تصدرت قضية الطلاق الشفهي الساحة الإعلامية خلال الأسابيع الماضية، بعد البلبلة التي أثارها اقتراح الرئيس عبد الفتاح السيسي، المتعلق بضرورة إعداد قانون يُحتمّ وقوع الطلاق أمام المأذون فقط، وذلك للحدّ من ارتفاع ظاهرة الطلاق في مصر.
الرئيس السيسي طلب من الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، خلال كلمته باحتفالات عيد الشرطة، الرأي الشرعي في مسألة الطلاق بهدف وضع حلول مناسبة لهذه الظاهرة للحد منها، فاعتقد البعض أن الرئيس السيسي يدعو الأزهر إلى إلغاء الطلاق الشفهي واقتصار وقوع الطلاق أمام المأذون فقط، خاصة وأن الرئيس ذيّل مقترحه بدعابة لشيخ الأزهر قائلا: "تعبتني يا فضيلة الإمام"، فهاجم بعض الإعلاميين الطيب وطالبوه بالاستقالة بدعوى فشله في تجديد الخطاب الديني، وفسروا هذه الدعابة على أن الرئيس فاض به الكيل من تصرفات الإمام الأكبر.
في الفترة من 24 يناير إلى 5 فبراير حرص الأزهر على عدم إصدار أي تصريحات متعلقة بمسألة الطلاق الشفهي، واكتفوا بالإشارة إلى أن الموضوع محل دراسة وبحث من هيئة كبار العلماء منذ ما يقرب من 4 أشهر، وهي وحدها صاحبة الاختصاص ولا قول قبل أن تنتهي الهيئة من بحث هذا الأمر.
الطلاق في عيون الإفتاء
وخلال هذه الفترة أكّد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، أن تخوف الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن قضية الطلاق الشفوي في محلّه، لأنها مشكلة كبيرة وتحتاج إلى عناية خاصة من كافة الجهات من مؤسسات دينية ومراكز الأبحاث الاجتماعية وعلماء الاجتماع والنفس وكافة الجهات المعنية وذلك للبحث عن أسباب الطلاق وطرق علاج هذه الظاهرة.
وبيَّن مفتي الجمهورية أن هناك أسبابًا كثيرة لظاهرة الطلاق منها ما هو اجتماعي وما هو اقتصادي بجانب جهل الزوجين بحقوق وواجبات بعضهما البعض، وبدراسة كل هذه الأسباب والسعي لوضع حلول لها نصل إلى حل لهذه الظاهرة، لافتا إلى أنه يقع على عاتق الدعاة والمشايخ وأمناء الفتوى مسئولية تبصير الناس بالأمر الشرعي في مسألة الطلاق.
وحول سؤال عن هل الطلاق الشفهي يقع؛ أجاب المفتي بأنه يقع وفق القانون المصري، والقانون يلزم أيضًا من يقع الطلاق منه أن يوثقه، والسائل عندما يأتي لدار الإفتاء ونرى أن الطلاق قد وقع منه ننصحه بالذهاب للمأذون وتوثيق الطلاق خلال 30 يومًا.
وقال علام: قبل أن نبحث عن حكم الطلاق الشفهي وقع أم لا؛ يجب أن نعالج أنفسنا أولاً؛ فكلمة الطلاق أصبحت كلمة سهلة في المجتمع ومنتشرة؛ حتى إن غالبية الطلاق الذي يأتي إلى دار الإفتاء لا علاقة له بالعلاقة الزوجية لأن بعض الأزواج يقحمون الطلاق في أمور التجارة وغيرها، مؤكدًا أن الطلاق علاج للحياة الزوجية إذا فشلت سبل العلاج، ويجب أن نمتنع تمامًا عن تكرار كلمة الطلاق على الألسنة.
بدوره قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء : "إن الطلاق بلفظ صريح يقع عندما يقوله الزوج لزوجته بنصه دون تحريف لأحد حروف اللفظ، بشرط أن يكون قاصدًا"، موضحًا أنّ الطلاق مسألة ربانية في كل الأديان السماوية، وأن حلها يحتاج إلى حكمة، ويكون هذا بالسياسات وليس بالإجراءات، مؤكدًا أن التسرع وعدم الاطلاع والبحث في هذه المسالة قد يؤدي بنا إلى ضعف فى الحلول، لافتًا إلى أن قضية الطلاق قد تحتاج إلى أزمان طويلة لدراستها.
وأشار إلى أن عدم احتساب الطلاق الشفوي مصيبة سوداء، ومن شأنه إحداث فتنة اجتماعية لا قبل لنا بها، وسيخلق مشاكل جديدة لبلادنا، فقد يطلق الرجل زوجته فى اليوم 10 مرات ويدعي أنّه كان يهرج .
الأزهر يخرج عن صمته
وجاء بيان هيئة كبار العلماء في 5 فبراير، بتأكيد وقوع الطلاق الشفوي المستوفي أركانَه وشروطَه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق، وهو ما استقرَّ عليه المسلمون منذ عهد النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وحتى يوم الناس هذا، دونَ اشتراط إشهاد أو توثيق.
وطالبت الهيئة المطلِّق أن يُبادر في توثيق هذا الطلاق فَوْرَ وقوعِه؛ حِفاظًا على حُقوقِ المطلَّقة وأبنائها، ومن حقِّ وليِّ الأمر شرعًا أن يَتَّخِذَ ما يلزمُ من إجراءاتٍ لسَنِّ تشريعٍ يَكفُل توقيع عقوبةً تعزيريَّةً رادعةً على مَن امتنع عن التوثيق أو ماطَل فيه؛ لأنَّ في ذلك إضرارًا بالمرأة وبحقوقها الشرعيَّة.
ورأت هيئة كبار العلماء أنَّ ظاهرةَ شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، لأن الزوجَ المستخفَّ بأمر الطلاق لا يُعيِيه أن يذهب للمأذون أو القاضي لتوثيق طلاقه، علمًا بأنَّ كافَّة إحصاءات الطلاق المعلَن عنها هي حالاتٍ مُثبَتة ومُوثَّقة سَلَفًا إمَّا لدى المأذون أو أمام القاضي، وأنَّ العلاج الصحيح لهذه الظاهرة يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكلِّ أنواعها، وتثقيفهم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة، والفن الهادف، والثقافة الرشيدة، والتعليم الجادّ، والدعوة الدينية الجادَّة المبنيَّة على تدريب الدُّعاة وتوعيتهم بفقه الأسرة وعِظَمِ شأنها في الإسلام؛ وذلك لتوجيه الناس نحوَ احترامِ ميثاق الزوجية الغليظ ورعاية الأبناء، وتثقيف المُقبِلين على الزواج.
وناشِدت الهيئةُ جميعَ المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الحذَر من الفتاوى الشاذَّة التي يُنادي بها البعض، حتى لو كان بعضُهم من المنتسِبين للأزهر؛ لأنَّ الأخذَ بهذه الفتاوى الشاذَّة يُوقِع المسلمين في الحُرمة.
وأهابت الهيئة بكلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ التزام الفتاوى الصادرة عن هيئة كبار العلماء، والاستمساك بما استقرَّت عليه الأمَّةُ؛ صونًا للأسرة من الانزلاق إلى العيش الحرام.
وحذرت الهيئة المسلمين كافَّةً من الاستهانة بأمرِ الطلاق، ومن التسرُّع في هدم الأسرة، وتشريد الأولاد، وتعريضهم للضَّياع وللأمراض الجسديَّة والنفسيَّة والخُلُقيَّة، وأن يَتذكَّر الزوجُ توجيهَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ الطلاق أبغَضُ الحلال عند الله، فإذا ما قرَّر الزوجان الطلاقَ، واستُنفِدت كلُّ طرق الإصلاح، وتحتَّم الفراق، فعلى الزوج أن يلتزم بعد طلاقه بالتوثيق أمام المأذون دُون تَراخٍ؛ حِفظًا للحقوق، ومَنعًا للظُّلم الذي قد يقعُ على المطلَّقة في مثلِ هذه الأحوال.
واقترحت الهيئة أن يُعادَ النظرُ في تقدير النفقات التي تترتَّب على الطلاق بما يُعين المطلَّقة على حُسن تربيةِ الأولاد، وبما يتناسبُ مع مقاصدِ الشريعة.
الهجوم على الأزهر
بيان هيئة كبار العلماء قوبل بهجوم كبير خاصة من الدكتور سعد الدين الهلالي، والداعية الإسلامي خالد الجندي، اللذين تبنيا قضية الطلاق الشفهي قبل عامين، وآخرين.
وقال سعد الدين الهلالي خلال الندوة التي أقيمت في معرض القاهرة الدولي للكتاب، لمناقشة كتاب "استقلال المرأة في الإسلام" للشيخ محمد الغزالي :"اللى بيحللوا الطلاق الشفهى أعداؤنا ولازم نقف قدامهم"، فيما تساءل الجندي قائلا : "الطلاق الشفوي يكون من الزواج الشفوي، لكن ازاي الواحد يتزوج بورقة ويطلق بكلمة؟"، مؤكدًا أن متطلبات العصر الحالي تقتضي إلغاء الطلاق الشفوي، لأن هناك من يطلق زوجته شفويًا، ويرفض الاعتراف بالطلاق.
وأضاف: " المرأة عند هؤلاء الشيوخ ما هي إلا آلة للمتعة ووسيلة من وسائل تلبية رغبات الحياة أو ماكينة طبخ وصناعة محشي، كما هي من وجهة نظرهم شيء مكمل ويمكن للحياة أن تستقيم بدونهم.. وعيب أوي أن تكون المرأة المصرية أكثر نساء العالم قهرًا على أيدي من يتزعمون الخطاب الديني".
فيما علق الكاتب الصحفي خالد منتصر، على إقرار هيئة كبار علماء الأزهر عبر تدوينه له على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" قائلا :"الأزهر يتحدى السيسي، ويؤيد الطلاق الشفهي ويدبح القطة له وللدولة المدنية، ويرسخ دولة الملالي وسيطرة الكهنوت".
وأضاف: "عض قلبي ولا تعض رغيفي، أنها معركة شرسة ساهمت فيها لجنة الخمسين، وجعلت موقف الدولة المدنية ضعيفاً أمام سلطة الأزهر المتغولة والمتوغلة، وياما حنشرب بسبب مواد الدستور التي منحته هذه السلطة وجعلت شيخه غير قابل للعزل، ومؤسسته هي دولة داخل الدولة".
أما أحمد السيد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، فأعرب عن استغرابه من قرار هيئة كبار العلماء، قائلا : "مستغرب فعلاً من الأصدقاء الذين يهللون لرفض الأزهر لما طرحه الرئيس بشأن عدم جواز الطلاق الشفوي وضرورة أن يكون الطلاق على يد مأذون، فما طرحه في هذا الشأن له علاقة بآلية حديثة للحفاظ على الأسرة ولإدارة العلاقات بين أطرافها على أسس مدنية وليس بناء على الفتاوى السلفية التي لا تراعي التغيرات الاجتماعية عبر الزمن والتي تساهم في كثير من الأحيان في الجمود والتخلف الاجتماعي".
وأضاف: "وبما أننا نطالب دائمًا ببناء دولة مدنية حديثة، فهذا النوع من الطلاق الشفوي لا علاقة له بالحداثة أو المدنية، قد يكون من الإيجابي أن تكون هناك استقلالية في فتاوى المؤسسة الدينية عن رغبات السلطة التنفيذية، لكن ذلك لا يعني أن كل تلك الفتاوى إيجابية، بل إنها في هذه الحالة لا علاقة لها بالحداثة والتطور".
واختتم: "كما أن الدولة المدنية الحديثة لا تدار بفتاوى من رجال هذا الدين أو ذاك، بل عبر قوانين تستهدف الصالح العام وتطبق على الجميع وتنطلق من العناصر الإيجابية في الميراث الحضاري والأخلاقي والديني والأعراف والمنجزات الحضارية الإنسانية عمومًا، لذا فإن فتاوي رجال الدين لا تلزم الدولة في بنائها القانوني الذي يستهدف الحفاظ على وحدتها الأساسية وهي الأسرة".
هكذا دافع أبناء الأزهر
في المقابل قال الدكتور عبد المنعم فؤاد أستاذ العقيدة وعميد كلية الدراسات الإسلامية للوافدين، إن من يظن أن الأزهر بكيانه وعلمائه وهيئاته وتاريخه يمكن أن يفرط في شرع الله فهذا وهم وضرب من الخيال.
وأشار إلى أنَّ الأزهر يعرف الرسالة الملقاة على عاتقه ولا يمكن أن يقول إلا بما يتوافق مع صحيح الدين وتاريخه يشهد بذلك، ولهذا خوّل له الدستور الأمر في مثل هذه المسائل ولم يخوله لفرد أو أفراد، مضيفًا: "زمن فوضى الفتاوى انتهى.. وليقف المفترون على الأزهر عند حدودهم وليطمئن الخائفون".
وبدوره شدد الدكتور محمود شهاب الدين أستاذ الإعلام بجامعة الأز هر، على أن شريعة الله ليس فيها مجاملات أو ضغوط، وما فعله الأزهر ليس صفعًا لأحد كما يدعى البعض، ولكن حسمًا لهلع ساهمت بعض الأطراف في صناعته.
وأكد أستاذ الإعلام، في تدويه له على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، أن الأزهر مؤسسة عريقة تحترم عالميتها وتعلم أن العزة في صحيح شرع الله ومن ابتغاها في غيره هلك ومن معه.
وأضاف: "أما عن إثارة الرئيس السيسي للقضية؟ لو درسنا السياق التي عرضت فيه سنعلم أنه طلب حلا لمشكلة، والقصد لم يكن الطلاق الشفهي، كما أوله البعض ولكنه أراد الحد من الظاهرة وهو محقّ في ذلك فأتاه الحل في بيان الأزهر.
وأوضح شهاب الدين، أنَّ الأزهر حصن الدولة المتين ولن يكون بينه وبينها خلاف كما يدعي؛ لأن الحصن يأوى المتحصن به والأخير يعززه ويجمله، مضيفًا: "بعدا لكم أيها المتصيدون واللاعقون .. وحيا الله إمام السنة وهيئة كبار العلماء".