكي: هل يمكن أن يكون الهدف من القانون منع شخصيات حرة لن تأتي على هوى الدولة من تقلد المناصب القيادية في السلك القضائي، هل يمكن أن يكون بهدف منع المستشار أنس عمارة، نائب رئيس محكمة النقض، أو المستشار يحيى دكروري، نائب أول رئيس مجلس الدولة، من تولي مجلس القضاء الأعلى.
المستشار يحيى دكروري
المستشار يحيى دكروري، صاحب العديد من الأحكام التي لم توافق هوى السلطة التنفيذية ومنها حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وأوقف الانتخابات البرلمانية 3 مرات في عامين، وتنحى عن نظر الدعاوى القضائية المقامة لإلغاء التحفظ على أموال الإخوان.
ما يُثار إدعاءات
المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق، خالف الأراء السابقة، ورأى أن تعيينات القضاة كانت تتم وفقا للعرف السائد وهو الأقدمية، ولا يوجد إلزام بهذا المبدأ في التعيين، أو للرئيس أن يأخذ بالأقدمية.
العرف الذي ساد في التعيينات القضائية على مدار الفترات السابقة يقضى بأن يكون التعيين بالأقدمية المطلقة، لكن الأن سيختار الرئيس شخصية من بين 3 ترشحهم تلك الجهات، دون وجود إلزام له أن يكون الاختيار وفقا للأقدمية، وهو المشروع الذي رفضه مجلس الدولة، معلنا في خطاب رسمي مُرسل إلى مجلس النواب أنه يتعارض مع مبدأ استقلال الهيئات القضائية ومع قانون مجلس الدولة ولائحته التنفيذية، لكن كان رد البرلمان أن مجلس الدولة رأيه استشاريا وسيتم مناقشة القانون.
وأشار السيد، لـ "مصر العربية"، إلى أن الرئيس السيسي لم يعلن رغبته في إقصاء مستشارين بعينهم أو محاباة غيرهم، حيث أن ترشيح الشخصيات لمجلس القضاء الأعلى يكون من خلال محكمة النقض ولن يتم هذا الأمر قبل 25 يونيو المقبل.
وتابع: حتى الآن لا يوجد ترشيحات لهذه المناصب، وكل ما يُشاع حولها مجرد إدعاءات ليس لها أساس من الصحة، ويهدف إلى خلق حالة من حالات الفتنة دون داعي.