القطاع المصرفي عقب التعويم.. «كفاية رأس المال» أزمة كبيرة تواجه البنوك

انخفاض قيمة العملة المحلية يعرض البنوك لمخاطر ائتمان

منذ تعويم الجنيه، يواجه القطاع المصرفى تحديات كبيرة يتصدرها الحفاظ على معيار كفاية رأس المال، فى ظل زيادة التوقعات بتراجعه تأثرًا بتضخم قيمة الأصول الدولارية، عقب القرار الاقتصادي الصعب. ويعد معدل كفاية رأس المال، من المؤشرات الهامة والتى تعكس قدرة البنوك على مواجهة المخاطر، وتغطية الالتزامات من خلال قياس ناتج قسمة القاعدة الرأسمالية على إجمالى الأصول، والالتزامات العرضية المرجحة بأوزان المخاطرة. وأكد خبراء على أهمية حجز الأرباح وتقليل حجم التوزيعات؛ للحفاظ على معيار كفاية رأس المال، بالإضافة إلى هيكلة محافظ التمويل يما يخص التركز الائتمانى لأكبر العملاء، حيث تواجه بعض البنوك مشاكل بسبب زيادة وزن المخاطر الترجيحى، بما ينعكس سلباً على كفاية رأس المال.  

وعقب قرار تحرير سعر الصرف في نوفمبر الماضي، قالت وكالة "موديز للتصنيف الائتماني"، إن انخفاض قيمة العملة المحلية يعرض البنوك لمخاطر ائتمان أعلى فى محفظة القروض وانخفاض معيار كفاية رأس المال المتراجع بالفعل.

 

وأوضحت المحللة الرئيسية للبنوك المصرية، فى وكالة "موديز"، ميلينا سوكردوا -في تصريحات صحفية- أنه وفقًا لتقديرات الوكالة فإن معيار كفاية رأسمال البنوك، انخفض 1.5% عقب التعويم، مرجعة ذلك إلى أن 50% من الأصول المرجحة بالمخاطر مقومة بالعملات الأجنبية.

 

وأشارت إلى أن معدل كفاية رأس المال لدى أى بنك هو انعكاس لقدرة البنك على مواجهة أى أزمات أو خسائر محتمل حدوثها فى ظل التحديات الجديدة التى تفرضها المرحلة المقبلة، كما يعكس مدى قدرة البنك ووفائه بالتزاماته تجاه العملاء، وهو أيضًا مقياس للملاءة المالية لأى بنك.

 

وتراجعت معدلات كفاية رأس المال لدى نحو 12 بنكاً من بين 19، أفصحوا عن المعيار فى ميزانيات أعمالهم، بنسب تراوحت بين 0.26 و8.61 % خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2016، وقبل بيان أثر تحرير سعر صرف الجنيه، مدفوعاً بارتفاع محافظ الأصول، بينما لم تتعد نسب ارتفاع المعيار لدى البنوك السبعة المتبقية 2.25%، حسب إحصاءات غير رسمية.

 

وشهدت الشهور الأخيرة بالعام الماضى، تحرك مجموعة من البنوك منها المصرى الخليجى، والمصرف المتحد، وقطر الوطنى، لدعم معدلات كفاية رأس المال، عبر سيناريوهات متعددة، منها الحصول على قروض مساندة من مراكزها الرئيسية، أو مساهميها بالنسبة للبنوك الأجنبية، أو الاتجاه لزيادة رؤوس أموالها.

 

كما اتجهت بنوك لهيكلة محافظ استثماراتها فى الأوراق المالية، فى الربع الأخير من 2016، بناءً على توجيهات من البنك المركزى، تنصح بتحويل جزء من المحفظة إلى أوراق مالية محتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق بدلاً من إتاحتها للتداول أو البيع. وكإجراء احترازى للحفاظ على قواعد رأس المال، تحسبًا لخطوة تحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، ورفع العائد عليه، تقوم البنوك بتبويب استثماراتها فى الأوراق المالية ضمن بند «المتاحة للبيع»، إذا ما كانت تنوى التخلص منها فى الأجل القصير، ويطلب ذلك تكوين احتياطى لها بما ينعكس على القاعدة الرأسمالية.

 

سلوى العنترى، المدير السابق للبحوث بالبنك الأهلى، قالت إنه طبقًا لاتفاقية "بازل"، يجب ألا يقل الحد الأدنى للسلامة عن 10 %، وهو عبارة عن قسمة قاعدة رأس المال على الأصول الخطرة "التمويلات والقروض"، مشيرة إلى أن البنوك أصبحت تواجه مشكلة أن قيمة الأصول كانت توجد بها نسبة بالدولار، ومع ارتفاعه تضخم حجم الأصول المقسوم عليها، وبالتالى قلّ معدل الكفاية.

 

كارثة

سعيد توفيق، أستاذ الاقتصاد والتمويل، بجامعة عين شمس، قال إنّ ما حدث للبنوك بعد تحرير سعر الصرف، مصيبة كبيرة، ومن الممكن أن يعرضها للانهيار كما حدث مع بنك "الاعتماد والتجارة" في لندن.

 

وأضاف توفيق في تصريحات لـ"مصر العربية": “لا يوجد موارد الآن لدى الحكومة لدعم البنوك الحكومية، لذلك يجب إفساح المجال لهذه البنوك بأن تستقطع جزءا من الأرباح المحتجزة لترفع بها رأس المال".

 

وقال أستاذ الاقتصاد والتمويل، إن قرار تحرير سعر الصرف فُرض على مصر كقرار اقتصادي، لا مفر منه، لكن محافظ البنك المركزي لم يُراع جوانب عديدة قبل القرار، أهمها أصول البنوك التي انهارت".

 

وأضاف: “كان يجب على متخذ قرار التعويم، أن ينظر للقرار بشكل أكثر شمولية"، مضيفًا: “ليس في صالح اي أحد أن ينهار البنك الأهلي، وإذا حدث ذلك، ستنهار مليارات الودائع بتاعتنا".

 

وعن اقتراح بنك CIB، أوضح توفيق، أنه قرار جيد جدًا، مضيفًا: “لازم نجرب كل البدائل"، وأشار إلى أنه يوجد حل آخر، وهو طرح جزء من أسهم هذه البنوك للاكتتاب العام، لكنه أكد أنّ الاقتراح يحتاج دراسة جيدة.

 

هشام إبراهيم، الخبير المصرفي، أوضح أن المعني بهذا الأمر ليس البنك المركزي وحده بل الملاك أيضًا، مشيرًا إلى أنه يجب عليهم بحث أسباب هذه المشكلة.

 

وعن اقتراح بنك CIB بتوزيع كوبون نقدي بقيمة 50 قرشًا لكل سهم عن أرباح 2016، قال "إبراهيم" في تصريحات لـ"مصر العربية": "ليس من المفترض على البنوك أن تفعل هذا"، مشيرًا إلى أن هذه سياسة خاطئة وليس هذا حلاً.

 

وأضاف: "للخروج من هذه المعضلة، على البنوك أن تدعم القاعدة الرأسمالية، لأن القاعدة هذه ترفع من شأن البنك"، مشيرًا إلى أن البنك المركزي اعتاد أن يخرج قوانين لتجويد أداء البنوك، ولكن البنوك عليها أن تجد الحلول".

 

أشرف إبراهيم، الباحث الاقتصادي، أكد أنّ مشكلة تراجع معدلات كفاية رأس المال لدى البنوك، تمثل خطورة كبيرة على القطاع المصرفي برمته.

 

وأوضح، في تصريحات لـ"مصر العربية"، أنه من الممكن أن يتهاوى البنيان المصرفي في حالة عدم اتخاذ حلول عاجلة لمواجهة هذه الأزمة، ومن الممكن أن ينخفض تصنيف البنوك ومن ثم يتم خلق حلقة مفرغة من عدم اليقين، ربما تعجل بإشعال الأزمة.

 

وأضاف: "ربما يكون أول الحلول هو عدم التمادي في تعميق الأزمة عن طريق التوسع الائتماني، وبالتالي ينبغي تخفيض معدلات التمويل على الأقل هذه الفترة. ومن الممكن أن تعمد البنوك إلى زيادة رأس المال حتى تغطي الفجوة الموجودة".

 

تحديات ومخاطر

 

أكد أكرم تيناوى، الرئيس التنفيذى لبنك الشركة المصرفية العربية الدولية، في تصريحات صحفية، أنّ المرحلة المقبلة قد تشهد تحديات ومخاطر كثيرة ومعقدة وقد تصل إلى تحديات يومية تواجه كل البنوك، ويأتى على رأسها حماية رأس مال البنك أو ما يسمى مؤشر كفاية رأس المال والسيولة النقدية.

 

وأشار إلى أن مصرفه كان لديه محفظة قروض ونسب نمو ونسب تعثر وجميعها تأثرت بتحرير سعر الصرف وارتفاع سعر الفائدة على الإيداع والإقراض، وهذا التأثير انعكس على كافة البنوك، ومن المتوقع أن يكون معيار رأس المال ومدى كفايته هو أكبر تحد للجهاز المصرفى خلال 2017 .

 

وأوضح يحيى أبوالفتوح، نائب رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى أن المحفظة الائتمانية للبنك الأهلى فى وضع مستقر وآمنة من التعثر، كما أن معدل مخاطر المشروعات الصغيرة والمتوسطة بسيط جدًا وقد لايتجاوز ٪2، مشيرا الى أن البنك لديه البيانات الكاملة عن أغلب العملاء الذين يتعاملون معه، فضلاً عن اتخاذ كافة الإجراءات التى تضمن استمرار هؤلاء العملاء فى السداد.

 

كما حذر الخبير الاقتصادى خالد الشافعى، من أن البنوك قد تواجه مشكلة محتملة خلال الفترة المقبلة، وهى حدوث اضطراب فى البنوك بسبب تراجع معدلات كفاية رأس المال، بعد تعويم الجنيه، والحل أمامها هو زيادة رأسمالها أو خفض الحدود الائتمانية وتقليل منح القروض وعدم التوسع فى إعطاء القروض للشركات والأفراد خلال الفترة القادمة. وأشار الخبير الاقتصادى، في تصريحات صحفية، إلى أن البنك المركزى هو السبب الأساسى للأزمة، بعد إعطائه الإذن للبنوك بإقراض مجموعة من الشركات والعملاء، أثناء أزمة عدم فتح الاعتمادات، دون وجود صادرات بالدولار لتلك الشركات تغطى مديونياتها، ما تسبب فى أزمة للمديونية الدولارية، والبنوك لا تستطيع إقراض شركات ليست لديها صادرات بالدولار دون الحصول على إذن من البنك المركزي.

 

 وأقر البنك المركزى تعليمات جديدة بشأن التركز الائتمانى مطلع العام الماضى، تقضى بخفض الحد الأقصى لتوظيفات البنوك لدى العميل الواحد، من 20 % إلى ، من القاعدة الرأسمالية، والعميل والأطراف المرتبطة من 25% إلى 20%. وفرض المركزي إجراءين حال تجاوز إجمالى التسهيلات الائتمانية الممنوحة لأكبر 50 عميلًا، والأطراف المرتبطة به عن 50 %، من المحفظة الائتمانية، يتمثل الأول فى رفع وزن المخاطر الترجيحى على قيمة التجاوز عند حساب معيار كفاية رأس المال إلى 200 %، عند تراوح النسبة المشار إليها لأكثر من 50 %، حتى 70 % من إجمالى المحفظة، و%300 حال تجاوز النسبة عن 70 % من المحفظة. فيما يمثل الإجراء الثانى مراعاة ألا تزيد قيمة التجاوز عن نصف القاعدة الرأسمالية، فى فروع البنوك الأجنبية، ومنح «المركزي» البنوك مهلة عام لتوفيق أوضاعها مع هذا القرار.

مقالات متعلقة