خبراء ردًا على التقرير الأمريكي: مصر أفلست بالفعل

الرئيس عبدالفتاح السيسي وترامب

جملة من القرارات الاقتصادية اتخذتها حكومات الرئيس عبدالفتاح السيسي المتعاقبة، وصفها العديد من الخبراء بأنها "انهكت المصريين"، جاءت أبرزها في 2016، إذ جاء قرار تحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر الماضي، لينهي عامًا من القرارات "الصعبة"، حيث تسبب القرار في ارتفاع أسعار السلع والخدمات لأكثر من 100 %.

 

وأعقب قرار تحرير سعر الصرف، قرارات أخرى، كرفع أسعار بيع المازوت والغاز للمصانع بما يعادل نحو 50%، وذلك في إطار إصلاح نظام الدعم الذي يلتهم ربع الميزانية.

 

كما لجأ البنك المركزي إلى إلغاء قائمة أولويات الاستيراد، وتقليص التمويل النقدي لعجز الميزانية، ما تسبب في تراجع واردات مصر بنسبة 19%.

 

وتسبب إقرار الحكومة وموافقة مجلس النواب، على قانون ضريبة القيمة المضافة عاملاً مباشراً في زيادة معاناة المصريين من أزمة الأسعار، وجاءت نسبة الضريبة الجديدة في حدود 13% في العام الأول من صدور القانون ترتفع لـ 14%.

 

مصر معرضه للإفلاس

 

وفي تقرير أمريكي كشف أسرار تراجع الدعم المالي الخليجي وبعض الدول المانحة لمصر أعدته لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي ولجنة من مستشاري البيت الأبيض؛ أعلن عن وجود مشكلات "تتعلق بالسياسات الاقتصادية غير الرشيدة والمتضاربة" التي تتبعها الحكومة المصرية.

 

وأرجع التقرير الذي صدر عن اللجنة بدرجة "سري جدا" في 18 يناير 2017، واستلمه مكتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأسبوع الماضي، تمهيدًا لمناقشته، وتحديد أسلوب تعامل الإدارة الأمريكية الجديدة مع مصر، في المرحلة المقبلة.

 

وبيَّن تقرير لجنة العلاقات الخارجية أن النفقات الحكومية لا تولد إيرادات كافية واكتشاف الجهات المانحة والداعمة لمصر أنّ استقبال المزيد من المساعدات "مجرد أقنعة لموارة مشكلات تتعلق بالسياسات غير الرشيدة والمتضاربة" وأنّ تمويل النفقات الجديدة من منح خليجية هو مجرد نقل المشكلات المالية إلى المستقبل القريب.

 

وأوضح التقرير وجود "فجوة سنوية تقدّر بنحو 15 مليار دولار تتعلق بتمويل العجز الحكومي، وأنّ المساعدات الخليجية لمصر لم تقدم إلا الحدّ الأدنى من الإغاثة لاقتصاد يتعرض حاليًا للإفلاس.

 

السيطرة السياسية

 

وبيّن التقرير أن "النظام المصري يقدِّم الدعم للمواطنين بهدف السيطرة السياسية، وخوفًا من انهيار الأمان الاجتماعي، مع ذلك سيكون من الصعب تنفيذ برامج الحد الأدنى للأجور الذي يناهز نحو 127 دولار شهريًا، وتقليص العجز في الموازنة، ويقف عثرة أمام السياسة المالية التوسعية التي تنتهجها الحكومة حاليًا، لعدم امتلاكها وسائل تمويل تلك البرامج.

 

وذكر التقرير أنّ سياسة إصلاح الدعم وبخاصة المتعلقة بالطاقة والأغذية، ليس لها أهداف معينة "إلا التهدئة الوقتية بدلاً من تأسيس استدامة اقتصادية، وذلك لعدم قدرة القيادة على كبح جماح الانحدار الاقتصادي" وتفاقم مشكلة الاحتياطي الأجنبي مع حساسية مصر للتغيرات في أسعار السلع والنفط والغاز الطبيعي وكونها أكبر مستورد للقمح في العالم.

 

وحذر التقرير من تعرض مصر لصدمات خارجية تتعلق بكوارث طبيعية وعدم الاستقرار السياسي بما يضيف أعباءً تمويلية تتكبدها، ومع ظروف أخرى محلية تتعلق بالانخفاض السريع في قيمة الجنيه المصري، وتقليص المساعدات الأجنبية أو إنهائها أو وقوع حدث سياسي غير متوقع، يدفع المصريين إلى تبديل جنيهاتهم بالدولار.

 

وشرح التقرير خطورة تلك الصدمات بتأكيده على أنّ "وجود احتياطي أجنبي محدود تحت تصرف الدولة سيجد البنك المركزي صعوبات كبيرة في الدفاع عن العملة، بما يرفع معدلات التضخم، وقد تضطر مصر إلى طبع الأموال بما يضاعف الضغوط التضخمية المرتبطة بانخفاض قيمة العملة".

 

وتناول التقرير توابع الأزمة المالية، بتأكيده أنّ أزمة الإفلاس التي تواجه مصر لن تقع من حدث واحد، بل" نتاج عوامل سياسية واقتصادية عديدة موجودة بالفعل".. مع عدم استدامة الدعم الخليجي على المدى الطويل، إذا ثبت أنّ الاحتياجات المصرية أكبر من التوقعات، حال تطور التصدعات السياسية، وتغير أولويات تلك الدول، واستمرار الضغوط على ميزانياتها المحلية، على غرار ما تتعرض له حاليًا.

 

مصر أفلست

 

الخبير الاقتصادي مدحت نافع، علّق على التقرير الأمريكي، قائلًا: "لم يفاجئني محتوى التقرير بل وجدت كثيراً من التحذيرات التي أطلقها تتوافق مع مقالات حديثة لي، وربما كان أكثرها اتصالاً بموضوع التقرير مقال بعنوان (دعوات التقشف المسمومة)".

 

وأضاف لـ"مصر العربية": "المؤشرات التي تناولها التقرير كلها معلنة وليس فيها معلومات سرية لكن أسلوب التحليل والاستنتاجات المترتبة عليه، والتي تصل إلى التحذير من مخاطر التعثّر التي تعرضت لها اليونان خروجا عن المألوف وحملا رؤية سلبية للاقتصاد المصري يقرأها البعض في سياق رغبة أمريكية في المساعدة وأقرأها أنا في سياق آخر يحمل مخاطر التدخل الخطير في الشأن الداخلي بغرض فرض مزيد من السيطرة على خارطة المنطقة ومستقبلها".

 

وتابع: "الاقتصاد المصري انتقل من مرحلة الانكشاف لتقلبات العملة إلى مرحلة أكثر دقة يتعرّض فيها الاستقرار المالي كله للخطر"، مضيفًا: "القطاع المصرفي سيقود هذه المرحلة خاصة مع الإعلان عن تدهور معدلات كفاية رأس المال في معظم البنوك ما يستدعي إعادة رسملة تلك البنوك وإعادة النظر في التسهيلات والقروض التي تمنحها وخاصة تلك التي تخصص لإقراض الحكومة والتى ترتفع فرصتها البديلة، إذا ما خصصت لنشاط استثماري منتج".

 

وأنهى تصريحه لـ"مصر العربية"، قائلًا: "الانكشاف الخارجي للدولة كبير جداً مع دين خارجي يزيد بمعدلات كبيرة ليصل إلى ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي في ظل عدم استقرار الإيرادات الدولارية للبلاد وهذا الدين لا يمكن سداده بطباعة البنكنوت وإنما بمزيد من الاستدانة! في النهاية يكون التعثر عن سداد خدمة الدين الخارجى بمثابة إفلاس لا قدر الله".

 

أحمد خزيم، المستشار الاقتصادي، قال: "علميًا واقتصاديًا احنا دولة مفلسة، والدليل على ذلك أن كل الاحتياطي المصري عبارة عن ودائع للسعودية والإمارات والقروض"، مضيفًا: "الدولة بتقترض بطريقة غير طبيعية".

 

وأوضح خزيم لـ"مصر العربية"، أن الإفلاس هو أن يكون حجم الناتج القومي أقل من حجم الإنفاق العام، وهذا ما يحدث في مصر الآن، وبالتالي مصر دخلت "الدائرة الجهنمية" أي عجز في الموازنة، وسيترتب على ذلك، اقتراض يرفع من حجم الأعباء المالية، ويؤدي للتضخم ثم يؤدي إلى بطالة وارتفاع أسعار وهكذا.

 

وأضاف: "مصر تعرضت في 2016 لأكبر معدل انهيار في العملة منذ انشائها، تجاوز الـ 50 و 60 %"، مبينًا أن قرار تعويم الجنيه أفقد جزء من قوته وقيمته الشرائية، مطالبًا بضرورة البدء في إجراءات حمائية، قبل الدخول في نفق مظلم لن نخرج منه، وتابع: "ما يحدث الآن مؤشر بأن مصر تجاوزت حدود الامان كدولة".

 

وأشار إلى أن قرض صندوق النقد الدولي، هو أحد أسباب إفلاس مصر، كما حدث في اليونان، فالصندوق من حقه أن يدير ميزانيتك لضمان أمواله، وإذا لم تتخذ اجراءات سريعة سيُعلن البنك افلاسك، أو ستضطر لبيع قرارك السياسي لبعض التحالفات الدولية.

 

أمر مستبعد

 

على الجانب الآخر، أشار الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، إلى أن الحديث عن إفلاس مصر كلام خاطئ، قائلًا: "عندنا غاز وعندنا ضرائب، والسياحة وإن كانت ضعيفة لكنها تعمل الآن"، مضيفًا: "الحديث عن الإفلاس لسه بدري عليه، ممكن نقول تدهور الوضع الاقتصادي".

 

وعن القروض وتأثيرها على الوضع الاقتصادي المصري، قال: "القروض قصيرة الأجل قليلة جدًا ولا تؤدي للافلاس، أم الخوف فهو من القروض طويلة الأجل، ومصر لم تطلب أرقام كبيرة وهذا في صالحنا".

 

وأضاف الخبير الاقتصادي لـ"مصر العربية": "ممكن يحدث تعثر اقتصادي، وتقلبات اقتصادية عنيفة، أما أن نتحدث عن الإفلاس فهذا أمر صعب ومستبعد".

 

واستبعد الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي، الحديث عن إفلاس مصر، قائلًا: "القرارات الاقتصادية خاطئة وعملت معاناة كبيرة للمواطن المصري، فالأسعار ارتفعت، والشارع الآن أصبح لا يتحدث إلا عن لقمة العيش، حتى السلع التموينية لم تسلم من القرارات الاقتصادية".

 

وأضاف لـ”مصر العربية”: "مصر عمرها ما توقفت عن سداد أي قروض أو ديون، وهذا ما يؤدي للإفلاس، حتى بعد ثورة يناير وما حدث من تعثر اقتصادي لكن مصر التزمت بسداد ديونها".

 

وعن الخوف من تكرار سيناريو اليونان، قال: "اليونان اعتمدت على قروض كثيرة ولم تستطع سداد هذه الديون واضطرت للرضوخ لشروط الصندوق والاتحاد الاوروبي، ومصر ليست جزء من الاتحاد الأوروبي، وبالنسبة للقروض فاحتياطي مصر يسمح بالسداد، خاصة وان هناك قروض على 30 عاما".

مقالات متعلقة