بالتفاصيل.. لغز حادث أتوبيس نويبع على لسان الناجين من الموت

أحد مصابي حادث نويبع

وجوه ساهمة تحملها أجساد خاوية، تتناثر أمام الأبواب المغلقة في انتظار إعلان انتهاء كابوس"حادث نويبع".. تفاصيل توضح المشهد في ردهة الطابق الخامس بمستشفى سموحة الجامعي التخصصي، حيث تجتمع أسر المصابين مع الأبناء داخل الغرف، بينما يقف الأصدقاء في الخارج.

 

بين هدوء العاصفة واحتدامها الذي تتداخل فيه الأصوات المتعالية، يتحرك المشهد في تلك الردهة، حيث يشهد نشاطا أثناء مرور طاقم الأطباء والتمريض، واعتراض الأسر وقت غيابهم، ويقف أحد الآباء موجها حديثه لمشرفة الدور"عاوز مدير المستشفى، هاتولي دكتور" وحينما تخبره بأن الأطباء المتواجدين في الدور  هم ممن يعملون بالأجر ولا يوجد طبيب في الوقت الحالي يرد"وهم الدكاترة عدموا؟ لو بنتك مش حتستحملي" ولا يهدأ حتى يأتي طبيب لمتابعة حالة ابنته.

 

الأمر بدأ بـ "رائحة شياط"

 

"الأتوبيس وقف أول مره علشان فردة الكاوتش ضربت  قبل عطل الفرامل الأتوبيس  وقف ما دارش وبعدين دورناه وركبنا  بعدها بخمس دقايق شمينا ريحة شياط" بهذه الكلمات بدأ محمد "حيزة" أحد المصابين روايته عن الحادث الذي عاشه برفقة "خطيبته" وشقيقتها.

 

كان "حيزة" يجلس إلى جانب النافذة بالمقعد المجاور للباب الأوسط بالأتوبيس، يتابع ما يحدث فالطريق يرتفع عن الأرض بـ 10 أمتار تقريبا، والسائق يحاول أن يدير الأتوبيس بعيد عن مخر السيول، معلقا"كل اللي في الجانب التاني وقعوا عليا أنا وخطيبتي" متابعا"أنا لو مكان السواق وجنبي أرض عادية حدخل في شجرة، لكن الطريق تحت 10 أمتار.

 

لم يتمكن السائق من التحكم في سرعة الأتوبيس، عقب فنزل إلى مخر السيول بسرعته، فيما كان المشهد الأخير في ذهن حيزة كلمة"أشهد أن لا إله إلا الله" التي رددتها إحدى ضحايا أسرة"محمد معاون"، يقول حيزة"أنا لقتني بره ومعايا خطيبتي وأختها ومعانا أسماء يسري قبل مع أول قلبة إحنا وقعنا وده ستر ربنا، والباقي كملوا لتحت".

 

وتابع"وأنا طالع لقيت السواق تحت الأتوبيس" مشيرًا إلى أنهم صعدوا إلى الطريق ونقلهم أمين شرطة في البوكس إلى مستشفى دهب، مؤكدا أن الإسعاف والمسعفين في شرم الشيخ لم يقصروا في شيء، وأنهم على مستوى عال من التميز، إلا أن مستشفى دهب تفتقد للإمكانات، وعن مستشفى شرم الشيخ قال"ماكنتش أعرف إن في مستشفى حكومي كده، أنا كنت في أوتيل"

 

داخل الغرفة رقم 519 تجلس أسماء يسري طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الصيدلة،  وإلى جانبها والدتها وصديقاتها، تقول أسماء أنه قبل الحادث بيومين وقعت مشكلة للأتوبيس، مشيرة إلى ما ذكره حيزة عن"رائحة الشياط"، وعقب ذلك أبلغهم السائق بأنه تم حل المشكلة وبدأوا في التحرك من جديد، معلقة"ماحدش كان متوقع حجم المشكلة".

 

عقب وصولهم إلى دهب بدأت الرحلة التنقل إلى المناطق المحددة لبرنامجها بواسطة السيارات التابعة للفندق، استقل أسماء الأتوبيس مع زملائها، وخلدت إلى النوم في الطريق، لتستيقظ على تكرار رائحة"الشياط" وصيحات البعض في طفل كان يقف في وسط الأتوبيس مطالبين إياه بالجلوس.

 

وعن تعليقاتهم حول هذه الرائحة قالت"علقنا أول مرة، تاني مرة ماكنش في فرصة نعلق"، مشيرة إلى أن السائق نجح في تفادي أول ملف، لكنه فشل في الملف الثاني.

 

رغم كل ما حدث، لم تفقد أسماء وعيها، ولاحظت وجود أشخاص كثيرون يحاولون إنقاذ المصابين، موضحة أنها لم تسمع السائق قبل انقلاب الأتوبيس وسمعت من زملائها أنه كان يتحدث في الهاتف ويقول"طالما كان في مشكلة ما اتحلتش ليه؟" موضحة يقصد بذلك صيانة الأتوبيس في فترة تواجدنا في الرحلة لمدة يومين.

 

أعلنت الجامعة عدم مسئوليتها عن تنظيم الرحلة، في الوقت الذي تنصل اتحاد الطلاب من تنظيمه للرحلة، بينما تقول أسماء أن منظمين الرحلة هم أعضاء في اتحاد الطلاب، لكنها لا تعلم إذا ما كانت الرحلة من تنظيم الاتحاد أم لا.

 

في ردهة المستشفى كانت الأصوات تتعالى حيث يطالب أحد الأباء بحضور طبيب لمتابعة حالة ابنته، في الوقت الذي وصفت فيه أسماء امكانات المستشفى ب"زفت"، مشيرة إلى أن مستشفى شرم كانت مجهزة بشكل أفضل، بينما مستشفى سموحة لم تجد فيها الرعاية المناسبة.

 

وفي الغرفة 510 تجلس والدة أحمد طلحة المصاب بكسر في الذراع  تراقبه بأعين شاكرة، بينما يلتف حوله أصدقائه، فيما يبدأ هو في في الحديث عن الرحلة فيقول، أن الرحلة كانت دهب وسانت كاثرين، ونظمها أفراد من اتحاد الطلاب، وكان يصاحبنا فيها 2 مشرفين تابعين للشركة.

 

الشركة وسياسة الأمر الواقع.. سائق لم ينم وأتوبيس قديم

 

قبل انطلاق الرحلة من الإسكندرية فوجئ الطلاب بإرسال الشركة أتوبيسات من طراز mcv 500، رغم الإعلان مسبقا بأن أتوبيسات الرحلة من طراز mcv600، لتقع مشادة بين طلاب ومشرفي الشركة إلا أن رد الشركة قالت"هو ده الموجود".

 

لم يكن نوع الحافلة هي المفاجأة الوحيدة بالرحلة، فحين انطلاق الرحلة جلس طلحة إلى جانب السائق، ليعلم أنه لم ينم منذ 3 أيام، وأنه عائد من رحلة مماثلة لرحلتهم، ورغم الانخفاض الشديد في درجة الحرارة إلا أن السائق ترك النافذة المجاورة له مفتوحة، ويضع إلى جانبه زجاجة مياه باردة كان يبلل بها "كوفية" يضعها حول رقبته حتى يظل مستيقظا.

 

ظل الأمر طبيعيا حتى وصولهم إلى طابا حيث التقطت المجموعة صورا تذكارية للرحلة، واستقلوا الحافلة متوجهين إلى دهب، أثناء ذلك ظهرت الرائحة التي ذكرها من قبل حيزة وأسماء، لينظر طلحة خارج الأتوبيس فيلاحظ خروج دخان من إطار الأتوبيس، معلقا"قلتله أقف الكاوتش تقريبا فرقع، نزلنا لقينا فرامل الأتوبيس كانت مكسورة ودخلت في الكاوتش سيحته".

 

اضطرت الرحلة للتوقف في محطة وقود، ليقوم السائق بإزالة الفرامل المكسورة قائلا"أحنا حنمشي واحدة واحدة لحد الفندق"، طوال الرحلة قام السائق بإجراء اتصالات هاتفية مع أشخاص نصحوه بإزالة الفرامل الخلفية اليمنى وأن يعمل الثلاثة الآخرين، يقول طلحة أنه حين وصولهم الفندق طالب السائق بأخذ قسط من الراحة لاستكمال الرحلة بأمان إلا أنه رفض وأخبره أنه سيتجه إلى شرم الشيخ لإصلاح الأتوبيس، ليفاجئ طلحة باتصال هاتفي من السائق يخبره أنه فصل الفرامل الخلفية وقال"حنمشي زي ما جينا واحدة واحدة حتعدي، أنا علشانكم أنتم لو استنينا لحد ما يبعتوا حد البرنامج بتاعكم حيتعطل".

 

وأضاف طلحة"السواق لما رجع نام وماحدش عرف يصحيه"، فلجأ الطلاب للاستعانة بسيارات تابعة للفندق لاستكمال البرنامج، وفي اليوم التالي توجهوا للسفاري مستقلين الحافلة الخاصة بالرحلة، في اليوم الثالث كان موعد توجه الرحلة لرأس شيطان وأثناء ذلك ظهرت رائحة"الشياط" مرة أخرى، وحاول السائق التحكم في الفرامل إلا أنه فشل في ذلك.

 

"لا تستخدم المكابح" لافتات تنتشر بطول الطريق تحذر السائق، وحاول السائق لف "الفتيس" بطريقة عكسية، يقول طلحة"مش عارف تقريبا اتكسر في إيده"، في الوقت الذي وصلت سرعة السير إلى ما يقارب 130، حاول وقتها تفادي الملف الأول، قبل الملف الثاني أوشكت الرحلة على الاصطدام بسيارة أخرى، حاول السائق تفاديها ففشل في النجاة من الملف الثاني.

 

سيارات نصف نقل تنقل بعض المصابين وبدو يحاولون الإسعاف، آخر ما انطبع في ذهن طلحة عن الحادث، ولم يتذكر بعدها أي شيء، إلى أي مستشفى نقل؟كيف تم نقله؟ لا يذكر منها أية تفصيلة، مؤكدا أن المسئولية تتحملها الشركة التي أخلت بالاتفاق وأرسلت حافلة من طراز أقدم، وسائق لم ينم منذ أيام، وصيانة لم تقم بها خلال أيام الرحلة.

 

وعن الرعاية الصحية في مستشفى شرم الشيخ ومستشفى سموحة، قال طلحة إن مستشفى شرم الشيخ كانت مجهزة بإمكانات أعلى، وأنه بالفعل كان قد تم تجهيز عدد من الحالات لإجراء جراحات لهم إلا أنهم فوجئوا بقرار إعادتهم للإسكندرية قائلا"كان في ناس فعلا لبست زي العمليات"، مشيرا إلى أن الأزمة في مستشفيات مصر بأكملها هو عدم وجود أدوية وهو ما حدث معهم في مستشفى شرم الشيخ، معلقا"كنت أطلب مسكن يجي بعد 3 ساعات".

 

معاناة عائلة 3 وفيات و3 إصابات

 

في ساحة الطابق وحيث يقع المصلى، خرجت 3 سيدات ترتدي واحدة منهن ملابس سوداء، وترتدي الأخريات ملابس داكنة، نحاول معرفة صلتهم بالمصابين لنفاجئ بأن واحدة منهن هي خالة الأشقاء الثلاثة لأسرة محمد معاون"سالي، ولاء، خالد" وتخبرنا الخالة بأن أزمة العائلة كبيرة، فغير وفاة الأشقاء، يتواجد شقيقهم الرابع "عامر" في العناية المركزة، بينما ترقد 2 من بنات خالهم"ندى وميار" في انتظار إجراء جراحات، لتصاب العائلة في 6 من أفرادها.

 

وأوضحت أن إبنه خالهم ندى وهي الطالبة في كلية الصيدلة اصطحبت اختها وأولاد عمتها في الرحلة، واحدة منهم في كلية التجارة، والأخرى في كلية الفنون الجميلة، وخالد 10 سنوات، وأنهم أرادوا الاستمتاع برحلة للتنشيط والسياحة الداخلية معلقة"هي دي السياحة؟وفين الرقابة على الأتوبيس؟"

 

وأوضحت أنه حتى إن كانت شركة السياحة شركة خاصة، لابد أن تخضع للرقابة لقياس مستوى الجودة بها، مشيرة إلى أن الجميع قال أن الفرامل هي سبب الحادث وأنه كانت هناك رائحة"شياط" في الأتوبيس قبل وقوع الحادث، إلى جانب أنه قديم ومتهالك.

 

لم تتمكن الأسرة من إخبار المصابين بوفاة الأشقاء الثلاثة حفاظا على حالتهم النفسية، حيث أنهم يعانون من صدمة عصبية ولا يحتملون المزيد، وهو ما دفع السيدات لارتداء ملابس داكنة بدلا من السوداء، أثناء تواجدهم في المستشفى قبل التوجه لتشييع الجثامين.

 

في الوقت الذي انتقدت العائلة إمكانات المستشفى، التي طالبتهم بشراء شرائح ومسامير خاصة بعملية إحدى الفتيات، إلا أنه أثناء زيارة أحد قادة الجيش وحين علم بذلك الأمر، أخبرهم بأنه سيتم توفير كافة المستلزمات مطالبا إياهم بعدم شراء أي منها على نفقتهم، معلقة"المفروض أن المستشفى مجهزة، وحتلاقي شكاوى من أكثر من عائلة".

 

ولم تحمل الخالة الحادث للشركة وحدها، بل حملتها للحكومة المسئولة عن رصف الطرق، متسائلة"هي أرواح الناس رخيصة كده؟، مؤكدة أن شقيقتها في حالة يرثى لها بعد وفاة أبنائها، وأن ما سمعته من المصابين أن السائق أخبرهم في الثواني الأخيرة"اتشاهدوا على روحكم"

من جانبه قال الدكتور تامر حسن مدير مستشفى سموحة التخصصي الجامعي إن المستشفى استقبلت في الثانية من صباح اليوم الأحد 34 حالة من مصابي حادث أتوبيس نويبع، عقب نقلهم بطائرة عسكرية من مستشفى شرم الشيخ، مشيرا إلى أنهم اعلنوا حالة الطوارئ وأن المستشفى لديها كافة التجهيزات لمساعدة المرضى.

 

وأضاف حسن أنه تم استدعاء كافة رؤساء الأقسام والمساعدين، وأساتذة الأقسام، وتم الانتهاء من فحص الحالات فور استقبالها من الثانية صباحا حتى الرابعة صباحا، موضحا أن عدد الحالات المتبقية في المستشفى 15 حالة، وأن باقي الحالات خرجت عقب إجراء الفحوصات الطبية اللازمة والأشعة والاطمئنان على حالتهم، مشيرا إلى وجود 6 حالات في حاجة لإجراء جراحات عظام سيتم الانتهاء من العمليات في يومين.

 

وأكد أنه رغم كبر الحادث إلا أن الإصابات لن تخلف إعاقات جسدية، مشيرا إلى أن الحالات الخطرة وعددها حالتان مازالت في مستشفى شرم الشيخ الدولي، أحدهم تعاني من تهتك في الكبد، والأخرى تعاني من كسور في الجمجمة وكدمات بالمخ، موضحا أنه سيتم إرسال استشاريين لمعرفة مدى إمكانية نقل الحالات وإجراء جراحة لها بالإسكندرية.

مقالات متعلقة